الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: مدينة قلعة السراغنة والحقائق الضائعة

صافي الدين البدالي: مدينة قلعة السراغنة والحقائق الضائعة صافي الدين البدالي

طرح علي هذه الأيام أحد الأصدقاء سؤالا مفاده "ما رأيك في ما تعرفه مدينة قلعة السراغنة من مظاهر عمرانية عبارة عن أكوام من الاسمنت المسلح لا طعم لها و لا منظر جميل. " لم أستطع الإجابة على سؤاله في الحين.

لكن ظل سؤاله يشغل بالي خاصة فيما وصفه بـ" التشوه العمراني". وفي الحقيقة كنت قد أشرت في تدوينات لي سابقا عن الامتداد العمراني لمدينة قلعة السراغنة في غياب نسق حضاري يغري المشاهد.

وبالعودة إلى واقع التعمير بقلعة السراغنة لا بد من استحضار حقائق ظلت ضائعة أوغائبة في مسار التعمير بقلعة السراغنة. ولذلك لا بد من العودة إلى ذاكرة هذه المدينة التي تظل حية ومؤلفه إلى حد ما.

أولا: الحقيقة الضائعة الأولى:

لما كانت مدينة قلعة السراغنة مركزا مستقلا و دائرة القلعة زمران قبل 1973 تاريخ تحويلها الى عمالة، امتدت إليها أيادي الغدر بعد الاستقلال(1956)، لتدمير سورها التاريخي، و هو سور كان ضخما، يصل سمكه إلى أزيد من أربعة أمتار، لقد كان يحيط بالمدينة غربا حيث يمتد من مدخلها الغربي إلى حي الملاح، وبقي جزء منه يشهد على تاريخه بمدرسة بن سليمان .

أما ما تبقى منه فقد غمرته منازل بنيت عليه في الملاح وجزء منه في العوينة. وعمد المسؤولون في وزارة التهيئة العمرانية والسكنى سنة 1957 إلى إنشاء تجزئة سكنية مكانه، وهي تجزئة سكنية دون بنية تحتية تستجيب لسياسة التمدن، ولم يستفد منها إلا أعيان المدينة وأعوان السلطة وبعض الموظفين من رجال التعليم. تأسست هذه التجزئة لطمس معالم الجريمة التاريخية في حق مدينة لها جذورها في التاريخ، حيث كتب عنها J.PEGHRIER "يرجع تاريخ القلعة إلى عهد المولى إسماعيل 1672-1727.

وما يدعم رأيه هو ما تبقى من صور القلعة الراشية التي يعتبرها النواة الأولى للمدينة. وهناك آراء أخرى ترجع تأسيس هذه المدينة إلى عهد المرابطين. وقد أعطاها الدكتور شوقي السرغيني (أستاذ التاريخ) أهمية خاصة من أجل التعريف بالجذور التاريخية لها.

لكن رغم ما لهذه المدينة من أصول تاريخية لم تشفع لها عند أعداء الحضارة الإنسانية والعمرانية والتراثية، شأنهم في ذلك شأن "الوندال"، من اغتصاب تاريخها وتعرضها لجريمة تاريخية من طرف أيدي المسؤولين مع مجيء الاستقلال لتكون خارج المنظومة السياحية التاريخية. إن ما وقع للسور التاريخي من دمار ولدار الزليج من إتلاف لمعالمها كلية هو مقدمة لفصل مدينة القلعة عن تاريخها العريق الذي يعتبر حلقة من حلقات تاريخ البلاد.

ثانيا: الحقيقة الضائعة الثانية

فهي تتجلى في ظروف تأسيس تجزئة "كاستور " المعروفة ب"ببلوك الحرشة" التي جاءت في سياق سياسة الإسكان التي اتخذتها حكومة عبد الله إبراهيم، من أجل تلبية حاجيات السكان من الفئة المتوسطة من المجتمع ومن تجار وأعيان ورجال سلطة. وهي تجزئة لم تكن تحمل أي طابع عمراني يشكل مشروع نواة قطب حضاري. ولم تستجب لحاجيات الطبقة الهشة التي ستضطر إلى اللجوء للبناء السري و العشوائي في دوار المرس و جنان بكار وجنان الشعيبي، ليشكل هذا البناء، حزام بؤس للمدينة وعرقلة لأي امتداد عمراني و تمدن سليمين، وسيشكل بؤرا للمضاربات العقارية خارج الضوابط القانونية، حتى تحول هذا الحزام العشوائي إلى بنايات هجينة تزحف على المدينة ومجالا للاغتناء غير المشروع.

الحقيقة الضائعة الثالثة:

تتجلى في تجزئة البهجة التي جاءت محاذية لتجزئة "كاستور" بتصاميم منقولة عن تجزئة بمراكش و لم تكن تعرف أي انسجام من حيث التصاميم التي لا تعكس الفن المعماري والمد التمدني .

لقد أريد لها أن تكون كمثيلاتها دون تجهيز طرقي و لا مساحات خضراء ولا شوارع مندمجة، مما يوحي بأنها كانت تعرف تبديدا للمال العام على حساب الساكنة.

الحقيقة الضائعة الرابعة:

تجزئة القدس، التي تم وضعها من طرف السكنى و التعمير لتكون امتدادا لحي امليل مكونة من 300 بقعة ارضية في إطار توفير السكن اللائق بالمدينة، لكن سرعان ما تحول عدد القطع الأرضية إلى ما يزيد على 1050 قطعة بفعل تدخل باشا المدينة وأعوانه ومسؤول عن السكنى والتعمير و بعض المنتخبين والتقنيين، حيث قام هؤلاء بإضافة قطع بمقابل مادي مهم لكل قطعه، لما لوحظ تزايد عدد الطلبات على السكن، خاصة من لدن الجالية المغربية بالخارج. بالإضافة إلى حل مشكل تهيئة دوار المرس على حساب هذه التجزئة بالإجهاز على الفضاءات التي كانت مخصصة للمرافق الاجتماعية والحدائق والمغروسات، حتى أن بعض القطع تم وضعها دون اعتبار شبكة الماء الصالح للشرب أو شبكة الصرف الصحي. وبهذا الفعل الذي تم به تشويه حي القدس تكون جريمة تشويه الجانب العمراني للمدينة قد قطعت أشواطا لتنتهي بالأحزمة التي جاء بها العامل فؤاد الرايس على واجهة القدس شرقا للقضاء على المنتزه الذي كان مقررا في تلك الواجهة التي تمتد من فندق الحمادي إلى سوق الجملة وذلك دون أية دراسة أو احترام للتصميم المعماري لمدينة القلعة المصادق عليه في بداية الثمانينات من طرف السلطات العليا المختصة. وتكتمل الصورة المشوهة للامتداد العمراني لما تسلط مهندسون معماريون ليجعلوا من شارع مايات(الجيش الملكي) سلسلة من العمارات لا طعم لها و لا ذوق يغري المشاهد و يستقطب الزائر .

تلك حقائق تشهد عليها ذاكرة المدينة ويشهد عليها مهندسون شرفاء عانوا من بطش المسؤولين من سلطات ومنتخبين. لكن رغم ذلك فإن مدينة القلعة تظل تحتفظ بجاذبيتها الخلاقة، لأنها شريفة بأهلها الصادقين رغم خدوش الأعداء والناهبين لخيراتها.