الجمعة 7 فبراير 2025
كتاب الرأي

تدمري عبد الوهاب: طوفان الأقصى.. أي سيناريوهات مستقبلية؟

تدمري عبد الوهاب: طوفان الأقصى.. أي سيناريوهات مستقبلية؟ تدمري عبد الوهاب
للغرب الأطلسي الحرب، فان الحرب على غزة والدعم اللامشروط الذي يقدمه لإسرائيل يندرج ضمن رؤية واضحة لطبيعة الصراع في منطقة الشرق الأوسط التي شكلت طوال عقود منطقة نفوذ خاصة به.
والصراع بالنسبة له لا ينفصل عما يخوضه من صراعات استراتيجية في مناطق متعددة من أجل استدامة هيمنته على العالم الذي بدأت تنازعه عليه قوى عالمية وإقليمية جديدة تسعى لتقويض نظام الأحادية القطبية لصالح نظام عالمي جديد وعادل متعدد الأقطاب.
بالتالي فإن الغرب الأطلسي يرى في هزيمة إسرائيل فشلا لمشروعه الاستعماري لصالح قوى إقليمية ودولية أخرى مناهضة له. وهو ما عبر عنه الرئيس الامريكي بايدن في خطابه الاخير للشعب الأمريكي. وعبر عنه الرئيس الفرنسي ماكرون خلال زيارته الأخيرة تل أبيب، ومن قبله نظرائه في كل من بريطانيا وألمانيا.
بالتالي تفاديا للهزيمة فإن الغرب وأمريكا، التي يدير جنرالاتها العمليات العسكرية ضد المدنيين في غزة، مستعدون لتجاوز القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني لمساعدة هذا الكيان على ارتكاب حرب إبادة جماعية في حق المدنيين بذريعة القضاء على "إرهاب الفصائل الفلسطينية " حسب تعبير الرئيس ماكرون، الذي دعا الى تشكيل تحالف دولي وإقليمي لاستئصاله.
إذا كان الغرب الاستعماري قد أطر الصراع استراتيجيا بما يتقاطع وباقي النزاعات الدولية التي يخوضها للحفاظ على مصالحه التي كانت دوما على حساب مصالح الشعوب الأخرى. ويسطر استراتيجياته على هذا الأساس حتى وإن أدى به ذلك الى ارتكاب حروب ابادة جماعية كما كان الشأن في فيتنام والعراق وأفغانستان الخ…
فهل الطرف المقابل يتوفر على رؤية استراتيجية لهذا الصراع ؟.
وهل يملك تصورا سياسيا موحدا للحل بالشكل الذي يستجيب فيه للحقوق العادلة للشعب الفلسطيني وباقي فصائل محور المقاومة التي أعلنت انضمامها للحرب سواء في العراق او في لبنان او في سوريا او في اليمن التي يشن عليها الغرب حربا وحصارا مدمرا منذ سنوات؟
أطرح هذه الاسئلة انطلاقا مما استنتجه من خطابات بعض الناطقين باسم المقاومة الفلسطينية و بعض المحللين السياسيين المناصرين لمحور المقاومة الذين مع الأسف لا زالوا تحت وطأ الانبهار بيوم 7 اكتوبر و لا زالوا يكررون نفس الخطاب التوصيفي للصراع، الذي لا يخرج عن جلباب العروبة بالنسبة للعلمانيين والحداثيين، وعن إطار الحرب الدينية بالنسبة للإسلاميين، بالشكل الذي يثبتون به سردية الغرب في توصيفه لطبيعة الصراع؛ قبل أن يفصح عن المضمر في استراتيجيته حين بدا وجود الكيان مهددا. .
