الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد اجماهري: مرافعة أممي من الجنوب.. إلى الرفاق الاشتراكيين في فرنسا

عبد الحميد اجماهري: مرافعة أممي من الجنوب.. إلى الرفاق الاشتراكيين في فرنسا عبد الحميد اجماهري
وجدتني، أنا المناضل الاتحادي الاشتراكي، في حيرة من الأمر : كيف أستطيع أنا الجنوبي أن أفهم التاكتيكي في مواقفكم بناء على تقدير الموقف ولا تستطيعون أن تفهموا الاستراتيجي في قضایای ؟ 
حيرة مردها الموقف المعبر عنه، باسم المكتب الوطني للحزب الاشتراكي الفرنسي، على منصة تويتر، والذي ذهب إلى " إدانة " الموقف الفرنسي الشجاع حول الإقرار بالسيادة المغربية على الصحراء ..

 
لنبدأ بالوقائع :
1- منذ ثلاث سنوات والمغرب وفرنسا يعيشان على وقع اختلاف في تحليل معطيات المنطقة الأورومتوسطية و الشمال إفريقية، وفي قلبها الموقف من قضية المغرب الأولى. حدث انفراج في الشهور الأخيرة، وبدأ البلدان يسيران نحو ما يستحقانه، معا، من وضع ناضج وثقة متبادلة وتخطيط مستقبلي ... 

 
2- في ظروف سياسية، لم تكن. لفرنسا نفسها يد فيها، تغيرت معطيات الوضع السياسي الداخلي للبلاد إثر انتخابات أوروبية قلبت موازين القوة السياسية والمؤسساتية، كان من نتيجتها حل البرلمان وإعادة الانتخابات وإفراز خارطة سياسية لا أحد له اليد الطولى عليها، بالرغم من تحالف " الجبهة الجمهورية" ضد اليمين اللوبيني .
 
3- دخلت فرنسا في "مسابقة مؤسساتية " لم تكتمل أطوارها بعد، وأججت الحسابات الصغرى والكبرى التاكتيكية والاستراتيجية المبدئية والمصلحية، واستعدنا غير قليل من المتعة الذكية في متابعة وتحليل الوضع الفرنسي، وغمرتنا فرحة "عائلية" وقد استعادت الجبهة الشعبية حصتها المشروعة من " شعب اليسار" ، الذي كدنا نفقده في لعبة التوازنات اللانهائية .
 
4- في خضم المرجل الداخلي، وحسابات الأطراف، اتخذ إيمانويل ماكرون، الرئيس الذي يحدد مسارات الديبلوماسية وبوصلة الخارجية، في كل القضايا التي تهم فرنسا أو أوربا،  من حرب أوكرانيا إلى رهان القوة الأمريكي الصيني مرورا بالشؤون الإفريقية )، اتخذ قراراً شجاعاً وخطوة ذات دلالة كبيرة تجاه المغرب وقضيته الوجودية الأولى، الصحراء. تابعت، ككل الاشتراكيين واليساريين المغاربة، بدرجات متفاوتة، المواقف المعبر عنها من طرف الطيف السياسي، ولاسيما اليساري، لم أفاجأ كثيرا، مثلي مثل الكثير من إخواني في الاتحاد، للعديد من المواقف كالتي عبر عنها الحزب الشيوعي .
تذكرت فقط ما كتبه عبد الله العروي في كتابه "المغرب والحسن الثاني" ، عن المهام التي كلفه بها لدى اليسار الفرنسي لشرح الوطنية المغربية، وعلاقتها بالوحدة. تذكرت الوطنية التقدمية التي صنعها المؤسسون الخالدون .. وانتظرت.
لحظة الانتظار للحقيقة والتاريخ لم تكن خاصة بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولا بالقوى الوطنية الأخرى، بل كانت لحظة مغربية شاملة شملت الرسمي والشعبي معا.

