الزميل أريري في ساحة ماي وساحة الجمهورية في الأرجنتين عموما، وبالعاصمة بوينس أيريس خصوصا، أينما وليت وجهك إلا وتجد باعة خبز محلي يسمى panadia وهو نوع من الخبز المشهور بالأرجنتين والأوروغواي يكون محشوا بعدة مكونات حسب ذوق الفرد، ويباع بثمن بخس جدا.
شخصيا اقتنيت أنا والأخ عبد السلام بوطيب(رئيس مركز الذاكرة المشتركة) من بائعة تنتمي للشعوب الهندية الأصلية، ستة أنواع من هذا الخبز اللذيذ: كل قطعة تضم مكونا ما ( الفورماج المحلي، الحار، اللحم المفروم، الخ..). وهي قطع أشبه بالخبز المغربي المعروف باسم " بطبوط صغير". ووفق تجربتي يمكن ان أجزم أن كل من تذوق le pebete "سيأكل أصابع يده" من شدة حلاوته وطراوته.
هاته القطع من الخبز المحلي شكلت لي وللأخ عبد السلام بوطيب، زادا للتجول ساعتين وما يزيد مشيا على الأقدام لاكتشاف هذه المدينة الفاتنة بمبانيها ذات الطابع الأوربي القديم وبطيبوبة سكانها وانفتاحهم وحبهم للفن والرياضة والمسرح.
ومن الشوارع التي أغرتني، أذكر بالأساس شارع 9 يوليوز avenida 9 de julio(الأرجنتين تحتفي بعيد الاستقلال عن الاحتلال الإسباني الذي تم رسميا يوم 9 يوليوز 1816). هذا الشارع الذي بني عام 1937 وشهد عمليات عمرانية ضخمة في محطتي الستينات والثمانينات من القرن العشرين يعد أكبر شارع في العالم من حيث العرض، إذ يصل عرضه إلى 140 مترا وتم تصفيفه وتهيئته بشكل بهي يضمن سلاسة التنقل من جهة ولهيكلة وربط باقي أحياء بوينس أيريس بعضها ببعض من جهة ثانية. وما يميز هذا الشارع هي طول المسلة التي تتوسط ساحة الجمهورية.
ساحة أخرى تستقطب زوار بوينس أيريس، ألا وهي ساحة 25 ماي( نسبة ليوم الثورة التي انطلقت ضد المحتل الإسباني يوم 25 ماي 1810)، وهي الساحة التي يطلق عليها الأرجنتينيون "ساحة الأمهات"، بالنظر إلى كون أمهات المختطفين يتظاهرن فيها كل يوم خميس، للكشف عن مصير فلذات أكبادهن المختفين في عهد الديكتاتوريات العسكرية التي تعاقبت على حكم الأرجنتين، وهو الملف الذي لم يطو بعد في الأرجنتين لحد الساعة. وهي ساحة تشبه من حيث رمزيتها، الساحة المقابلة للبرلمان المغربي بشارع محمد الخامس بالرباط. إذ كل أرجنتيني أحس بغبن أو ظلم يحج إلى ساحة ماي بالعاصمة للاحتجاج والتظاهر، وأبرزهم سكان الشعوب الأصلية بالأرجنتين التي مازالت تناضل لرد الاعتبار لثقافتها وأعرافها.