بالتالي نجدهم يتفاخرون بما أنجزته المقاومة. ويبكون المجازر التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي في حق المدنيين الفلسطينيين. ويستجدون الضمير العربي والإسلامي لدعم المقاومة. في الوقت الذي يتجاوز فيه هذا الصراع البعدين الديني والعروبي، ليعانق بعده الإنساني والكوني كقضية استعمار واحتلال. علما ان من العرب والمسلمين من طبع مع الكيان وتربطه به اتفاقيات أمنية وشراكات اقتصادية. ومنهم من شارك عمليا في تدمير شعوب المنطقة من خلال المساهمة النشطة في تنفيذ مشروع خارطة الشرق الاوسط الجديد. ويشارك الان في الحرب على غزة.
افول هذا ليس من باب جلد الذات. ولا من باب التقليل من انجازات محور المقاومة. بل من أجل الارتقاء بالعمل المقاوم. وربطه بالصراع الاستراتيجي الذي تخوضه القوى العالمية والإقليمية الصاعدة المتمثلة في كل من روسيا والصين وإيران ودول أخرى مناهضة لأمريكا والغرب الاستعماري. ويعلن صراحة انتمائه لهذا المحور العالمي الجديد، خاصة مع ما نشهد منه من مواقف عملية داعمة للقضية سواء بالأسلحة، أو من خلال التصدي لمشاريع القرارات الأطلسية الهادفة للقضاء على المقاومة عبر الاستعمال المتكرر لحق النقض من طرف كل من الصين وروسيا. اضافة الى استضافة هذه الاخيرة لوفد من إيران وحماس. ودعوة الصين لعقد مؤتمر دولي لإيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية.
وعليه فأن الصراع كما حدده الأطلسي يتجاوز حدود فلسطين و"إسرائيل". وعلى فصائل المقاومة في المنطقة أن تبلور استراتيجية عسكرية موحدة مع المحور المقاوم للهيمنة الأطلسية. إضافة إلى استراتيجية سياسية تستشرف رؤيتها لحل هذا الصراع، في فلسطين بإيجاد حل عادل يمكن الشعب للفلسطيني من حقه التاريخي في إقامة دولته المستقلة القابلة للحياة. وانسحاب الكيان الاسرائيلي من الاراضي التي تحتلها في كل من لبنان وسوريا. وجلاء القواعد الامريكية من الأراضي السورية والعراقية، وقف الحرب والحصار على اليمن.
عدم امتلاك تصورا استراتيجيا للصراع. والارتكان إلى الإمكانيات الذاتية للمقاومة في انتظار استفاقة ضمير الحكام العرب. أو الرهان على وساطات البعض منهم لوقف إطلاق النار في الوقت الذي يعمد فيه الكيان الاسرائيلي بدعم مباشر من الأطلسي على ارتكاب أفظع الجرائم في حق الشعب الفلسطيني بهدف الإبادة والتهجير .
سيبقي على هذا الوضع المختل لعقود أخرى، كون موازين القوى غير متكافئة حاليا في ظل التطبيع العربي والحشود العسكرية التي تستقدمها أمريكا وحلفائها إلى المنطقة وذلك ما لم تتدخل كل من إيران وروسيا والصين على خط المواجهة عبر تقديم السلاح المتطور، والمستشارين العسكريين، واستقدام شركات امنية متعاقدة وفتح الباب للمتطوعين في حال تمادى الغرب في اجرامه لإخضاع المنطقة.
لان من اسباب الظلم التاريخي الذي طال الشعب الفلسطيني، الخلل في موازين القوة لصالح الغرب الداعم للكيان.
أما وان تصدعت هذه الموازين نتيجة صعود قوى عالمية وإقليمية جديدة مناهضة له. فان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمكن ان يستعيد توازنه لصالح القضية في حال ما إذا استثمرت المقاومة هذه التحولات الدولية وربطت مشروعها التحرري بالمحور الدولي المقاوم للهيمنة الأمريكية.
