الجمعة 27 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

خليد كدري: جريمة غير مسبوقة في تاريخ الجامعة المغربية.. مسالك الفلسفة تعتمد «ملفات وصفية» مسروقة!

خليد كدري: جريمة غير مسبوقة في تاريخ الجامعة المغربية.. مسالك الفلسفة تعتمد «ملفات وصفية» مسروقة! خليد كدري

كتبت هذا المقال وأنا موقن بأن مصيره لن يختلف كثيرًا عن مصير مقال كتبته قبل نحوٍ من سنتيْن؛ وكان موضوعه سرقة علمية (Plagiat) اشتملت عليها أطروحة دكتوراه في السوسيولوجيا قام صاحبها − الذي يشغل الآن منصب «أستاذ محاضر مؤهل» في جامعة شعيب الدكالي − بالسطو الهمجي على أكثر من ثلاثين صفحة بحذافيرها من رسالة ماجستير أجنبية... أَجَلْ، ولا تسألُنّ عن جنسية صاحبة الرسالة!

 

أذكر في هذا الصدد أنني راسلت المسؤولين كافّة من السيد عميد كلية الآداب بالجديدة إلى السيد وزير التعليم العالي، مرورًا بالسيد رئيس جامعة شعيب الدكالي، معزّزًا رسائلي جميعًا بالأدلة والحجج الدوامغ على حصول السرقة وثبوت الجريمة. وبعثت إلى المسؤولين المذكورين أيضًا برسائل تذكير، ولكن على غير جدوى! ولمّا أيقنت بأنني أصيح في وادٍ قَفْر، لجأت إلى الصحافة الوطنية التي نشرت لي مقالًا في الموضوع. وفي إثر ذلك، دُعِيَت «اللجنة العلمية» التابعة لكلية الآداب للانعقاد من أجل النظر في النازلة واتخاذ القرار المناسب. ولكن سرعان ما انكشفت المسرحية «العميدية» المخزية، بدليل أن اللّص لا يزال يزاول مهام التدريس والتأطير − وما لست أدري أيضًا... − لقاء سحتٍ معلوم من المال العام، وكأن شيئًا لم يكن!

لقد أديت واجبي الأخلاقي والمهني والوطني، وأرحت ضميري على كلِّ حال؛ فسحقًا للمجرمين الذين لا يرون أبعد من جيوبهم وكراسيهم...

 

وكما تصدّيت في مقالي السابق لفضح لصّ كلية الآداب بالجديدة، أودّ التّصدّي في مقالي هذا لفضح جريمة لعلّها أدهى وأخطر؛ ذلك لأن الأمر يتعلق، كما سنرى، بوثيقة رسمية صادرة عن وزارة التعليم العالي وملزِمة للأساتذة والطلاب المغاربة قاطبة! ولو كنت موقنًا بأن مراسلة المسؤولين في شأنها تجدي نفعًا، لما بدرت إلى كتابة هذا المقال... وإليكم الخبر:

بينما كنت أراجع الملف الوصفي لمسلك الإجازة في الفلسفة، استعدادًا لتدريس الوحدات الوطنية الجديدة، استرعى انتباهي أن الملفات الوصفية الخاصة ببعض الوحدات قد صيغت بلغة سقيمة لا تحترم أبسط قواعد الإملاء والصرف والتركيب... وأن أسلوبها لا يختلف عن أساليب الترجمة الرديئة التي أعرفها جيّدًا بحكم اهتماماتي. وعلى الرغم من ذلك، فقد أسبقت حسن الظن بمحرّري الملفات المذكورة، ورجّحت أن تكون لسقامة اللغة ورداءة الأسلوب علاقة بتكوينٍ أعجمي غالب (فرنسي أو إنجليزي مثلًا...)؛ وما كان يجري على بالي أن وراء الأكمة ما وراءها!

