الأربعاء 24 إبريل 2024
فن وثقافة

في الحاجة لمهرجان "أحيدوس للأطفال" .. الأطلس يصنعه الرقص والغناء أيضا!

في الحاجة لمهرجان "أحيدوس للأطفال" ..  الأطلس يصنعه الرقص والغناء أيضا! ادريس احجيج يتوسط محمد الصغير (يمينا) ومحمد مستاوي (يسارا) إلى جانب مشهد لحفل فني طفولي
يجمع علماء التربية أن "اللعب بالنسبة للأطفال ليس مضيعة للوقت" غير أن الوقت المغربي يعمل بمنهجية واضحة على إبطال  مفعول اللعب عن أطفال المناطق الجبلية، رغم أن هذه المناطق تزخر بأشكال فنية متنوعة، وعلى رأسها "أحيدوس" (شكل غنائي راقص يعتمد على هز الأكتاف والأقدام على نحو متناغم ومنسجم بين الذكور والإناث) أو أحواش، أو غيرهما من التعبيرات الفنية. 

إن أحيدوس، على سبيل المثال، مهارة فنية وثقافية يجب تنميتها واعطاؤها مساحة أكبر في الحياة اليومية لأطفال المناطق الجبلية، كأن يتم تنظيم مهرجان لـ"أحيدوس الأطفال"، مما سيعزز حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية المحلية. كما بإمكانه أن يشجع على الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الشعبي، ويمنحه زخما يساهم في تمتين الهوية والارتباط بالأرض ورموزها. بل إنه يساهم في إبقاء هؤلاء الأطفال على مساحة قريبة من ذواتهم، ومن تراثهم، ومن إنتاج أسلافهم،ومن "تامغربيت"، عوض السفر القسري إلى فضاءات ثقافية أخرى، بعيدة كل البعد عما تمثله اللغة والثقافة والتعبيرات الفنية المغربية المحلية.
 
فبالرغم من الوفرة التي تعرفها المهرجانات الفنية الوطنية، التي تجاوز عددها المئة مهرجان، موزعة على مختلف مدن وجهات المملكة، إلا أننا نكاد نجزم بعدم وجود مهرجان واحد على الأقل خاص بأطفال هذه المناطق الجبلية المقصية والمهمشة، ونخص بالذكر هنا المواهب الصغرى، القاطنة في العمق المغربي بالأطلس المت سط أو الكبير أو الصغير، فضلا عن سلسلة الريف، والمهتمة بالفن الأمازيغي، الذي يصنف كتراث لا مادي ويعتبر جزء لا يتجزأ من هوينا المغربية.

فعند الحديث عن الوضعية الثقافية والفنية بالمغرب، يجب أن تشمل نظرتنا جل جهاته ومكوناته الاجتماعية، أي بغض النظر عن مكان النشأة أو السن، إذ يجب التركيز أولا وقبل كل شيء في الموهبة فإن حضرت هذه الأخيرة، فإن الباقي يبقى مجرد تفرعات بخست قيمتها.

لا يخفى عن أحد، كم الطاقات الفنية الواعدة التي تزخر بها جملة من المناطق الجبلية ببلادنا، إلا أن تواجد الموهبة في أوساط معزولة ثقافيا وفنيا يعني قتلها، مما يفتح المجال لطرح عدة تساؤلات لعل أبرزها هو ما الذي يعيق اندماج ساكنة هذه المناطق، خاصة البراعم في المشهد الفني المغربي؟ ولما لا تستغل هذه الطاقات الصاعدة لإبراز ما تزخر به وسط ترعرعهم من تراث في مقدمتها تراثهم الأمازيغي؟ أليس من حق الأطفال الاستفادة من أنشطة تسلط الضوء على قدراتهم الدفينة؟ ألا تكفي عزلتهم المكانية التي حكمت عليهم بها ظروفهم المعيشية؟ ولماذا لا نتوفر على مهرجان لفن أحيدوس مخصص للأطفال، يأتون فيه لإظهار مواهبهم، وللتباري في ما بينهم، من أجل تطوير هذا الفن، على مستوى الأداء الغنائي، وعلى مستوى تصميم الرقصات، تشرف علية وزارة الثقافة أو أكاديميات التعليم الجهوية أو المجالس الترابية الجهوية أو المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؟.
 
وفي هذا الإطار اعتبر محمد الصغير، بصفته ناشطا جمعويا مهتما بأدب الطفل، في تصريح خص به "أنفاس بريس"، أن ما قد يساهم في إبراز مواهب الفئات الصغرى بشكل مبكر سواء في صفوف الناطقين بالعربية أو بالأمازيغية أمر ممكن، إلا أن الفن الأمازيغي قد يعرف بعض الصعوبات بين المواهب الأمازيغية التي تبرز داخل المؤسسات التعليمية، وخاصة في العالم القروي، حيث التهميش والإقصاء من كل تنمية حقيقية، في حين نجد أن هذه الفئة تتمسك وتتشبت بتراثها الأمازيغي، ولا تريد التفريط في هذا التراث الفني، مما يستدعي من القائمين على المجال الثقافي والفني بالمغرب، الإكثار من البرامج الخاصة بالأطفال الذين يتكلمون اللغة الأمازيغية بطلاقة، ويستعملونها في جميع الفنون التي يتقنونها.

