الثلاثاء 7 مايو 2024
كتاب الرأي

يونس التايب: الماء..الماء... يا عباد الله !

يونس التايب: الماء..الماء... يا عباد الله ! يونس التايب
لا شك في أن بلادنا تواجه تهديدا حقيقيا بفقدان ثروتها المائية، بسبب جفاف هيكلي وسوء تدبير أدى إلى استنزاف رصيدنا المائي بشكل غير عقلاني.
وتفيد المعطيات التي نشرها القطاع الوصي على الماء، أن حقينة السدود نزلت إلى مستويات متدنية، حتى أنه قد يكون من الصعب توفير احتياطي كافي من الماء الصالح للشرب في بعض المناطق، إذا لم تعرف بلادنا تساقطات مطرية مهمة خلال الأسابيع المقبلة، خاصة مع هبوط مستوى الفرشة المائية بشكل غير مسبوق.
بكل تأكيد، الأهمية الاستراتيجية للماء، وما يطرحه نقصان هذه المادة من تحديات اجتماعية وبيئية واقتصادية معقدة، هو ما جعل جلالة الملك يتناوله كمحور رئيسي في خطابه السامي أمام غرفتي البرلمان، في افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية البرلمانية الحالية، إلى جانب موضوع الاستثمار الذي يمس واقع الناس عبر فرص التشغيل التي يتيحها.
وفي تناول موضوع الماء، تجسيد فعلي لشجاعة قول الحقيقة و لو كانت قاسية، لعل كل الأطراف المعنية تتحمل مسؤولياتها و تسارع إلى تدبير الموقف بجدية وعقلانية وحكامة راشدة.
الخطاب الملكي دق جرس إنذار استراتيجي وحمل دعوة للفاعلين العموميين والخواص، ولأبناء الشعب المغربي قاطبة، لتجاوز أي تواصل متذبذب ومحتشم حول إشكالية نذرة المياه، والمرور إلى تعبئة وطنية وتواصل شامل لإحداث وعي حقيقي بحتمية إنهاء كل ما يؤثر على الثروة المائية في بلادنا، ويهدد المكتسبات التي تحققت بفضل مجهودات الدولة المغربية التي وفرت تجهيزات كبرى لتعبئة المياه الصالحة للشرب والسقي، خلال السنوات الماضية.
في هذا السياق، نحن مدعوين لترسيخ ثقافة مجتمعية ونهج تدبيري جديد يتعاطى مع الماء كثروة وطنية مشتركة مهددة بالانقراض، يتعين استعمالها بأعلى درجات الترشيد والتضامن بين الفئات المجتمعية، والاعتماد على مخطط وطني جديد للماء، وسن مقتضيات قانونية حاسمة تتيح التعاطي بصرامة مع المخالفين والمستهترين والعابثين بمادة حيوية لم يعد ممكنا تركها رهينة لمنطق المصالح الفردية والفئوية التي لا تراعي الصالح العام، والممارسات الريعية التي لا تحترم مبدأ التضامن الوطني في مواجهة الأزمات وضغط المشاكل الكبرى.
وإذا كان ترشيد استعمال الماء يهم كل المواطنين في سلوكهم اليومي، إلا أن واقع استهلاك القطاع الفلاحي لأكثر من 80 % من الاحتياط المائي الوطني، يفرض ضرورة المسارعة للوقوف في وجه الاستعمال اللاعقلاني لمياه السقي واحتياطات الآبار، الذي يتحدى المسؤولية الوطنية التي على الجميع الالتزام بها. كما أنه لم يعد هنالك أي منطق في غض الطرف عن تشييد وحدات جديدة لفواكه وخضروات تستهلك الماء بشكل كبير، مثل الأفوكا والفواكه الاستوائية والبطيخ و لدلاح والطماطم والخيار، التي تكاثرت حتى في المناطق التي تعرف جفافا كبيرا وانخفاضا في مستوى الفرشة المائية.
قد يبدو ذلك الأمر صعبا، على اعتبار تطبيعنا مع ممارسات سقوية لم تعد مقبولة حاليا، إلا أنه لا مفر من رفع تحدي منع الزراعات المستنزفة للمياه، ما عدا في الأراضي التي توجد ضمن الأحواض المائية التي تستفيد من محطات تحلية مياه البحر. لذلك، لا مكان للعقليات التدبيرية غير المبالية بخطورة الموقف في مسألة الرصيد المائي، وغير الواعية باستعجالية ترشيد اختياراتنا المستقبلية بتجويد حكامة استغلال مياه السقي وتشجيع الوحدات الزراعية للاستثمار في تجهيزات تضمن استهلاكا عقلانيا ومستديما.
أزمة الماء قائمة، والوضع متحكم فيه بفضل التدابير الاستباقية وبرامج الدعم التي تمت بتوجيه ملكي سامي. لكن، لاشيء يضمن ألا نجد أنفسنا في وضع أكثر دقة إذا استمر الجفاف، خاصة مع وجود إكراهات أخرى مطروحة في الواقع. لذا، يتعين المسارعة إلى اعتماد الخطاب الملكي أمام غرفتي البرلمان، كخارطة طريق تقدم توجيهات عملية لضمان الحفاظ على ثروة وطنية لا تعوض. وعلى كل الأطراف المعنية مسؤولية التفاعل باحترافية ونجاعة ونهج تشاركي، في ظرف يتميز بقلق مجتمعي تعكسه معاناة فئات كثيرة من تبعات أزمة جائحة كورونا، ومن الغلاء وتراجع القدرة الشرائية، وكلها عوامل أسقطت أزيد من مليون مواطن إضافي في خانة الفقر، بحسب آخر إحصائيات رسمية صدرت عن المندوبية السامية للتخطيط.
بروح وطنية صادقة، وبعيدا عن أية مزايدات سياسوية، علينا الانتباه إلى حساسية ملف الماء وما يطرحه من تحديات وجودية تلزمنا بوقف الاختلالات المسجلة كي لا يكبر أثرها ويعمق أثر إشكالات أخرى تحاول بلادنا تدبيرها لما فيه خير حاضرنا ومستقبلنا، من منطلق إيماننا بأن المغرب كبير على العابثين، وبأن أمننا القومي الاستراتيجي خط أحمر لا يجب الصمت عن أي ممارسات قد تمسه.