 

ولم أزل على هذا الاعتقاد حتّى وقفت على أمور شائنة خيّبت ظني وأبطلت اعتقادي، إذ اكتشفت أن الوثيقة الوزارية المحترمة تشتمل على فقرات عديدة مسروقة بحذافيرها من مصادر شتّى، ورقية وإلكترونية! وإليكم مثالان على ذلك:

1. نقرأ في الملف الوصفي الخاص بوحدة «الإيكولوجيا وفلسفة الحياة» (M232):

«ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻤﻴﺰ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ الإيكولوجيا ﺳﺒﻌﺔ ﺗﻴﺎرات رﺋﻴﺴﻴﺔ: الإﻧﻬﻴﺎري Effondristes اﻟﺬﻳﻦ يعتقد ﺑﺄن اﻟﻜﺎرﺛﺔ الإﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ أﻣﺮ ﺣﺘﻤﻲ. اﻟﺜﻮري Révolutionnaires ورﺛﺔ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻤﺎرﻛسي ﻟﻠﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ، اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻄﺎﻟﺒﻮن ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع إﻟﻰ اﻟﻮراء، واﻟﻨﺴﻮة Ecoféministes والاستقلاليDécoloniaux  واﻟﻨﺒﺎﺗﻲ Véganes اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻓﻌﻮن ﺷﻌﺎر ﻋﺪم اﻧﻔﺼﺎل اﻟﺒﻴﺌﺔ ﻋﻦ ﺣﻘﻮق اﻟﻤﺮأة والإنسان اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ واﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت، والإصلاحي Réformistes اﻟﺬي ﻳﺮى أن اﻟﺤﻞ ﻓﻲ اﻟﻨﻤﻮ الأخضر واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ، وأﻧﺼﺎر اﻟﺤﺪاﺛﺔ الإﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ Ecomodernisme والاﻗﺘﺼﺎد اﻟﺪاﺋﺮيEconomie circulaire 

 

تعليق:

هذا كلام مسروق من تقديم كتاب لوك فيري «الإيكولوجيات السبع» (Les sept écologies) الصادر سنة 2021 عن دار لوبسرفتوار بباريس؛ ونقرأ في هذا التقديم:

De fait, l’écologie se divise désormais en sept grands courants: les «effondristes», qui tiennent la catastrophe pour inévitable; les alarmistes révolutionnaires, héritiers de la critique marxienne du capitalisme, qui plaident pour la décroissance, comme les écoféministes, les décoloniaux et les véganes, qui considèrent la lutte pour l’environnement comme indissociable de celle pour le droit des femmes, des colonisés et des animaux; les réformistes, qui pensent au contraire que la solution se situe dans la croissance verte et le développement durable. Viennent enfin les partisans de «l’écomodernisme» et de l’économie circulaire que je défends ici.

وبصرف النظر عن السرقة، هل تستقيم عبارة من قبيل «يمكن ﺗﻤﻴﺰ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ الإيكولوجيا...»، أو «اﻟﺬﻳﻦ يَعْتَقِد ﺑﺄن...»؟ وهل ترجمة (Ecoféministes) هي «النسوة»؟!

ونقرأ في هذا الملف الوصفي أيضًا:

«ﺗﻨﻄﻠﻖ اﻟﺘﻴﺎرات اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻠﺴﻔﺔ الإيكولوجيا ﻣﻦ الاﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ أن ﻛﻮﻛﺐ الارض ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺳﻴﺌﺔ ﻟﻜﻦ ذﻟﻚ لا ﻳﻨﻔﻲ الاختلاف ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﺜلا ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻤﻮ الأخضر واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﺧﺪﻋﺔ، ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻗﺘﺮاح ﺑﺪﻳﻞ إﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻲ ﺣﺪاﺛﻲ ﻟﻠﻌﻘﺎب الإﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻲ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ رؤﻳﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ الإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻴﻪ ﻣﺘﺼﺎﻟﺤﺔ ﻣﻊ ﻛﻮﻛﺒﻬﺎ (الأرض) ﻟﻜﻦ ﻳﺒﻘﻰ ﺣﻞ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ الإﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ رﻫﻴﻦ ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻤﻴﻖ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﺒشرﻳﺔ.»

