تفجرت أحداث عنف جديدة بالجامعة، خلال أواسط مارس 2023، حيث أقدم طلبة جماعة العدل والإحسان، في محاولات لا تكل لـ "اختبار القوة" و"استعراض العضلات"، على تنظيم إنزالات بكليتي العلوم والآداب-بنمسيك بالدار البيضاء، فضلا عن كلية الآداب بعين الشق وكلية الحقوق طريق الجديدة، بمناسبة الملتقى الطلابي الوطني السابع عشر. ويندرج هذا الإنزال، حسب ما يوضحه متابعون للوضع الطلابي بشكل خاص ووضع الجماعة بشكل عام، إلى إرادة «إعلان الوجود الساحق» والموغل في إلغاء المكونات الجامعية الأخرى، حيث دأب أتباع جماعة العدل والإحسان على التعامل مع الجامعة كأرض محررة لا يمكن دخولها إلا برخصة «المنهاج النبوي» و«الإسلام أو الطوفان».
ويذهب هؤلاء المتابعون إلى أن جماعة العدل والإحسان تروم من خلال هذه الإنزالات الطلابية إلى الخروج من عزلتها الداخلية التي فرضتها قبل أكثر من عقد «تسويات الظل» عندما اضطرت إلى الانسحاب من الشارع، خوفا من «تفجر» وضع سيء للغاية بدأ في الظهور، حتى قبل وفاة مرشد الجماعة الشيخ عبد السلام ياسين.
وفي الواقع، لم تخرج الجماعة عن نهجها السابق، إذ دأبت على تدوير خطة تسخير الشباب من أجل التوقيع على «شهادة الحياة»، وأيضا من أجل إعادة التذكير بهيمنتها في الشق الطلابي على الجامعة، خاصة أن القطاع الطلابي يعتبر، من تسعينيات القرن الماضي، القوة الضاربة للجماعة، وهي القوة التي لجأت إلى العنف ضد الفصائل الطلابية الأخرى، وعلى رأسها الطلبة اليساريون، سواء أكانوا قاعديين أو اتحاديين.
فبرحيل مرشدها إلى دار البقاء، فقدت الجماعة الكثير من بريقها، خاصة أن عددا من قيادييها تورط في قضايا أخلاقية تناقلتها وسائل الإعلام على أوسع نطاق، فضلا عن مجموعة من المشاكل المرتبطة بالتنازع حول "الشرعية التنظيمية" و«تدبير الاختلاف» مع المحيط السياسي والإيديولوجي، وتحديدا مع التشكيلات السياسية الوطنية، بما فيها الإسلاميون «العدالة والتنمية». وتبعا لذلك، يمكن القول إن هذه الإنزالات ليس الغرض منها، كما نقل بلاغ طلبة العدل والإحسان، هو تحصين الملتقى الثقافي، والدفاع عن الفكر والثقافة، بل هو، أولا، تحقيق الهيمنة؛ وثانيا إعلان الوجود؛ وثالثا استعراض القوة؛ ورابعا العودة إلى ترويج خطاب المظلومية، عبر إصدار بلاغات حول تدخل السلطات الأمنية في حق «الجند الإسلامي»، وإشهار المطاردات البوليسية داخل ساحات الكليات، والكشف عن الكدمات والجروح، وإبراز وقوع حالات الإغماء. ويمكن القول هنا، إن جماعة العدل والإحسان حين قررت إرسال «جنودها» إلى الكليات كانت تتحرك أساسا من أجل اختلاق «لحظة تصادم»، سواء مع الإدارة الجامعية، أو مع أطراف أخرى خارجها، واستغلال تلك اللحظة إعلاميا، من أجل الإبقاء على وجودها الذي تآكل من حوالي 12 سنة من الصقيع، أي قبل وفاة الشيخ ياسين في دجنبر 2012.
إن ما حدث في كليات الدار البيضاء خلال أواسط مارس 2023 يكشف أن الجماعة تعبت من البرد الذي تراكم على عظامها، ولذلك قامت بـ «افتعال صراع» لقياس رد الفعل، ليس فقط لدى القوات العمومية، بل لدى المحيط السياسي، بحثا عن مساحات فارغة لردم الغياب والتراجع، حتى لو كان الثمن هو زعزعة استقرار الجامعة»، وإرغام الطلبة على الانجرار وراء «أجندة خاصة» تتعارض مع ما يقتضيه فضاء الجامعة بوصفه فضاء للتكوين والبحث والحوار والعلم وتدبير الاختلاف. فعن أي فكر يدافع الإسلاميون؟ وعن أي تكوين؟ وعن أي ثقافة حين أن الجماعة نفسها كانت قد وقفت ضد أنشطة ثقافية، لا لشيء إلا لأنها تعاكس توجهاتها، ولنا في تاريخ 13 مارس 1996 خير دليل، حين قامت الجماعة، ومن يقف وراءها من مجلس الإرشاد والدائرة السياسية، بمنع الطلبة الاتحاديين من تنظيم «الجامعة الربيعية» بمشاركة قياديين من طينة نوبير الأموي ومحمد اليازغي وعبد المجيد بوزوبع والحبيب الشرقاوي وعبد الواحد الراضي ومحمد الساسي وغيرهم. وقد تحقق المنع بسبب ما قالت «العدل والإحسان» أن «رفض المطلق للمس بحرمة الجامعة واستقلالها ولتوريطها في المزايدات السياسية».
