Saturday 9 August 2025
كتاب الرأي

فيصل مرجاني: الإيديولوجيا والدبلوماسية.. حين يُقدَّم الدفاع عن الأشخاص على حساب المصالح العليا للوطن

 
 
فيصل مرجاني: الإيديولوجيا والدبلوماسية.. حين يُقدَّم الدفاع عن الأشخاص على حساب المصالح العليا للوطن فيصل مرجاني
إن من يسعى إلى تبرير سلوك السفير المغربي بواشنطن، يوسف العمراني، عبر الإيحاء بأنه لا يملك صلاحية التصرف إلا بتنسيق مسبق مع دوائر القرار في الرباط، وأن تعامله غير اللائق مع أحد الحاخامات الأمريكيين من أصول مغربية نابع من تعليمات عليا، يغفل عمداً عن فهم آليات وأسس التسيير الدبلوماسي والإداري داخل البعثات الدبلوماسية.
 
هذا الجدل يذكرنا بحوادث سابقة أثرت سلبًا على صورة الدبلوماسية المغربية، من بينها حالة سفير المغرب في ماليزيا، الذي خالف مبدأ التحفظ الدبلوماسي باستقباله جماعة العدل والإحسان المحظورة، ما أسقط عليه المسؤولية الشخصية قبل أي اعتبار مؤسساتي. كما لا يغيب عن الذهن ملف سفير المغرب في مدغشقر، الذي تورط في اختلاس أموال مخصصة للمساعدات الإنسانية، وهو ما أدى إلى توقيفه وإدانته بحكم قضائي بالسجن مع وقف التنفيذ.
 
وفي نفس الإطار، يبرز نمط الخطاب الأيديولوجي عند بعض المدافعين عن السفير العمراني وزوجته، الذين يوزعون تهم العمالة والخيانة والتآمر على مصالح الوطن، وهم أنفسهم الذين دافعوا بشراسة عن رئيس المجلس العلمي المحلي لفكيك واعتبروا توقيفه خيانة ومحاربة للدين. هذه المواقف تنم عن غياب الوطنية الصادقة، وتعكس اعتمادًا على لغة التكفير والتخوين التي تعجز عن تقديم حجة موضوعية.

اذن فإن الدفاع عن السفير يوسف العمراني من قبل هذه الجماعات المؤدلجة لا يهدف إلى حماية شخصه أو خدمة مصالح المغرب الحقيقية، بل هو محاولة مبيتة لتقويض سمعة التوجه الدبلوماسي والسياسي للمملكة. هذا التوجه الذي يعتنق التعددية، ويؤمن بالعيش المشترك، وتقبل الآخر، ويعمل وفق البراغماتية في العلاقات الدولية، ويحافظ على ما تحقق من إنجازات خلال أكثر من خمسين سنة من النضال، خصوصًا في إطار حل نزاع الصحراء المغربية المفتعل.
 
وهؤلاء المدافعون، يدركون تماما، حساسية الملف في واشنطن، وهم على علم تام أن المغرب على مشارف تحقيق مبادرة الحكم الذاتي سياسيًا على أرض الواقع، لذا يسعون إلى نسف هذه المكاسب عبر خطاب أيديولوجي يفتقر إلى الواقعية والمسؤولية.
 
إن السؤال المحوري الذي يفرض نفسه في ضوء هذه الحالات، هو مدى ارتباط هذه الخروقات بأوامر أو توجيهات من دوائر صنع القرار الدبلوماسي داخل الوزارة، أم أنها تعبير عن اجتهادات شخصية مستندة إلى أيديولوجيات أو مصالح فردية لا تلتزم بالمصلحة الوطنية العليا.
 
إن هذه الظاهرة تطرح تحديات جدية على مستوى منظومة الرقابة الداخلية في الجهاز الدبلوماسي، وعلى صعيد التوازن الدقيق بين التوجيه المركزي للسياسة الخارجية وحرية المبادرة التي يجب أن تتم في إطار منضبط ومسؤول، يضمن احترام القيم الوطنية والمهنية ويصون سمعة المغرب على الصعيد الدولي.