الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد السلام المساوي: مدينة الناظور مدينة آمنة  

عبد السلام المساوي: مدينة الناظور مدينة آمنة   عبد السلام المساوي 
يمكن أن تلمس التحول المجتمعي الذي تعرفه مدينة الناظور في حضور المرأة أو غيابها ؛ فلا أحد يجادل بالأمس واليوم وغدا، أن المرأة هي المؤشر القوي والدال على التحول المجتمعي والتغير الفكري والأخلاقي والسلوكي، فالمرأة هي عنوان الحداثة وقاطرة التنمية ومقياس تغير العقليات... ويظهر أن المرأة بالناظور بدأت تنتفض على دونية الحريم وخسة الولايا لتعانق سمو الإنسان ورفعة المواطنة ، وهذا ما يمكن للسوسيولوجي أن يلاحظه من خلال معاينة الكثير من السلوكات التي كانت بالأمس القريب تدخل في لائحة " الممنوعات والمحرمات "!

زائر مدينة الناظور من أمكنة أخرى وأزمنة مختلفة، في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وحتى في التسعينيات، كان يعتقد أن الناظور مدينة بدون نساء؛ لا إمرأة تجوب الشوارع ، لا إمرأة في المقاهي، لا إمرأة في الفضاءات العامة... مدينة الذكور بعنترية جبروتية وموروث استبدادي؛ 

وكانت الناظور، وكان الرجل.. المرأة غائبة بالمطلق، بل هي مغيبة قسرا وجهلوتا، بل المرأة نفسها استبطنت الغياب والإنسحاب ، استبطنت الطاعة والسجن ؛ 
لا إمرأة تخرج من دار والديها أو دار زوجها، لها خرجتان فقط وفقط ( خرجة إلى دار زوجها وخرجة إلى القبر ) وآمنا وعلى المرأة السلام! 
أتذكر، وأنا إبن الناظور، أنه في السبعينيات لا إمرة في الفضاء العام، وكل من سولت لها نفسها التمرد على الأعراف والتقاليد فمصيرها أقسى العقوبات المعنوية والمادية ( أن تشاهد امرأة في الشارع العام فتلك الفضيحة وذلك هو العار)؛ 
في الموسم الدراسي 73 - 1974 وبثانوية عبد الكريم الخطابي كانت هناك تلميذتان وتلميذتان فقط من إقليم الناظور كله، تحضران لاجتياز امتحان الباكالوريا؛ واحدة علمي والثانية أدبي !!!
وهذا الأسبوع أزور الناظور؛ تحول جذري، ثقافة جديدة وسلوكات جديدة؛ لاحظت أن المرأة الناظورية حاضرة بقوة وأخلاق، إنسانة مواطنة، في الشارع العام حاضرة، في المؤسسات فاعلة، في المجتمع رائدة.. لاحظت جدات وأمهات وشابات أنيقات ومحترمات في المقاهي والمطاعم ، خصوصا مقاهي ومطاعم الكورنيش corniche، واثقات الخطوة ومنتصبات القامة.. نساء الناظور شامخات، مواطنات، زمن الحجر ولى! 
زرت ثانويتي الكندي وعبد الكريم الخطابي "مؤسستان عشت في أحضانهما في السبعينيات" فسجلت أن نسبة التلميذات تعلو نسبة التلاميذ عددا وتفوقا؛
الحياة بالناظور كانت تتوقف مع بداية المساء. بعد صلاة المغرب مباشرة ، تصبح شوارع المدينة مهجورة، واليوم لاحظت نساء وعائلات في المقاهي والفضاءات العامة؛ البهجة هي العنوان والطمأنينة سيدة الميدان؛ لا قلق ولا خوف؛ وسائل الترفيه متوفرة، فضاءات جذابة وجميلة، حماية أمنية مسؤولة؛ 
قليلة هي المدن المغربية التي أصبحت  تنعم بالأمن، ومدينة الناظور في طليعتها؛
الناظور مدينة لا يسرق فيها الأطفال.. في مدينة الناظور يمكنك أن تتحدث في  الهاتف متى شئت دون أن تتعرض للسرقة.. في مدينة الناظور  يمكنك أن تتجول حتى ولو بعد منتصف الليل وحيدا دون أن يتعرض لك أحد وسط الطريق..       
الناظور تكاد  المدينة الوحيدة التي يمكنك أن تسحب النقود من شباك البنك دون أن تلتفت يمينة ويسارة خوفاً من اللصوص الذين قد يَحُومون حَولك.. 
الناظور تكاد تكون المدينة الوحيدة التي نسبة التحرش فيها قليلة جداً وفي حالات استثنائية نادرة.. 

الناظور مدينة الأمان، مدينة الإخلاص والوفاء .. مدينة الرجال والنساء الحقيقيون... من جاء إلى الناظور سواء كان زائرا أم ساكناً على الدوام يقول أنه لم ير في حياته مدينة آمنة مثلها..  يمشي الإنسان فيها بكل ثقة وأمان، يمشي حاملا هاتفه المحمول والمال في جيبه لا يخاف أصلا، هو واثق أن لا أحد سيتعرض له.. تمشي الفتاة في الناظور بكل ثقة لأنها واثقة أنها مصونة محمية واثقة من أنها خط أحمر ، واثقة من أن كل شباب الريف إخوتها والكل سيهرع للمساعدة إن اقتضى الأمر .