لقد دأبت الجماعة منذ ذلك التاريخ على التعامل مع الجامعة كـ «ملكية خاصة» لا يجوز دخولها لأي كان، والحال أن الجامعة فضاء حاضن لمختلف التوجهات التي تخترق المجتمع المغربي، وليس حكرا على طرف واحد يفعل فيه ما يشاء ووقتما شاء، كما أنها فضاء مشترك للتحصيل والحوار، مع ما يقتضيه ذلك من مسؤولية الدولة في ضمان الأمن وسلامة الأساتذة والإداريين والطلبة كيفما كانت توجهاتهم السياسية أو الإيديولوجية.
لم يخطئ عبد الهادي المهادي، القيادي في «العدل والإحسان» جين كشف عن الوجه الاستبدادي لهذه الجماعة، قائلا: "وعى الأستاذ عبد السلام ياسين جيدا أن الانسحاب من خوض معركة العدل في السياسة، وفي قسمة الأرزاق يسمح لأطراف أخرى ذات مرجعية مادية، مثل المدرسة الماركسية، باحتكار مُجرياتها وقطف نتائجها». فالجماعة بإصدار أوامرها إلى «الجند الطلابي» تعي أنها في حرب لا هوادة فيها ضد الآخرين «الدولة وكل الطلبة الذين لا يشاركونها التوجه السياسي»، وذلك ليتحقق لها التمكين الذي فقدته منذ «نكسة الرؤى» وبطلان إقامة الخلافة (2006)، 2011، مع ما استتبع ذلك من نكسات تنظيمية وصراع المقربين من المرشد العام حول الاستخلاف، ولاحقا الخلاف والتردد حول القرارات الاستراتيجية المرتبطة بالدور السياسي المستقبلي للجماعة، بين القبول بالاندماج في النسق السياسي العام أو الإقامة في «تراث» الشيخ المؤسس.
لقد أراد طلبة العدل والإحسان أن يعلنوا اليقظة على مقاس «القومة المتأخرة»، لكنها يقظة يمكن نعتها بـ «المزيفة»، ما دامت مجرد ورقة لقياس الوجود. ومنطق الأشياء يفرض أنها ليست عقلا يشمل جميع العقول، وليس وحدها من تفكر أو تضع الخطط أو تقرأ العلامات. وهذا هو السياق الذي ينبغي أن نؤول تدخل القوات العمومية لإبطال فخ الجماعة وطلبتها داخل الجامعة.
ويذهب هؤلاء المتابعون إلى أن جماعة العدل والإحسان تروم من خلال هذه الإنزالات الطلابية إلى الخروج من عزلتها الداخلية التي فرضتها قبل أكثر من عقد «تسويات الظل» عندما اضطرت إلى الانسحاب من الشارع، خوفا من «تفجر» وضع سيء للغاية بدأ في الظهور، حتى قبل وفاة مرشد الجماعة الشيخ عبد السلام ياسين.
وفي الواقع، لم تخرج الجماعة عن نهجها السابق، إذ دأبت على تدوير خطة تسخير الشباب من أجل التوقيع على «شهادة الحياة»، وأيضا من أجل إعادة التذكير بهيمنتها في الشق الطلابي على الجامعة، خاصة أن القطاع الطلابي يعتبر، من تسعينيات القرن الماضي، القوة الضاربة للجماعة، وهي القوة التي لجأت إلى العنف ضد الفصائل الطلابية الأخرى، وعلى رأسها الطلبة اليساريون، سواء أكانوا قاعديين أو اتحاديين.
فبرحيل مرشدها إلى دار البقاء، فقدت الجماعة الكثير من بريقها، خاصة أن عددا من قيادييها تورط في قضايا أخلاقية تناقلتها وسائل الإعلام على أوسع نطاق، فضلا عن مجموعة من المشاكل المرتبطة بالتنازع حول "الشرعية التنظيمية" و«تدبير الاختلاف» مع المحيط السياسي والإيديولوجي، وتحديدا مع التشكيلات السياسية الوطنية، بما فيها الإسلاميون «العدالة والتنمية». وتبعا لذلك، يمكن القول إن هذه الإنزالات ليس الغرض منها، كما نقل بلاغ طلبة العدل والإحسان، هو تحصين الملتقى الثقافي، والدفاع عن الفكر والثقافة، بل هو، أولا، تحقيق الهيمنة؛ وثانيا إعلان الوجود؛ وثالثا استعراض القوة؛ ورابعا العودة إلى ترويج خطاب المظلومية، عبر إصدار بلاغات حول تدخل السلطات الأمنية في حق «الجند الإسلامي»، وإشهار المطاردات البوليسية داخل ساحات الكليات، والكشف عن الكدمات والجروح، وإبراز وقوع حالات الإغماء. ويمكن القول هنا، إن جماعة العدل والإحسان حين قررت إرسال «جنودها» إلى الكليات كانت تتحرك أساسا من أجل اختلاق «لحظة تصادم»، سواء مع الإدارة الجامعية، أو مع أطراف أخرى خارجها، واستغلال تلك اللحظة إعلاميا، من أجل الإبقاء على وجودها الذي تآكل من حوالي 12 سنة من الصقيع، أي قبل وفاة الشيخ ياسين في دجنبر 2012.