 

تعليق:

هذا كلام مسروق، مثل سابقه، من المصدر نفسه الذي نقرأ فيه:

Ces différentes composantes s’accordent sans doute sur le fait que la planète va mal, mais leur opposition n’en reste pas moins parfois radicale, les effondristes et les révolutionnaires tenant notamment la croissance verte et le développement durable pour des impostures. C’est à analyser les idées, les convictions et les propositions qui les animent que ce livre est consacré, mais aussi à proposer une alternative écomoderniste à l’écologie punitive, une vision du monde qui esquisse enfin un grand dessein enthousiasmant pour une humanité réconciliée avec elle-même comme avec sa planète.

 

واقترنت السرقة الأخيرة بالتدليس، ذلك لأن «البديل الإيكولوجي الحداثي» لم تقترحه مختلف تيارات الإيكولوجيا، كما زعم محرّرو الملف اللّصوص، بل إنما هو البديل الذي اقترحه المؤلف لوك فيري.

وبصرف النظر عن السرقة والتدليس، هل تستقيم عبارة من قبيل «ﺗﻨﻄﻠﻖ اﻟﺘﻴﺎرات اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻠﺴﻔﺔ الإيكولوجيا...»، أو «ﻳﺒﻘﻰ ﺣﻞ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ الإﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ رﻫﻴﻦ ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ...»؟ وهل ترجمة (écologie punitive) هي «العقاب الإيكولوجي»؟!

2. نقرأ في الملف الوصفي الخاص بوحدة «فلسفة التاريخ والسياسة» (M235):

«يشيّد ﻫﻴﺠﻞ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﺒﺮ سردﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺤﺮﻳﺔ الإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ: اﻟﺤﺮﻳﺔ الاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ واﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ، إﻟﻰ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ إﺑﺎن الإصلاح اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ، ﺛﻢ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. ﻳﻌﺜﺮ ﻫﻴﺠﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻞ وﺳﻂ اﻟﺘﺎرﻳﺦ؛ ﻟﻜﻨﻪ ﻋﻘﻞ ﻛﺎﻣﻦ، ﻋﻘلٌ لا ﻳﻤﻜﻦ إدراك ﻛﻠﻴﺘﻪ إلا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﺘﻤﻞ منجَز اﻟﺘﺎرﻳﺦ.

خاض التقليد الهرمونيطيقي منعطفًا جديدًا في منتصف القرن العشرين، حين حاول الفلاسفة إسباغ معنى على الأحداث التاريخية المستجدة ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﺮب واﻟﻜﺮاﻫﻴﺔ اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ واﻟﻘﻮﻣﻴﺔ. ﻟﻢ ﺗﻌﺪ سردﻳﺎت اﻟﺘﻘﺪم ﻣﻬﻴﻤﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ وﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﻒ الأول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌشرﻳﻦ. وﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن يشار لهذا النهج بأنه "تأريخ من أجل التذكر". رسم بول ريكور أفكارًا متوازية بين الذاكرة الشخصية، والذاكرة الثقافية، والتاريخ.

وﻫﺬا ﻳﻄﺮح ﻣﻬﺎم ﻓﻴﻠﺴﻮف اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﻦ خلال اﻟﺴﻴﺎﻗﺎت الاجتماعية واﻟﺨﻄﺎﺑﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ والصراعات اﻟﺘﻲ ﺗﺪور ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺤﻘﺒﺔ. وأن يقيّم ﻧﻘﺪيًا هذه اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ زاوﻳﺔ ﺧﺼﻮﺑﺘﻬﺎ اﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ. وﻳﻤﻜﻦ الاستعانة ﺑﻤﻔﺎﻫﻴﻢ "ﻓﻀﺎء اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ" و"أﻓﻖ اﻟﺘﻮﻗﻊ"، ﻛﻤﺜﺎل ﻟﻤﺎ ﻧﺤﺘﻪ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف الألماني كوزيليك.»

