السبت 23 نوفمبر 2024
في الصميم

يا ساسة المغرب.. تعلموا الدرس من كوريا!

يا ساسة المغرب.. تعلموا الدرس من كوريا! عبد الرحيم أريري
في عام 1973 كانت كوريا الجنوبية في وضع أسوأ من المغرب، سواء من حيث الناتج الداخلي الخام أو من حيث مستوى التعليم والرخاء الاقتصادي، بحكم أن كوريا الجنوبية خرجت للتو من حربين: آثار الحرب الباردة بين القطبين السوفياتي والأمريكي من جهة، وآثار حرب التقسيم مع كوريا الشمالية من جهة ثانية.
ولما استتب الأمر للقيادة الكورية الجنوبية، تم رسم سقف نهاية الثمانينات من القرن العشرين، لإخراج البلاد من التخلف وإدخالها إلى نادي الدول الصاعدة اقتصاديا وتكنولوجيا وعلميا. وبالفعل تم اليوم ربح الرهان لأن كوريا الجنوبية راهنت منذ الأول على التعليم، فكانت الأجيال التي ولدت بعد عام 1973 هي الرأسمال الحقيقي لكوريا الجنوبية وتم تكوينها تكوينا جيدا. ولما بلغت سن الرشد المدني، كانت هذه الأجيال هي الرافعة التي رفعت كوريا الجنوبية إلى الأعلى، لدرجة أنه لا يخلو منزل بالعالم من منتوج مصنوع بكوريا الجنوبية (هاتف، آلة تصبين، تلفاز، سيارة، آلة عصير...). كما لا تخلو مصانع العالم من قطع الغيار أو محركات مصنوعة من طرف شركات كورية (سيارات، سفن، صناعة حربية، مفاعلات نووية، وهندسة صناعية...إلخ.).
في المغرب يمكن أن نعتبر سنة 1998 (سنة الانتقال الديمقراطي)، هي الساعة الصفر التي كان على المغرب أن يحقق من خلالها وثبته على غرار ما اعتمدته كوريا الجنوبية عام 1973.
فمنذ تلك السنة تعاقب على قطاع التعليم كل من إسماعيل العلوي وعبد الله ساعف والحبيب المالكي وخشيشن ولطيفة العابدة (وكل هؤلاء يساريون أو ذوو ماضي تقدمي مثل اخشيشن). وإذا احتسبنا المدة التي قضاها هؤلاء الوزراء (وهم من نفس المتن الفكري ومن نفس العائلة التقدمية)، نجد أنها تصل إلى 13 سنة. وإذا أضفنا ولاية محمد الوفا ورشيد بلمختار، نحصل على 18 سنة، وهي فترة كانت كافية كي يكون للمغرب اليوم جيش هائل من المتعلمين المكونين بشكل جيد.
ففي عام 1998 كانت مسجلة في الأقسام المدرسية حوالي 6 ملايين تلميذ، وإذا علمنا أن فترة الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية هي 12 سنة، فمعنى ذلك أن من ولج للمدرسة في عهد إسماعيل العلوي بلغ سنه اليوم 29 سنة، وهي السن الفضلى للمساهمة في نماء البلد وفي تجويد نمط عيشه وفي تحصين الفرد ضد كل الانزلاقات (دينية أو مخدرات أو تراخي في العمل أو تحلل من المواطنة...إلخ).
بمعنى أن إسماعيل العلوي ومن تولى حقيبة التعليم من بعده (ساعف، المالكي، اخشيشن، العابدة، الوفا، وبلمختار) حرموا المغرب من أن يتوفر اليوم على خزان هائل من الشباب المتعلم والمزود بتربية صالحة. وإذا أحصينا ستة ملايين كل عام، معناه أن المخزون Le STOCK من المواطنين الصالحين والمتعلمين سيكبر منذ عام 2011 إلى الآن) أسقطنا فترة الوزيرين حصاد وأمزازي، والوزير الحالي شكيب بنموسى).
لكن للأسف أضعنا الفرصة الذهبية بالإصرار على إهمال التعليم وتكوين المغاربة تكوينا متينا، وخسرنا فرصة الانطلاق، على الأقل لمدة 50 سنة قادمة. وهذا ما يفسر لماذا زحف المد الظلامي والتضبيعي والتمييعي على البلاد، ولماذا قل الإنتاج في المعامل والإدارات والضيعات، وضعف الوفاء في العمل وسادت السلوكات البربرية في الشوارع وفي الأحياء، ولهذا تأخر المغرب كثيرا على كوريا وسنغافورة وماليزيا وتركيا، وغيرها من الدول التي كانت في مرتبة أضعف من المغرب وصارت اليوم قوى صاعدة يحسب لها ألف حساب في النادي العالمي.
فلا خير في أمة توصد الباب في وجه تنمية منظومتها التعليمية.!