الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الجليل أبوالمجد: أطباء المغرب.. هل تتذكرون قسم ابقراط؟!

عبد الجليل أبوالمجد: أطباء المغرب.. هل تتذكرون قسم ابقراط؟! عبد الجليل أبوالمجد
نسمع كل سنة بأن دفعة جديدة تخرجت من كليات الطب وأنها رددت قسم أو يمين أبقراط اليوناني الذي تدور بنوده حول المحافظة على حياة المريض في جميع الحالات، وعلى سلوك الطبيب تجاه المريض. هذا القسم الذي جاء فيه "أقسم بالله العظيم أن أؤدي أعمالي بالأمانة والشرف وأن احافظ على سر المهنة واحترم قوانينها وأنظمتها"…. ومن خلال قراءة القسم يطرح السؤال الصعب هل مازال ذلك القسم موجودا ببلدنا إلى يومنا هذا؟
إلى عهد قريب كان التعليم والصحة بالخصوص بمنأى عن الفساد، ولكن في مغرب هذه الأيام أصبح كل ما حولنا بات يدعو إلى القلق، بعد أن فعل الفساد فعله، وطال كل شيء وبعد أن طبع الفاسدون كل شيء بطابعهم في مختلف مجالات حياتنا لدرجة أنه وصل إلى ما يمس حق حياة الإنسان، وهو إحدى أعلى مراتب حقوق الإنسان وأهمها على الإطلاق.
ومع الاحترام والتقدير لمهنة الطب والأطباء الشرفاء، إلا أن ما نراه اليوم من بعض الأطباء يخالف بنود قسم أبقراط، حتى أضحى القسم فولكلوريا غريبا، وأضحى الطب كنز من الذهب لبعض الممارسين الخارجين على أصول وأخلاقيات المهنة ومن بعض أصحاب المرافق الطبية الخاصة.
فهناك طبيب يتعامل مع مهنة الطب وكأنها "جشع التجارة" فعندما يصله المريض فكأن فريسة وصلته ويمتصها امتصاصا بل يجعله يستدين في سبيل العلاج، فيرسل مريضه لمختبرات بعينها، ويرفع قيمة الكشف دونما مراعاة لآلام البشر، ويروج لمستشفيات حفاظا على مصالح مالكيها، ويشجع المرضى على جراحات لا يحتاجونها، بما فيها عمليات التجميل والسمنة، والقيصرية التي صارت تجارة رائجة ومربحة.
وهناك طبيب يمنع عملية جراحية في مستشفى عمومي، ثم يستقطبها لعيادات خاصة باهظة التكاليف، حتى يحصل على أجر مضاعف، ضاربا بفقر مريضه، عرض الحائط.
وهناك طبيب يصف لمريضه كميات هائلة من الأدوية، ربما لا يحتاج مريضه إلا ربعها، لأن له نسبة من شركات الأدوية التي يُصر الطبيب على الشراء منها، مع وجود بدائل أرخص من إنتاج شركات دوائية أخرى.
ناهيك عن الأخطاء الطبية أو الإهمال الطبي واللامبالاة، أو التعامل مع المريض بوصفه حالة، وليس إنسانا. هذا الصنف من الأطباء والمصحات من الصعب على أي حكومة أو حزب سياسي في المغرب، إقناعهم بأي برنامج لإصلاح قطاع الصحة غير مربح لهم.
وبالطبع، في مقابل أولئك الأطباء الذين تناسوا قسم أبقراط، وفي حاجة يومية لسماعه، لعلهم يتذكرون، هناك الأطباء المغاربة النزهاء الذين ليسوا بحاجة إلى سماع قسم أبقراط، لأنه محفور في ضمائرهم، حتى صار نهجا راسخا في أرواحهم، غير قابل للخضوع للنزعات النفسية أو الشهوات والمتاجرة.
لكن ليس معنى هذا أن نطالب الأطباء أن يزهدوا بأجرهم وأن يعيشوا حياة الزاهدين، وأن تتحول منشآتهم الطبية إلى مؤسسات خيرية، ولكن معناه ألا يتحول الطب إلى (تجارة الجشع). لأن جشع التجارة في الطب خسارة إنسانية كبيرة، وتحول المريض إلى (زبون) خسارة اجتماعية فادحة.
وختاما الطب مهنة لها أخلاقياتها وتقاليدها، ولا يليق أن يدخلها الطمع والجشع والرغبة في الإثراء، بتشجيع الأفراد على كثرة الأدوية أو إجراء عمليات جراحية لا يحتاجونها. فعندما تتحول مهنة إنسانية مثل مهنة الطب إلى تجارة، سيتم فقدان الثقة بالتشخيص، وكذلك بالعلاج، وسيعذر من يبحث عن العلاج في أمريكا وأوروبا وغيرهما.
لقد لخص الرازي فضل الأطباء ورسالتهم وهدفهم في بضع كلمات: «لقد جمعهم خصال لم تجتمع لغيرهم منها اتفاق أهل الأديان على تفضيل صناعتهم واعتراف الملوك والسّوقَة بشدة الحاجة إليهم ومجاهدتهم الدائمة لاكتشاف المجهول في المعرفة وإدخال السرور والراحة على غيرهم