 

تعليق:

هذا الكلام مسروق، كذلك، من مقال دانيال ليتل (Daniel Little) المترجَم والمنشور في مجلة «حكمة» الإلكترونية (المملكة العربية السعودية)، بتاريخ 3 يوليو 2020، تحت عنوان «فلسفة التاريخ»؛ وهو من موادّ «موسوعة ستانفورد للفلسفة» (SEP). وإليكم رابطا المقال المترجم وأصله الإنجليزي، على التوالي:

https://hekmah.org/%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE/

https://plato.stanford.edu/entries/history/#ConcHis

 

 

وقد سُلِخ الكلام المذكور من مواضع متفرقة من المقال المترجم؛ واقترن السّلخ هنا أيضًا بالتدليس. وبيان ذلك على النحو الآتي:

• الفقرة الأولى − من «يشيّد ﻫﻴﺠﻞ...» إلى «منجَز اﻟﺘﺎرﻳﺦ.» − سُلِخت من الفقرة الآتية من المقال المترجم:

«يشيّد هيجل تاريخ العالم عبر سردية من مراحل الحرية الإنسانية: الحرية الاجتماعية للمدينة والمواطَنة في الجمهورية الرومانية، إلى الحرية الفردية إبان الإصلاح البروتستانتي، ثم الحُرية المدنية في الدولة الحديثة. حاول هيجل أن يضم حضارات الهند والصين في نظريته عن تاريخ العالم بالرغم من اعتقاده بجمودها وأنها تعيش ما قبل التاريخ (O’Brien 1975). لقد بنى هيجل لحظات خاصة أسماها لحظات تاريخية من الأحداث، تنخرط وسط صيرورة مؤدية إلى المرحلة الأخيرة والمكتملة من التاريخ والحُرية الإنسانية. فهو يرى، على سبيل العيّنة، أن اجتياح نابليون لمعظم أوروبا يمثل لحظة حدث تاريخي يؤدي منجزاً تاريخياً عبر إرساء الدولة العقلانية والبيروقراطية. يعثر هيجل على العقل وسط التاريخ؛ لكنه عقل كامن، عقلٌ لا يمكن إدراك كليته إلا عندما يكتمل منجَز التاريخ.»

وبصرف النظر عن السّلخ الشنيع، ردّد المحرّرون اللّصوص بعض أخطاء المترجم، ذلك لأننا نقرأ في الأصل الإنجليزي:

Hegel constructs world history into a narrative of stages of human freedom, from the public freedom of the polis and the citizenship of the Roman Republic, to the individual freedom of the Protestant Reformation, to the civic freedom of the modern state

فليت شعري هل تستقيم ترجمة من قبيل «يشيّد هيجل تاريخ العالم عبر سردية من مراحل الحرية الإنسانية: الحرية الاجتماعية للمدينة...»؟! وهل ترجمة (public freedom) هي «الحرية الاجتماعية»؟!

• الفقرة الثانية − من «خاض التقليد الهرمونيطيقي...» إلى «الذاكرة الثقافية، والتاريخ.» − سُلِخت من الفقرة الآتية من المقال المترجم:

«خاض التقليد الهرمونيطيقي منعطفًا جديدًا في منتصف القرن العشرين، حين حاول الفلاسفة إسباغ معنى على الأحداث التاريخية المستجدة بما في ذلك الحرب والكراهية العرقية والقومية والهولوكوست. لم تعد سرديات التقدم مُهيمنة بعد ما وقع في النصف الأول من القرن العشرين. ومن الممكن أن يشار لهذا النهج بأنه "تأريخ من أجل التذكر". ظهر المساهمون في هذا الطرح من الفلسفة الأوروبية، ومنهم وجوديون وماركسيون، ودافعهم هو البحث عن المعنى في الهولوكوست. رسم ريكور أفكارًا متوازية بين الذاكرة الشخصية، والذاكرة الثقافية، والتاريخ (2000).»

