كل يوم نودع كبيرا...
كان كبيرا... يحفر طريقا للمستقبل...
بالكلمة... بالموقف...
كل يوم ننعي كبيرا..
غاب... انقطعت أخباره...
وظهر ميتا....
لم يترك غير ذكرى وصور وابتسامة...
يختفون للأبد...
لأنهم لا يعوضون..
كزهرة نادرة... تأتي أوصافها فقط في كتب الأولين..فنكاد نشم ضوعها..
كل يوم...
كبير يختفي ليموت في صمت..
يراقب في حسرة وألم عالما لم يعد ينتمي إليه...
كبير... تعرفه أجيال بدأت تتوارى عن الأعين...
كان من زمن فاتن الحبر ... زمن هرب منا كخيط دخان انفلت من بين الأصابع...
في أقسى الظروف كانت المعارك نظيفة...
وكان اختلاف المواقع والمواقف لا يفتح جبهات في قصف الأعراض والفحش اللغوي، والحروب القدرة والفضائح والاغتيال المعنوي عبر وسائط جماهيرية...لم يعد لها عنان أخلاقي...
كل يوم نودع كبيرا...
أو بالأحرى يتخلص منا...
فقد صرنا عبئا عليه...
بل عبئا على زمن لا يطيق حكمتنا..
يرحلون... في صمت....
فيتقاطر النعي...
ويخرج الأصدقاء..
لكلٍّ قصة...
وحكاية ورثاء....
يخرجون من النسيان... حكايات زاخرة بالأمل...
سرديات كانت ستكون ذا قيمة إنسانية ودلالة اجتماعية، لو استخرجت في الحياة، لتصنع الحياة... والعرفان...
فالجحود قاتل... كالسم البطيء...
كل يوم نودع كبيرا...
كشجرة أخيرة نادرة... تحطب بفأس الجحود... ثم نقف لنبكي على ذكراها...
وندون... في سجل الموت مناقبها...
الكبار كثيرون...
في مكان ما صامتون...
يتابعون ما يقع في دهشة وقلق...
لا يفهمون هذه القسوة...
لا يفهمون هذه الرغبات الجامحة في الاستئصال... والنفي والإلغاء ...
لا يفهمون هذا التعدد المزيف...
هذه الخصومات بلا قضية...
هذه الاصطفافات الجديدة خارج قبيلة القلم والصحيفة والشعر والفن والرياضة...
كل يوم نودع كبيرا...
عزل نفسه عن عالم لم يعد ينتمي إليه....
أعتزل هدرا لا ينتج موقفا...
اعتزل سجلات لم تعد ترحم الأصول والجذور.
يتابع صخب هذا التزاحم في خنادق تتناسل في الجهة ذاتها...
يسمع دوي المدافع...
و يعد جثث كثيرة تسقط وتمشي حية....
كل يوم تتقلص خرائط القول الجميل... والخصومات البهية...
إلى لقاء في جنازة....
نودع فيه كبيرا...
ونتذكر كم كان بهيا...ونسينا زيارته حين اختلى وأفل...
بل اجتهدنا في اتهام عزلته...
فحتى منفاه الوجداني...
صار شبهة...
وداعا جمال براوي...
خالد أخازي، إعلامي مستقل وروائي