لكن السؤال المطروح هو هل امتلكت المقاومة الفلسطينية هذه الرؤية الاستراتيجية ؟. وهل استشرفت تداعيات عملية الأقصى وطريقة تدبير نتائجها محليا وإقليميا ودوليا ؟. وهل تم التنسيق بشكل مسبق مع محور المقاومة لتدبير هذا الصراع الذي يفيض على فلسطين والاقليم؟
هذه الأسئلة لرأب صدع الإشاعات التي تروج لها بعض الصحف حول ما نسب من اتهامات لبعض ممثلي حماس عن ما سموه بغدر إيران و حزب الله للحركة ..وهي الاتهامات التي لم ينفيها ولم يؤكدها قيادي حماس د.عبدالحكيم حنيني في معرض رده على سؤال معتز مطر حول الموضوع. علما ان لا دخان بدون نار. وان إطلاق هذا النوع من الاشاعات ربما يكون بغرض التشويش، او لفك ارتباط حماس غزة بالمحور المقاوم بالنسبة للبعض، تمهيدا لمفاوضات مستقبلية. مع عدم إغفال خطورة هذه الاتهامات وتأثيرها على وحدة حماس بين تيار مقاوم في غزة وتيار مهادن منحاز لقطر وتركيا وأمريكا. وهو ما يصب في مصلحة الأجندة الغربية التي تسعى الى شق صف المقاومة والتشكيك في مصداقية المحور الدولي المقاوم، ومن خلاله إيران، عبر قطر الشريك الرئيسي لحلف الناتو في المنطقة. والدعامة الأساسية ماليا لحماس في غزة بما يناهز 400 مليون دولار سنويا تمر عبر البنوك الإسرائيلية مما يبوءها مكانة مهمة في التأثير على قيادات الحركة ويضعها في موقع المفاوض المفضل لإطلاق سراح بعض المحتجزين من المدنيين الأمريكيين وربما أشياء أخرى لا نعلمها حاليا.
اضافة الى الخطاب الاخير لإسماعيل هنية الذي طغت عليه العموميات والحماسة وعمل على إبقاء الصراع في إطار عربي وإسلامي ضيق، مراهنا على تحريك ضمير الامة العربية والاسلامية من أجل نصرة للشعب الفلسطيني !.دون التطرق الى دور أمريكا التي تدير حرب الإبادة على الفلسطينيين. ولم يثني على إيران الداعمة للمقاومة بالسلاح. ولا على روسيا والصين الواقفين ضد مشاريع القرارات الغربية الهادفة إلى تصفية المقاومة من داخل اروقة الامم المتحدة. مكتفيا بالمطالبة بوقف إطلاق النار ورفع الحصار على غزة وهي المطالب التي قد تشكل بنود اتفاقية تختمر في الكواليس للإبقاء على هذا الوضع المختل وسد الطريق عن المحور المناهض للهيمنة الاطلسية حتي لا يدخل مباشرة على خط الصراع في المنطقة. في مقابل إطلاق سراح المحتجزين المدنيين لدى حماس والقبول ببعض التوغلات الجزئية في غزة لرد القليل من الاعتبار للكيان والدخول بعد ذلك في مفاوضات شاملة على الأسرى.
وخلاصة، أمام كل هذه التطورات ابتداء من إصرار محور المقاومة بالاستمرار في معركة الكرامة عبر اللقاء الثلاثي الأخير بين قيادات حزب الله والجهاد وحماس غزة في بيروت. ومرورا بالتصريحات المهادنة لتيار الدوحة، وانتهاء بالدخول المباشر للصين وروسيا على خط الأزمة باستقبال وفد حماس وإيران في موسكو، ودعوة الصين لعقد مؤتمر دولي حل فلسطين.
يمكن القول أننا سنشهد على المدى القريب تصدعا في حركة حماس بين تيار قطر وتيار غزة. وعلى المدى المنظور، تحولا استراتيجيا للصراع يرتبط من خلاله المشروع التحرري للمقاومة بالمحور الدولي المناهض للهيمنة الغربية الأطلسية. وبهذا المعنى تكون معركة الأقصى حلقة في معركة طويلة لاسترجاع حق الشعب الفلسطيني. وباقي حقوق شعوب المنطقة.