الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

التطويح بـ "لَعْصَابَةْ" في عنان السماء من أرقى عروض موروث فن التبوريدة (2/2)(مع فيديو)

التطويح بـ "لَعْصَابَةْ" في عنان السماء من أرقى عروض موروث فن التبوريدة (2/2)(مع فيديو) أحمد فردوس رفقة الباحث عبد الرحيم شراد
على هامش النسخة الخامسة لمهرجان "الأصيل"، الذي نظمته مؤسسة الأصيل للثقافة والرياضة، والذي عرف تنظيم ندوة فكرية تحت شعار: "التبوريدة، من العالم القروي إلى العالمية...وبعد؟". في هذا السياق استضافت جريدة "أنفاس بريس" الباحث الأستاذ عبد الرحيم شراد المتخصص في حقل التراث عامة والموروث الثقافي الشعبي بصفة خاصة، للحديث عن حركة التَّطويح بـ "لَعْصَابَاتْ" في عنان السماء، وتفكيك رسائلها المشفرة من خلال الرمزي والدلالي في حركات فن التبوريدة. على اعتبار أن هذا الطقس تتفرد به سربة العلام سي عبد الله بن أبيه المنضوية تحت لواء جمعية شباب تكنة للفروسية التقليدية بمنطقة الشراردة التي يترأسها سعيد بيتور.
إليكم نص الحوار مع الأستاذ عبد الرحيم شراد:
 
 
 
+ يمارس العلام سي عبد الله بن أبيه، طقسا خاصا داخل محارك التبوريدة بعدة مهرجانات تراثية عبر ربوع المملكة، وبحكم أنك تنتمي لنفس المجال الجغرافي (الشراردة) كيف تقرأ تطويح فرسان سربة المقدم بن ابيه بـ "لَعْصَابَةْ" (اَلْعَمَامَةْ)، في عنان السماء، ثم تليه بالموازاة طلقة جماعية للبارود. فماهي رمزية ودلالة هذه الحركة الجميلة خصوصا أن الجمهور العاشق لفن التبوريدة يتفاعل بشكل منقطع النظير مع هذا الطقس الجميل؟
أولا، لقد ركزتم في سؤالكم على كلمة رمزية ودلالة الطقس، وهذا بالطبع يحيلنا على أبحاث الناقد الفرنسي "رُولَانْ بَارْتْ" في كتابه "امبراطورية العلامات". إن السيمولوجيا تنظر إلى الرمز والعلاقة بين الدال والمدلول، وهذه العلاقة ليست اعتباطية، بمعنى أن أي رمز له دلالاته، وله أبعاده الجمالية، وله حمولته الفكرية. وللحديث عن فرسان الشراردة وعن ما تميزت به سربة جمعية شباب تكنة برآسة المقدم سي عبد الله بن أبيه بمهرجان الأصيل، (توجيه تحية شكر وتنويه بالمجهودات الجبارة التي يقوم بها رئيس جمعية شباب تكنة سي سعيد بيتور، باعتباره حاضنا لهذا المشتل ويشتغل على تأطير وتكوين فرسان شبان  وفتيان سيحملون المشعل).
إن الفرجة الاحتفالية التي يقدمها العلام سي عبد الله بن أبيه في المحرك على صهوة جواده الأدهم، رفقة الفرسان، وخاصة حينما يطوحون (لا أقول العمائم) وإنما استعمل كلمة "لَعْصَابَاتْ". على اعتبار أن "لَعْصَابَةْ" هي مخالفة للعمامة.
 
+ لماذا فرسان تكنة يطوحون بالعصابات في عنان السماء؟ 
لكي نعرف أبعاد هذه الحركة/الطقس الإحتفالي، أولا يجب أن نعرف نفسية الإنسان الشَّرَّادِي. فمثلا إذا أغضبت المرأة الشَّرَّادِيَّةْ، فإنها لا تجيبك بفاحش الكلام، وإنما تلتزم الصمت، ولكن مقابل صمتها تزيل ما يسمى بـ "الشَّدْ/ القامش" الذي تضعه على رأسها، وتضرب به على الأرض، بمعنى أنك قد عكرت صفو مزاجها، وقد تجاوزت حدودك في التعامل معها، ولك حينها أن تتساءل ربما ماذا سيقع فيما بعد، وماذا سيصادف ذلك الشخص الذي (نقول بالدارجة) قد غَيَّرَ خاطرها.
في المقابل الرجل الشَّرَّادِي إذا ما كان في حالة فرح، فهو يعبر عن نشوة الفرح من خلال التطويح بـ "لَعْصَابَةْ" في عنان السماء، وإذا طوح الشَّرَّادِي بـ "لَعْصَابَةْ" في عنان السماء فهو في حالة نشوة وفرح. لكن إذا أغضبته فهو يضرب بـ "لَعْاصَبَةْ" على الأرض مثل ما تقوم به المرأة الشَّرَّادِيَّةْ التي يَتَغَيَّرْ خاطرها بسلوك مرفوض وغير مقبول، كتعبير عن القلق والغضب.
 