 وأشار محمد الصغير، أن الفنون الأصيلة التي تشع بحضورها المتواصل في المظاهر المعمارية للقرى وصناعاتها التقليدية المتوارثة ورموزها الحية في الطقوس الاجتماعية والمعدات المادية، ومع إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي أعطى لهذا الموروث التاريخي الغني دفعة جديدة وأعاد الاعتبار لجانب هام من مقومات الهوية المغربية، متعددة الروافد.

وأردف قائلا ، في ذات التصريح: " المعهد الملكي يعمل منذ تأسيسه عام 2001، من خلال تعبئة طواقم بحثية وفرق عمل متخصصة- على تعميق البحث في الكنوز الأمازيغية وتعبيراتها المختلفة، وتوثيقها بشكل معرفي حديث بناء على مكتسبات العلوم الحديثة، وإماطة اللثام عن أسرارها الجمالية ودلالاتها الرمزية في السياقات التاريخية والاجتماعية والثقافية للقرية الأمازيغية، التي غالبا ما تكون حافلة بالمواهب والطاقات المبدعة من الأطفال واليافعين والشباب في العديد من المجالات".

وشدد محاورنا، على ضرورة إحداث كرسي أدب الأطفال في الجامعات والكليات المغربية لتدريس المنتوج الموجه للأطفال، ودراسة كل ما يتعلق بالطفل، وإصدار مجلات وقصص ودواوين شعرية ومسرحيات وأفلام سينمائية تستهدف كلها تطوير قدرات الطفل الذهنية ومناحيه الوجدانية وقدراته الحسية الحركية أو تجعل الطفل محورا للمعالجة الدرامية أو الحماية القانونية أو الإصلاح الاجتماعي والقيمي.

من جهته ارتأى إدريس احجيج، فاعل جمعوي ببولمان ومهتم بالتراث الأمازيغي، أنه يتوجب علينا السير بخطوات تدريجية، فتكون البداية بتأسيس مهرجان للطفل، خاص بالنشيد أو الأغاني التربوية، لأن ذلك يشترط، عند الحديث عن هذه الفئة العمرية، التركيز على ما هو تربوي، لإنشاء الأجيال الصاعدة تنشئة راقية، تجعل منهم أفراد فاعلين في المجتمع مستقبلا.

وقد اعتبر احجيج أن تنظيم هذا الحدث الفني المعني بالمواهب الصغرى، خاصة تلك القاطنة في المناطق المعزولة أو المهمشة من ترابنا الوطني، التي يقل فيها الاهتمام بالجانب الثقافي والفني، سيساهم بشكل كبير في إبراز هذه الطاقات الدفينة من جهة وكذا التعريف المنتوج التراثي الفني لهذه المناطق، مشددا على أن يتم العمل على هذا المشروع بشكل تدريجي، ليتناسب ذلك مع الإمكانيات المتاحة.

وأشار إدريس احجيج، إلى أن أولى دورات هذا الحدث الفني والثقافي المقترح، الذي سيكون البطل فيه هو الطفل، بمثابة نسخة تجريبية، لقياس مدى نجاح هذه المبادرة، التي تسعى بالدرجة الأولى إلى تسليط الضوء على الأطفال الموهوبين، فإن أتى مهرجان الطفل بالنتائج المرجوة، يتم حينها البدء في الاشتغال على تطويره، مؤكدا أن للأطفال الحق في الاستفادة من هذه النوعية من الأنشطة، وألا تكون المخيمات الصيفية متنفسهم الوحيد.

أما الكاتب والشاعر، محمد مستاوي، فقال  بأن التراث الفني والثقافي الأمازيغي، مازال يعاني من التهميش وقلة الاهتمام، خاصة على مستوى جهة سوس وجبال الأطلس، مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بالفئات الصغرى، بل رمى بظلاله أيضا على أسماء وازنة في المجال الثقافي والفني، أي أن الوضع شامل ولا يرتبط بالدرجة الأولى بالأطفال.

واعتبر مستاوي أن جمعيات قليلة فقط التي تعير الموهوبين من الفئات الصغرى أهمية، وتعمل على مواكبتهم وصقل قدراتهم وتطويرها، مشيرا إلى تجربة سابقة، كانت قد قادتها قديما إحدى الجمعيات المختصة في فن أحواش بورزازات.