الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

الصديق معنينو: موجة التفاؤل

الصديق معنينو: موجة التفاؤل الصديق معنينو
من شرفة البيت أطل على البحر وأحصي أمواجه دون التمكن من السباحة لأسباب صحية... أغتنم المناسبة فأقوم بمراجعة جديدة لمذكراتي... «أيام زمان» في أجزائها الستة وذلك في إطار الإعداد لإنجاز الطبعة الخامسة، بعد نفاذ الطبعة الرابعة والتي سميتها بـ «الطبعة الفضية»... يرجع سبب هذا الإقبال، بدون شك. إلى كون هذا الإصدار يتناول بكثير من التفاصيل ما عاشه المغرب من وجهة نظري، خلال الأربعين سنة المنصرمة، من أحداث ووقائع في فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني.
 
السنوات الأخيرة
بدأت مراجعتي للجزء السادس والذي حكيت فيه ما عشته وشاهدته خلال السنوات الخمس الأخيرة من حكم الحسن الثاني والتي عرفت تحولا عميقا في سياسته الداخلية.... تميزت بدستور جديد (1996) وانتخابات نزيهة (1997) فاز فيها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعدد وافر من المقاعد مما جعله مؤهلاً لتولي عدد من الحقائب الوزارية.
شهدت هذه الفترة كذلك حكومة يرأسها المحامي اليساري عبد الرحمان اليوسفي (1998) وما رافقها من موجة من التفاؤل والترقب. وأخيرا حكيت طويلا في الجزء السادس عن مرض الحسن الثاني وآخر قرارته ووفاته في الطابق الرابع من مستشفى ابن سينا بالرباط (يوليوز (1999).
 
صفحة مؤلمة
زوال الأربعاء 4 يبراير 1998 ، صدر عن التشريفات الملكية بلاغ مفاده أن..... «جلالة الملك استقبل عبد الرحمان اليوسفي... وكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة وقد قبل اليوسفي هذا التكليف... فوراً تكاثرت تصريحات الانشراح والاستعداد للعمل بعد تعبير الاتحاديين عن ارتياحهم مسرعين في محاصرة كاتبهم العام الدفعه الاختيار هذا أو ذاك للاستوزار.
 
كان الحسن الثاني باختياره لعبد الرحمان اليوسفي يريد إحداث هزة نفسية سياسية مفادها أن عصر المؤامرات قد ولى، وأن الوطن غفور رحيم، وأن خصوم الأمس أصبحوا أصدقاء اليوم، وأن المهم هو إنقاذ المغرب من السكتة القلبية». كان يرى أن اختيار اليوسفي دليل قاطع على نجاح التصالح والمصالحة وعلى طي صفحة مؤلمة ضيعت على المغرب عقوداً من المواجهة استعمل فيها كل جانب كافة أنواع التآمر والعنف والاستقواء وها هي الفرصة الذهبية مواتية لفتح آفاق واعدة.

أسرار اللقاءات
لاحظت في مذكراتي بأن الاتحاديين حاولوا الاطلاع على ما جرى في اللقاء الذي جمع اليوسفي بالملك لكن الرجل تحاشى ذلك بل احتفظ بأسرار ما جمعه مرارا مع الحسن الثاني... والمؤكد هو أن اليوسفي سعى دائما إلى نهج أسلوب ذكي للحصول على موافقة الملك والسعي إلى طمأنته... ومنها قبوله بوجود وزراء سيادة، وقيامه بتغيير أسماء بعض الوزراء الذين اقترحهم ولكن الملك تحفظ في شأنهم، إلى جانب الدخول في مفاوضات مع الأحزاب الإدارية لضمان أغلبية مريحة لحكومته.
 
من يتذكر
من منا يتذكر تلك الأيام وما رافقها من مفاجأت وتكهنات، وما شهدته من لقاءات في السر وأخرى في الكواليس... تفاصيل كل هذه الأحداث استقطب انتباه القراء فأقبلوا على مذكراتي رغبة في الاطلاع على ماجريات الأحداث في وقت حرج في حياة المملكة تميز بتدهور صحة الحسن الثاني وسعيه إلى ضمان هادئ لاستمرار العرش العلوي....
 
كل هذا يبدو الآن خيالاً رغم أنه لا يبعد عنا إلا بربع قرن... والحقيقة أننا كنا ننتظر المزيد من التفاصيل في مذكرات اليوسفي وهي مذكرات حررها أحد مريديه.... غير أنه نظرا للرقابة الذاتية والقفز على مراحل تاريخية، فقد جاءت المذكرات دون المستوى الرفيع لنضال رجل مارس السياسة في شطريها، السلمي والمسلح... اليوسفي سيظل عنوانا لموجة شعبية من التفاؤل.