+ كيف تفسر ذلك؟
إن هذه الحركة/الطقس فيها تعبير عن عزة النفس، بالنسبة للإنسان، ليس المواطن الشَّرَّادِي فحسب، بل الإنسان المغربي عامة، الذي يعبر عن الأنفة وعزة النفس، برفع الرأس شامخا، (مرفوعة الهامة)، دائما الإنسان المغربي يريد أن يعيش مرفوعة الهامة، وهذا ليس بغريب عن المغاربة والمغرب، فجبال الأطلس شامخة، والريف شامخ، فكيف لا يكون هذا الإنسان شامخا؟ وهذا هو الإنسان المغربي الذي يعيش تحت راية الوطن. لذلك فقبائل الشراردة لا يمكن أن تنفصل عن الإنسان المغربي.
إن ما يقوم به العلام سي عبد الله بن أبيه رفقة فرسان شباب تكنة، أي حركة التّطويح بـ "لَعْصَابَاتْ" في عنان السماء، هو أولا، يعود إلى بعض مظاهر الفرجة، لأنه يجب أن لا ننسى بأن فن التبوريدة إذا كانت اليوم تمسى "التّبوريدة" فذلك راجع بالأساس لارتباطها بمادة البارود وبالبنادق التي ظهرت في القرن السادس عشر الميلادي، لكن ليس معناه بأن المغرب كان أرضا خلاء، من مظاهر الاحتفال والفرجة والتعبير عن الفرح من خلال امتطاء صهوات الجياد، بل كان ذلك منذ القدم.
 
+ كيف كان الفرسان يمارسون احتفالاتهم على صهوة الخيول قبل استعمال مادة البارود والبنادق (لمكاحل)؟
لقد كانت تقام وتنظم عدة ألعاب جماعية للفرسان خلال المناسبات الفرجوية والاحتفالية، ومن ضمن تلك الألعاب كان من بينها ما يسمى بـ "قَصَبِ السَّبْقِ"، حيث كان المنظمون يثبتون جائزة معينة فوق قصبة عالية تغرس في أرض المضمار/المحرك، وتنطلق جياد الفرسان مسرعة للظفر بالجائزة في سباق نحو الهدف تحت هتاف وتصفيق الجمهور، والفارس الذي يصل إلى الجائزة قبل منافسيه من الفرسان يفوز بها.
وفي نفس السياق كان فرسان القبيلة كذلك ينطلقون بسرعة فائقة على صهوات الجياد ثم يرمون بالرماح أو النبال، في اتجاه هدف معين، ومن يصيبه يعتبر هو الفائز، مما يخول له لقب الفارس الشجاع الذي يرمي بدقة الهدف ويصيبه رغم سرعة الحصان. هذا بالإضافة إلى طقس وحركة التّطويح بـ  "لَعْصَابَاتْ" في عنان السماء حين بلوغ الفرسان نقطة الوصول وهم يركضون بجيادهم بسرعة كبيرة. وكل هذه الألعاب وغيرها كانت تمارس قبل استعمال البنادق ومادة البارود.
إن العرض الفرجوي والاحتفالي، المتمثل في طقس وحركة التطويح بـ "لَعْصَابَةْ" هو عرض متجذرة في ثقافة الألعاب الشعبية على صهوات الخيول، والعلام عبد الله بن أبيه، ومن معه من شباب تكنة (الشراردة) قد أحيوا هذا الموروث الشعبي الجميل والرائع والذي تفاعل معه جمهور مهرجان "الأصيل" بجماعة المهارزة الساحل بإقليم الجديدة الذي حج بالآلاف لمحرك التبوريدة طيلة أيام النسخة الخامسة للمهرجان الذي استقطب أجود عَلْفَاتْ الخيل ولبارود من مختلف مناطق المغرب.
إضافة لما سبق ذكره فحركة التّطويح بـ "لَعْصَابَةْ" خلال المهرجان، أدخلت الجمهور في هذا الطقس الجميل، خصوصا أن الجماهير التي كانت متحلقة بجنبات المضمار/المحرك والتي كانت في وضعية مريحة على مستوى الفرجة وهي تعتلي كراسي المدرجات، إندمجت كلية في العرض، لأنها لحظة تماهي، بمعنى أن الجمهور يتماهى مع الفرسان وخيولهم الجامحة والثائرة، وهي لحظة جد متوهجة.