لست الشخص الذي يعتقدونه: ليست لي أنياب طويلة، ولا أشبه دراكولا، ولا ألبس ملابس جلدية موشاة بالحديد باستمرار،
أنا رجل طيب، أحب أطفالي وأطفال الجيران.
وأحب أطفالكم يكبرون مع أطفالي ويلعبون البلياردو جميعا، وأمسح على رؤوسهم جميعا، بدون ميز، مثل الحملان.
عادة أقتسم مع الناس كل أفراحهم..
وأجهش بالبكاء أحيانا.. على الموتى باستثناء من قتلتهم، ومن جلدتهم، ومن علقتهم في أقبية الرصاص.
القسوة مهنة عندي وليست طبعا ولا سليقة.
برقم تأجير وضمان اجتماعي ورسم التعاضدية واقتطاع الضريبة على الدخل، مثلكم تماما..
انظروا إلي جيدا: لست عدوكم، أنا فقط صورة الدولة أمامك، إن تغفروا له اغفروا لي..أنا لست حلقتها المشوهة أنا ضرورتها..
لا ذكائي ولا وسائل التعذيب كانت في مستوى قدراتي على الشعور بالمعذبين.. بي!
في الفترات السابقة كانت حياتي واضحة للغاية: أستيقظ على التعذيب، وأنام، أيضا، على التعذيب. وخارج أوقات العمل أشعر بالحنين إلى الضحايا، الذين جلدتهم بضمير مهني للغاية!
المناضلون يذوقون بعضا من بعضي..
الزوجة، أيضا، عندما أعذبها بالعذوبة التي أعطيها لعشيقاتي وأنا أخونها..
تذوق بعضا مني..
الذين يسمعون موسيقاي، وأنا أعذبهم بفظاعاتها، ويتحلقون حولي مثل الفراشات في ليالي الأعراس الطويلة.. والجيران الذين يتعذبون ويبتسمون في الصباح،
أيها السادة أنا مثلكم،
لا، بل أنا أكثر من هذا: أنا فيكم،
أنا نائم في أعماق الكثيرين منكم: أيقظوني لتطمئنوا على انبعاثي فيكم.
كانت الآلات في الزمن الرصاصي صالحة للتعذيب،
كانت الفلقة والطيارة،
كان الشيفون، ضرورة للاستنطاق
واليوم هناك.. الصحافة،
شيفون الفم كشيفون العقل، لا فرق بين... الرائحتين!
أنا في الصديق الذي يعذب صديقه طويلا بالخيانة:
ليس السيف وحده،
ليست سفافيد النار،
ولا السياط وحدها،
ولا أسلاك الكهرباء
وسائل التنكيل
لصداقة، أيضا، وسيلة تعذيب فائقة الجدوى..
حياتي؟
إنها على صورة كل ما فعلته،
وما فعلتم أيضا:
أنا مثلكم أو فيكم: في قلب الصديقة والعشيقة، عندما ترفض أن تجيب عن مكالمات الصديق العشيق..
وتجعل الهاتف النقال،
أو هاتف المنزل أداة تعذيب رهيبة..
وأداة للخيانة مع الصديق ..!
أنا بائع الماريخوانا،
وبائع الالسيدي،
وبائع الكوكايين.. أنظر بعين زجاجية إلى انهيار المدمنين على أقدام الهاوية
وأتمدد فوق رمال الكارايب أو ماربيليا..
أنا التعذيب الأبيض في أفواه جافة..
أنا المؤرخ الرسمي, أعذب الضحايا السابقين بتاريخ مزور أعممه على الصحافة،
وعلى المعاهد،
وعلى قارعة الطريق،
في الأفواه التي سقطت أسنانها بفعل الإشاعة..
أنا البورجوازي الصغير الذي يحمل عيوبكم ويعذبكم دوما بالوفاة الجماعية لطبقته، لأنه لم يتحمل التعذيب، فاعترف بضعفه التاريخي ..
أنا في المعلم الذي يستدرج أطفالكم إلى خلوته المريضة ليطعم غريزته،
وفي الفقيه الذي يقلده،
مع فارق الجلباب ولوحة الصلصال..
ربما أنا أكثر جلاديكم رحمة: أنا أضرب الضربة القاضية..
أنا لا أعود دوما في وجوه أخرى مقنعة
سوى وجهي القبيح في عيونكم..
أنا لم أنتظر نظرة الضحية لكي أكون جلادا،
كما يفعل الطبيب المريض بالمريض الأخير،
أنا لم أنس أبدا فوطة صحية في بطن زبون، مثل طبيب بلا ضمير..
كل جرحاي .. ينتهون من العمليات بجروح لا يدفعون عنها ثمن العمليات!
أنا في موظف المستعجلات ، أراكم تحتضرون وأبتسم،
أحدق الى جيوبكم الفارغة
والى أحداق أمهاتكم الباكيات!
أنا لست أكثر قوة من المهتمين بالاقتصاد في الحكومة:
هم يقتصدون في النفقات ولا يقتصدون في الأرواح التي تموت جراء تعذيبي.
أنا أقتصد أفضل ما أمكن، عند الانتقالات الديموقراطية مثلا،
باعتبارها لحظة عفو ضريبي... للقتلة!
أنتم الذين تكرهون جلادا «محترفا»،
لماذا تبتسمون بحب للجلادين.. اللطفاء في عمارات الكراء،
في الأسواق التي تمنع الأرامل،
في المقاهي التي ترفض المتسولين،
في منصات القضاء التي تحكم بالإفراغ في عز الشتاء،
وبيوم واحد أحيانا قبل إيجاد الحل.. من الضحية؟
مستعد لأتحمل قسطي من التهمة،
قسطي فقط،
بفعل الملل،
بفعل التكرار،
بفعل الضربات المتكررة،
بسبب كثرة الجثث التي علي دفنها
بسبب الوقت السائد..
أريد أن أسعدكم، لكن ساعدونا: اعترفوا بأن جزءا من تراثي سابق عني،
وأنني أورث بعضهم إليكم.
وليس دائما.. في الأقبية ومخافر الشرطة،
حيث يموت أبناء الوطن ...
عدوي!