 
5- بادر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،والمواقف تتوالى، وموقفكم رفاقنا "لم ينزل" بعد، إلى دعوة الاشتراكيين الفرنسيين إلى التفاعل الإيجابي مع الموقف المعبر عنه من طرف الرئيس ماكرون، وهي دعوة تأسست على ما يمثله المغرب، اليوم، من نموذجية في العمل بمنظومة القيم الحقوقية والإنسانية التي نؤمن بها جميعا، والتي طالما جعلتم منها زاوية للنظر في العلاقات مع الأطراف.
 
6 - قام الاتحاديات والاتحاديون بما استوجبه الموقف الوطني، في الدفاع من حق الشعب المغربي في وحدة أراضيه، وجرت الاتصالات اللازمة تحت مظلة الأممية الاشتراكية أو التحالف التقدمي، وهما المنظمتان اللتان يجمعنا الانتماء إليهما سويا. وكان الأمل، ظل الوردة شعارنا معا...
 
7- جاء الموقف، في البداية، عبر بيان على منصة التويتر، رأينا فيه "بعض الحياد"، لكنه لم يعمر إلا كما تعمر زهرة موسمية، موقف يعلن تشبثكم يا رفاقي، بمقتضيات القانون الدولي، والمغرب أيضا يعلن ذلك باستمرار، وسرعان ما حل محله موقف " يندد " بالقرار الذي اتخذه الرئيس : وهو الموقف الذي يعلن عن التالي:
 - منعطف ديبلوماسي متسرع، وإذا كان على القول بأنه منعطف ديبلوماسي، فهو كذلك، المغرب وصفه بالتدقيق باعتباره "تطورا" بالغ الأهمية، وذلك لا حبا في لعبة قاموسية ما بل لأن المنعطف حدث منذ 2007  عندما قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي وساندته فرنسا بقوة، بل إن أخلاق النزاهة تفرض علينا أن نقول إن بلاد "جان جوريس"  كانت أحيانا المساند الوحيد في مجلس الأمن  ! 
أما وصفكم للقرار بأنه "متسرع " فذلك تقدير مستتر لا يلغي كونه .... صائبا !
 - قرار بدون مشاورات مع البرلمان: هو تقدير واضح في دعوة الرئيس إلى العودة إلى الجمعية الوطنية في اتخاذ الموقف، ولست عالماً بخبايا الأمور ، لكن الملاحظات التي تهم قضيتنا هي كالتالي :
* لا أحد يخفى عليه الطابع الرئاسي للنظام السياسي الفرنسي منذ قرار الجنرال دو غول ميلاد الجمهورية الخامسة ونقل مركز الثقل المؤسساتي من  الجمعية العامة إلى .. قصر الإليزيه .
*لا أحد ينسى دفاع الرئيس فرانسوا میتران، كما ذكر ذلك مستشاره ورفيقة جاك اتالي "في الدفاع عن اختصاصاته في العلاقة الخارجية، أيام التعايش مع الجمهوري اليميني جاك شراك الذي اتهمه بالانقلاب ( ما أشبه اليوم بالبارحة )، فاضطر لقضاء الليل في قصر الإليزيه تحسبا لأي مفاجأة ! 
*لا أحد من المغاربة يغفل بأن إحدى نتائج الوضع المؤسساتي لما بعد انتخابات 7 يوليوز هي عودة الثقل إلى البرلمان، بما قد يحدث من فجوات. لكن المقلق بالنسبة للمغرب والمغاربة من عائلة اليسار هو أن تكون هاته هي نفسها مبررات اليمين في إسبانيا عند رفض قرار رفيقنا ورفيقكم بيدرو سانشيز رئيس الأممية الاشتراكية،  باتخاذ نفس الموقف، بل لعل العبارة هي نفسها ( الحكم الذاتي هو الأساس الوحيد  La seule base  ) للحل المنشود لهذا النزاع المفتعل، ومن نكد التاكتيك على اليساري، أن يجره إلى أن يجد نفسه في صف ... اليمين الاستعماري في بلد جار!
*كنا من الذين أدركوا أن القضية في جوهرها هجوم على رئيس الدولة، في لحظة حرجة من الحياة السياسية، لا يريد فيها الحزب الاشتراكي، ضمن الجبهة الشعبية الجديدة، «منح هدية» لرئيس يتم الضغط عليه، لأسباب داخلية، وهو مسوغ تاكتيكي يبدو ومنطقيا، لكنه ليس معقولا، ولا مبدئيا:
من حسن الحظ، أن في القيادة الاشتراكية من أعفانا من الدفاع عن … المعقول!
ومن هنا سروري بمبادرة البيان التوضيحي، الذي تم توزيعه للتذكير بالموقف الاشتراكي من الحكم الذاتي:
- سرنا أن الاشتراكية عمدة العاصمة رحبت بالخطوة الرئاسية وأنها استحضرت، مثل الاتحاد، موقف الرفاق الإسبان:
-سرنا أن عمدة مانبوليي مايكل لافوص، ذكر قيادة الحزب، بزعامة أوليفي فور، بمواقف الحزب من الحكم الذاتي.
- سرنا أن يوقع بوريس فالو، رئيس الفريق الاشتراكي في الجمعية الوطنية، المعاد انتخابه يوم 10 يوليوز 2024، مع النخبة الاشتراكية لدعم الحكم الذاتي.
- سرنا توقيع نجاة فالو بلقاسم، ابنتنا بجناحيها المغربي والفرنسي، وفاطمة يدني، أمينة الحزب، ولسنا في معرض التذكير بكل من منكم، كان في الضفة الصحيحة من التاريخ، بل هو تضمين الجزء من الكل لهكذا موقف رزين، ننتظر منه أن تخرجوا من التاكتيكي العابر إلى الاستراتيجي الخاص بالأمة المغربية.
لقد أصبح فرانسوا هولاند، رئيسا لفرنسا، بعد أن وضع المغرب مقترحه بالحكم الذاتي بخمس سنوات ولم يعد النظر في الموقف الرسمي لمن سبقه، ولا تغيرت مواقف الحكومات منها الاشتراكية التي تعاقبت منذ 2007: (جان مارك ايرو 2014/2021) وحكومة مانويل فالس (2016/2014) إلى حكومة غابرييل آتال.
يا رفاقي في الكومونة الجديدة:

