Thursday 4 December 2025
فن وثقافة

إدريس الأندلسي : كم أنت جميل حين تتغنّى بالملكوت.. نعمان لحلو والتجلّيات

إدريس الأندلسي : كم أنت جميل حين تتغنّى بالملكوت.. نعمان لحلو والتجلّيات تبدأ الأغنية، والصور المصاحبة لها في الكليب، بابتهالٍ عميق دون إيقاعات
 بَصَمَ نعمان لحلو عن حبٍّ عميق في وصف جمال قديمٍ قِدَمَ الجمال. وقف أمام محراب، فطرق الباب، وظلّ يطرقه حتى أُذِن له بالدخول. من الجمال أن ننتظر وراء أبوابٍ يسكننا يقين بأن فتحها سيساهم في دخول نورٍ إلى قلوبنا، التي تتعرّض يوميًا لكلّ العوامل التي تدفعها إلى الانغلاق، وصدّ صدى الجمال المنبعث من شقوق صغيرة في الباب، لا يسمعه إلّا من خلا فؤاده من أشياء من غير الحبّ والوله، ودعا: "اللهمّ لا تجعل في قلبي حقدًا على أحد، وحبِّب إليّ الناس أجمعين".
سرى ولم يتمكّن من المسير حتى حملته قوّة الانفتاح الروحي إلى وسع الفضاء ونور الضياء، وانفراط عقدٍ من جواهر تُباع في السوق لتُكبِّل الأعناق والمعاصم.
تبدأ الأغنية، والصور المصاحبة لها في الكليب، بابتهالٍ عميق دون إيقاعات. يمتدّ صوت نعمان لحلو بشكلٍ لم يُعَوِّدنا عليه. ينطلق الصوت كأنه يصارع الأبواب الموصدة، ليتمكّن بعد جهد من نطق تجلّيات الملكوت. آنذاك تصاحبه الأصوات أساسًا، في حضورٍ "خفيف" للموسيقى بأداءٍ فنّي متناسق.
ولأن الحقيقة المطلقة هي أنّ الله حيٌّ لا يموت، فقد وجب بدء الصعود إلى التعرّف على مظاهر التجلّي. يدخل على المشهد إيقاع يعكس مسيرة أرواحٍ لبلوغ مرتفعٍ مُرهق. إيقاعات تقف في صفّ من يمشي بمعاناة، وتصحبه رغبة في الوصول إلى المعرفة.
وتستمرّ الأصوات في ترديد كلّ مظاهر التجلّيات الملكوتية بجمالية، ويستمرّ نعمان في تسخير صوته لآهاتٍ ومناداة على الملكوت. ولا يجب أن أغفل أنّ هذا العمل يُعتَبَر ورشًا روحيًا وفنيًا فتحه نعمان لحلو قبل أربع سنوات، وشاءت الأقدار أن تكتمل إرادة تقديمه في إحدى الليالي العشر من رمضان، وقد تكون قد اقترنت بـ"ليلة القدر".
اسلك طريق الملكوت حتى تعرف جزءًا من كلّ، أربط بين الأجزاء إن استطعت، لتكتمل لديك معاني الملكوت.
تقول كلمات الإبداع الجديد لنعمان لحلو، رفقة توأمه المسكون بهَوَس وجمال المعنى، الشاعر سعيد المتوكّل، ومُمتَلِك فنّ "خَلْع البَرد" على من يستحق، وتطويق اللحن والكلمات بسياج التوزيع الجميل، وهذا فنّ يتقنه يونس الخزّان.
يعرف الكثيرون أنّ نجاح أيّة أغنية واستمرار وجودها في القلوب يحتاج إلى عمل فريق له من الدراية بتمنّع الجمل الموسيقية عن الخضوع لغير المُتمكّن. لم يَتجرّأ موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب على التوزيع في حضور أحمد فؤاد حسن وكمال الطويل، والأخير في حضور جمال سلامة.
أكّد لي بعض كبار الموزّعين بالقاهرة، ومن ضمنهم صاحب الأغاني التي تميّزت بها ماجدة الرومي، وهو جمال سلامة، أنّ الإبداع يبدأ فرديًا، فيكبر ويترقّى جماعيًا.
"ملكوت" إبداع يفرض على من يطمح إلى فتح أبواب لا تُرى، طُرُقًا جديدة للفهم، أن يتأمّل "النجوم والغيوم، وما يوجد في البحار والقفار، وحتى في شيء فانٍ"، ليعرف بقلبه… "إنّ الله حيٌّ لا يموت".
ولتفهم أن الملكوت هو "أسرار ربي في السكوت".
وتستمرّ هذه الرحلة الروحية لتأخذك إلى زُحل، فتُدرِك —لكي تُدرِك كُلّيًا— أنّ الأرض "حبّة على جبل".
وستفهم بكل التواضع المطلوب أنّ تجلّيات الملكوت عديدة ولا تنتهي: "قطرة جدول، حبّة من خردل، إصرار نملة، أسرار نحلة، وخيوط عنكبوت".
وهي تجليات يصعب الربط بينها لدى من لا يسعى إلى تأديب نفسه. وسيظلّ مدى الملكوت واسعًا لا تلحقه حدّة نظر، ولا تصل إلى كنهه كلّ العلوم العقلية رغم أنها تقترب منه، رغم المسافات التي ما تزال طويلة.