ونلاحظ هنا أيضًا مدى قباحة السّلخ والتدليس: لِمَ طارت كلمة «هولوكوست» يا تُرى؟ ولِمَ حُذفت الإشارة إلى الفلاسفة الوجوديين والماركسيين؟ ولِمَ طُمس العدد (2000) الذي يشير إلى سنة نشر كتاب بول ريكور «الذاكرة والتاريخ والنسيان»؟ وهل يصح أن يقال «هرمونيطيقي»؟!

• الفقرة الثالثة − من «وﻫﺬا ﻳﻄﺮح ﻣﻬﺎم...» إلى «اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف الألماني كوزيليك.» − سُلِخت من الفقرتين الآتيتين من المقال المترجم:

«أسهم رينهارت كوزيليك وهو أحد فلاسفة ما بعد الحرب، في فلسفة التاريخ، واتسمت مساهمته باختلافها عن الفلسفات القارية المذكورة آنفاً (انظر عن مساهمات كوزيليك حيث نوقشت باقتدار في أولسن 2012). ساهم كوزيليك في "فلسفة مفاهيمية ونقدية للتاريخ" (2002، 2004) وخلاصة ما أتى به، مع برونر Brunner وكونزه Conze عن مسيرة "مفاهيم التاريخ" في العالم الناطق بالألمانية والتي تعد من أهم منجزات هذا العمل (Brunner, Conze, and Koselleck 1972-97). يعتقد كوزيليك أن هناك ثلاث مهمات أساسية ينبغي للمفكر الما بعد تاريخي أن يهتم بها: أن يتعرف على المفاهيم المُمكنة أو الضرورية في توصيف التاريخ. أن يحدد هذه المفاهيم من خلال السياقات الاجتماعية والخطابات السياسية والصراعات التي تدور في نفس الحقبة. وأن يقيِّم نقدياً هذه المفاهيم المتنوعة من زاوية خصوبتها التحليلية للتاريخ.

ثمة مفاتيح هامة طورها كوزيليك من ضمنها "فضاء التجربة" و"أفق التوقع". وهناك نماذج زودنا بها كوزيليك عن مقولات "ما بعد التاريخ" مثل: احتمالية الموت والقدرة على القتل/الصديق والعدو/القريب والدخيل/السيد والخادِم. يقدّم كوزيليك هذه المفاهيم المتعارضة بوصفها شروطاً للتمثل للتاريخي.»

 

هل نحتاج إلى التنبيه، مرة أخرى، على مدى قباحة هذا السّلخ والتدليس؟!

أكتفي بهذين المثالين؛ وما هما سوى غيض من فيض! وفي وسعي تحرير تقرير مفصل من عشرات الصفحات إن اقتضى الحال. ولقد أخبرني بعض الزملاء بأن الملفات الوصفية الخاصة ببعض المسالك الأخرى لا تخلو من صنوف السرقة والسلخ والتدليس... لكنني لا أستطيع تأكيد صحة الخبر أو نفيها من دون دليل. وعمومًا، إذا كانت وزارة التعليم العالي قد آثرت دفن رأسها في الرمال، وتجاهلت حتى الآن ما تنشره الصحافة الوطنية في شأن السرقات العلمية التي صارت ديدن جيل من أشباه «الباحثين» المغاربة، فهل من حقها السكوت على هذا البلاء العظيم المطبوع بخاتمها الحكومي الموقّر؟

 

أعلم مسبقًا بأنني أصيح في وادٍ قَفْر، كما أعلم مسبقًا بأن جيش الوصوليين الجهلة سيَذُمّ كاتب هذه السطور، ويكيل له الشتائم سرًّا وعلانية، بدلًا من الأسف لما آلت إليه أحوال الجامعة المغربية، وهو أضعف الإيمان. لك الله يا وطني العزيز... علأ

خليد كدري، أستاذ باحث بجامعة شعيب الدكالي