السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الدرويش: هنيئا للجامعات.. لكن

محمد الدرويش: هنيئا للجامعات.. لكن محمد الدرويش
اطلعنا على نتائج التصنيف الدولي للجامعات 2023، والذي احتلت فيه مجموعة من الجامعات المغربية مراتب متقدمة عن مواقعها في التصنيفات السابقة .
 
وتصنيف هاته السنة تبارت فيه مجموعة من الدول فاق عددها المائة من افريقيا وأوروبا وأمريكا وآسيًا ممثلة بما يقارب 25000 جامعة، وهو ما جعل المغرب يحتل المرتبة الرابعة افريقيا وعربيا؛ وتصنيف تايمز هذا يستند في أحكامه و تقييمه على واقع الجامعات المتبارية في مجالات البحث العلمي والابتكار والتعليم …

ونجدد التذكير في هذا المقام  بأن مؤسسات التصنيف الدولي للجامعات تعتمد معايير متعددة يمكن تلخيصها في النقط التالية:
جودة التعليم وجودة هيئة التدريس، وذلك من خلال تقييم المردودية على المستويين الداخلي والخارجي، وتكون عبر تقييمات الطلبة والشعب، واعتماد اللغة الإنجليزية في نتائج البحث، فاللغة المنتشرة دوليا هي الإنجليزية ثم الصينية من حيث العددُ، والإسبانية تنشط أكثر في مجال حركات الترجمة  والنشر في المجلات الدولية المحكمة، وهي معلومة لدى كل معاهد التصنيف الدولي، بالإضافة إلى معيار أعداد الطلبة والأساتذة وحجم الجامعات والمؤسسات البحثية، وهكذا افضى تصنيف تايمز الصادر هذا الأسبوع إلى إحراز 7 جامعة مغربية على مراتب متقدمة ضمن أحسن 1500 جامعة، وهي جامعة ابن طفيل والقاضي عياض وسيدي محمد بن عبدالله وعبد المالك السعدي والحسن الثاني ومحمد الخامس وأبي شعيب الدكالي، وهي مناسبة نقدم تهانينا الخالصة والصادقة للأساتذة الباحثين  والطلاب بها وللقائمين على شؤونها.

فكما سجلنا خلال الاشهر الماضية بكل أسف غياب الجامعات المغربية عن 1000 أفضل الجامعات من خلال تصنيف شنغهاي لأفضل الجامعات حول العالم لسنة  2022، ونفس الأمر ينطبق على نتائج  التصنيفات التي تصدر عن مؤسسات ومعاهد اما أوروبية  أو عربية أو اإريقية .

صحيح أن ترتيب تايمز هذا يجعلنا نسجل بإيجاب المجهودات الفردية والجماعية من خلال المختبرات والجمعيات العالمة والتي يديرها أساتذة باحثون مختصون في مجالات اشتغالهم و مهووسون بالبحث العلمي والابتكار وساهرون على جودة التعليم والتأطير الجيد والمسؤول لطلابهم ويوثرون الحياة العلمية على حياتهم الشخصية كل هؤلاء نجدهم مسنودون من طرف بعض الرؤساء والعمداء والمدراء وهذا لعمري ما يجعل بعض الجامعات تتقدم في الترتيب وفي المقابل هناك البعض الآخر من المسؤولين رؤساء وعمداء ومدراء لا علاقة لهم لا بالجامعة ولا بالمؤسسات ولا بمجالات البحث العلمي والابتكار فتجدهم تحولوا إلى بنائين ومهندسي الداخل والخارج وعارفين بنوع التجهيزات والمأكولات وغير ذلك و هم بذلك يسيئون للمهنة وللجسم الجامعي وللجامعة والوطن. مع كل أسف قد يكونوا قلة لكنهم تحملوا ويتحملون مسؤولية التدبير اليوم، فماذا ننتظر من مثل هؤلاء؟ وهي أوضاع تسائل القائمين على تدبير القطاع بكامله، وتسائل من كان وراء تعيين مثل هؤلاء في مواقع حساسة من المسؤولية، فالتعليم العالي يجب أن يكون قاطرة حقيقية وفعلية للتنمية بكل أنواعها ومستوياتها،  وهو ليس ترفا بل أنه المشتل الحقيقي لتكوين النخب وتأطير الطلاب و تفجير قدرات الإبداع لديهم والتفكير وأسس النظر وإعادة النظر بالعقل والمنطق.
فأين نحن من كل هذا في أغلب جامعاتنا ومؤسساتنا؟.

لابد من الإشارة هنا الى ان تقدم جامعاتنا في التصنيفات الدولية ممكن جدا بفضل طاقات وامكانات الأساتذة الباحثين والطلاب المغاربة والذين يشتغلون في ظروف أحيانا تكون قاسية فالمساطر المالية معقدة ومجموعة كبيرة من المختبرات غير مجهزة والتعامل الإداري الضيق مع الاستاذ الباحث غير مجدي وغير مشجع و كذلك اعتماد المغرب لعقود من الزمن على اللغة الفرنسية في كل المستويات جعلنا اليوم من ضحاياها في زمن تعد اللغة الانجليزية لغة العلم و بعدها الإسبانية نظرا لتقدم حركة الترجمة وانتشارها في مجموعة من القارات ثم اللغة الصينية. ينضاف الى كل هذا عدم تحسن الوضعية المادية والمهنية  للأساتذة الباحثين التي جمدت لسنوات فتجمدت وضعيات الأغلبية الساحقة منهم كما أن الظروف الاجتماعية لأغلب طلابنا غير مساعدة اجتماعيا وترفيهيا وتعلمات.

فكيف يمكن أن ننافس للحصول على مراتب متقدمة في ترتيب الجامعات الدولي؟ وكيف يمكن النهوض بالبحث العلمي في النموذج التنموي ؟ خصوصا اذا استحضرنا ما اطلعنا عليه من نتائج الاستشارات والجولات والدراسات الصادرة عن لجنة تقرير النموذج التنموي والتي تحولت في أجزاء كثيرة منها الى برنامج حكومي يهدف الى جعل المغرب قطبا في القارة الإفريقية.

الجواب بايلاء أهمية كبرى للموارد البشرية من خلال التحفيز والمكافأة و توفير الظروف الملائمة للبحث والتفكير وعدم تهميش العلوم الإنسانية والاجتماعية والاسراع بتفعيل مقتضيات القانون الإطار ومراجعة القانون 01.00 وضمان الاستقلالية الفعلية والحقيقية للجامعات والمؤسسات ومراجعة  مساطر التعيين في المسؤوليات وتبسيط المساطر المالية وغيرها من الاجراءات والقرارات والكف عن " الخيال العلمي " في التنظير بعيدًا عن الواقع بامكاناته البشرية والمالية و غيرها. فواقع اليوم يسائلنا  جميعًا...
 
الرباط في 13 اكتوبر 2022
 
تصريح صحفي للأستاذ "محمد الدرويش" رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين