Sunday 10 August 2025
كتاب الرأي

الدكتور أنور الشرقاوي: حكاية بويضة.. معركة من أجل الأبوة والأموة

 
 
الدكتور أنور الشرقاوي: حكاية بويضة.. معركة من أجل الأبوة والأموة أنور الشرقاوي
في غرفة مستشفى يلفها ضوء بارد، كان ياسين، الشاب ذو الـ23 ربيعاً، يقبض يده بقوة.
التشخيص وقع كالصاعقة: سرطان في الخصية.
لا دموع، بل صمت طويل.
حاول الطبيب أن يخفف وقع الكلمات: «إنه سرطان قابل للشفاء بنسبة 100%، لكن…»
وها هو الـ«لكن» يسقط كالمطرقة: العلاج الإشعاعي سينقذ حياته، لكنه سيسلبه القدرة على الإنجاب.
قبل الجلسة الأولى، طُرِح على ياسين إجراء غريب بالنسبة لشاب في عمره: أخذ عينات من أنسجته التناسلية وتجميدها. وعدٌ للمستقبل.
يُجمع السائل المنوي ويُحفظ في قوارير مغمورة بالنيتروجين السائل.
تماماً كما يحدث في بروكسل أو باريس أو واشنطن، يمكن لهذا أن يتم في مراكز متخصصة بالرباط أو الدار البيضاء أو مراكش.
تمر السنوات… يشفى ياسين.
يلتقي بسلمى.
يحبان بعضهما.
وتبدأ مشاريع الحياة: ضحكات، أحلام، وأمنيات بطفل يملأ المنزل.
لكن الطبيعة رسمت خطاً فاصلاً.
فيعودان إلى حيث توقفت الحكاية: إلى المختبر.
هناك، يقوم طبيب الأحياء الإنجابية  بجمع الحيوان المنوي الذي أنقذ من برد النيتروجين مع بويضة سلمى.
تتم عملية الإخصاب تحت المجهر، كقصة مصغرة حيث تؤدي كل خلية دورها بإتقان.
ثم يُزرع الجنين، برفق شديد، في رحم سلمى.
بعد تسعة أشهر، يعلو صراخ طفل…
وتعود دورة الحياة من جديد.
لكن، بالنسبة لآلاف الأزواج المغاربة، تظل هذه المعجزة العلمية الطبية  رفاهية بعيدة المنال.
العقم وعدم القدرة على الإنجاب، الذي يصيب نحو زوج من كل سبعة، لا يزال يُنظر إليه في كثير من الأحيان كأنه «ترف طبي».
العلاجات موجودة في المغرب، لكنها باهظة الثمن، والتغطية التي توفرها صناديق التأمين الصحي هزيلة.
لذلك، تظل قصص ياسين وسلمى نادرة، ثمينة… بل بطولية.
بين الاستشارات الطبية، والعلاجات الهرمونية، وسحب البويضات، والرحلات المرهقة نحو العيادات المتخصصة، يخوض هؤلاء الأزواج حرباً هادئة.
 
 الدكتور أنور الشرقاوي 
 خبير في الاتصال الطبي والإعلام الصحي 
 
يواجهون النظرات، والأحكام المسبقة، وضغط العائلة.
وينفقون مدخرات العمر من أجل امتلاك ليس حلماً… بل حقاً أصيلاً: حق أن يصبحوا آباء وأمهات.
هذا الأمل، والإصرار، وحكاية صامتة لآلاف المغاربة الذين يرفضون أن تنطفئ سلالتهم.