 
لقد ورد في ديباجة القرار، دفاعكم عن "حرية تقرير المصير للشعوب"، والشعب المغربي، لأسباب تاريخية تعرفونها، ظل "يقرر مصيره" طوال استقلاله ومازال يستكمل ترابه، ونحن الذين ولدنا من رحم حركة التحرير الشعبية نفتخر أن آباء حزبنا جمعوا بين التقدمية والوطنية، وكانوا أكثر راديكالية أحيانا في الدفاع.. عن التراب!
إننا نؤمن مع جان جوريس المرجعي "أن قليلا من الأممية يُبْعِد عن الوطن والكثير منها يُعيدُ إليه"!
ونذكر بفعل الحكمة الشعبية، أننا لا نطلب منكم سوى ماتستطيعونه، أي الذهاب في اتجاه التاريخ.

 
ختاما، لقد كان لشبيبتنا، ولنسائنا ولأطرنا، معارك تابعتموها في الأممية الاشتراكية وفي الشبيبة العالمية (اليوزي)، وتابعتم صدق انتمائنا وأيضا حرارة دفاعنا عن مغربية صحرائنا … ونشكر تفهم الكثير منكم لمعركتنا عند طرد شبيبة الانفصاليين أو تجاوز مطالبهم في المنظمات الاشتراكية الدولية، وهو ما سنواصله لأن الإيديولوجيا عندنا لا يمكن أن تعلو على الوطن .. تماما كما هو عندكم!