إن ما حدث في كليات الدار البيضاء خلال أواسط مارس 2023 يكشف أن الجماعة تعبت من البرد الذي تراكم على عظامها، ولذلك قامت بـ «افتعال صراع» لقياس رد الفعل، ليس فقط لدى القوات العمومية، بل لدى المحيط السياسي، بحثا عن مساحات فارغة لردم الغياب والتراجع، حتى لو كان الثمن هو زعزعة استقرار الجامعة»، وإرغام الطلبة على الانجرار وراء «أجندة خاصة» تتعارض مع ما يقتضيه فضاء الجامعة بوصفه فضاء للتكوين والبحث والحوار والعلم وتدبير الاختلاف. فعن أي فكر يدافع الإسلاميون؟ وعن أي تكوين؟ وعن أي ثقافة حين أن الجماعة نفسها كانت قد وقفت ضد أنشطة ثقافية، لا لشيء إلا لأنها تعاكس توجهاتها، ولنا في تاريخ 13 مارس 1996 خير دليل، حين قامت الجماعة، ومن يقف وراءها من مجلس الإرشاد والدائرة السياسية، بمنع الطلبة الاتحاديين من تنظيم «الجامعة الربيعية» بمشاركة قياديين من طينة نوبير الأموي ومحمد اليازغي وعبد المجيد بوزوبع والحبيب الشرقاوي وعبد الواحد الراضي ومحمد الساسي وغيرهم. وقد تحقق المنع بسبب ما قالت «العدل والإحسان» أن «رفض المطلق للمس بحرمة الجامعة واستقلالها ولتوريطها في المزايدات السياسية».
لقد دأبت الجماعة منذ ذلك التاريخ على التعامل مع الجامعة كـ «ملكية خاصة» لا يجوز دخولها لأي كان، والحال أن الجامعة فضاء حاضن لمختلف التوجهات التي تخترق المجتمع المغربي، وليس حكرا على طرف واحد يفعل فيه ما يشاء ووقتما شاء، كما أنها فضاء مشترك للتحصيل والحوار، مع ما يقتضيه ذلك من مسؤولية الدولة في ضمان الأمن وسلامة الأساتذة والإداريين والطلبة كيفما كانت توجهاتهم السياسية أو الإيديولوجية.
لم يخطئ عبد الهادي المهادي، القيادي في «العدل والإحسان» جين كشف عن الوجه الاستبدادي لهذه الجماعة، قائلا: "وعى الأستاذ عبد السلام ياسين جيدا أن الانسحاب من خوض معركة العدل في السياسة، وفي قسمة الأرزاق يسمح لأطراف أخرى ذات مرجعية مادية، مثل المدرسة الماركسية، باحتكار مُجرياتها وقطف نتائجها». فالجماعة بإصدار أوامرها إلى «الجند الطلابي» تعي أنها في حرب لا هوادة فيها ضد الآخرين «الدولة وكل الطلبة الذين لا يشاركونها التوجه السياسي»، وذلك ليتحقق لها التمكين الذي فقدته منذ «نكسة الرؤى» وبطلان إقامة الخلافة (2006)، 2011، مع ما استتبع ذلك من نكسات تنظيمية وصراع المقربين من المرشد العام حول الاستخلاف، ولاحقا الخلاف والتردد حول القرارات الاستراتيجية المرتبطة بالدور السياسي المستقبلي للجماعة، بين القبول بالاندماج في النسق السياسي العام أو الإقامة في «تراث» الشيخ المؤسس.
لقد أراد طلبة العدل والإحسان أن يعلنوا اليقظة على مقاس «القومة المتأخرة»، لكنها يقظة يمكن نعتها بـ «المزيفة»، ما دامت مجرد ورقة لقياس الوجود. ومنطق الأشياء يفرض أنها ليست عقلا يشمل جميع العقول، وليس وحدها من تفكر أو تضع الخطط أو تقرأ العلامات. وهذا هو السياق الذي ينبغي أن نؤول تدخل القوات العمومية لإبطال فخ الجماعة وطلبتها داخل الجامعة.
