الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

بوعياش تستعرض جهود مجلس حقوق الإنسان في تثمين الثقافة الحسانية وفعلية الحقوق

بوعياش تستعرض جهود مجلس حقوق الإنسان في تثمين الثقافة الحسانية وفعلية الحقوق أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان
قالت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن الاستعمال العقلاني للمؤهلات الثقافية وبتنوعها، يعزز فرص التنمية المندمجة ويوفر مناخا أرحب لتحسين ولوج الخدمات الاجتماعية الأساسية ويخلق فرصا جديدة للتدبير البيئي وإعداد التراب ويوفر فرصا نوعية لتعزيز الحكامة. 
جاء ذلك ضمن كلمتها الافتتاحية في يوم دراسي بالعيون الثلاثاء 7 يونيو 2022، بعنوان: "الثقافة الحسانية، عشر سنوات بعد الدسترة"، فيما يلي كلمة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان: 

" ونحن نتدارس الثقافة الحسانية وفعلية الحقوق، تقود تفكيرنا العديد من الأسئلة، وهي الأسئلة التي نطرحها بخصوص المكونات الامازيغية والعبرية وغيرها، من أجل تفكير جماعي يمكننا من اعتماد نهج شمولي من خلال الجمع ما بين التفكير والتشاور والفعل. لأن فعلية الحقوق والحريات لا تقتصر على مساءلة القوانين وتقييم قدرتها على تغيير الواقع وتيسير ولوج المواطنين للحقوق الأساسية، بل وكذلك إيلاء العوامل غير القانونية extra juridique الأهمية التي تستحقها، وخاصة السوسيوقتصادية والثقافية منها. كل هذا بهدف تعزيز مكتسبات المجتمع في مجال حقوق الانسان، والتي اجتهدنا لتأمينها، ومن المهم أن تمتد لجوانب تم تغييبها في السياسات العمومية لمدة طويلة.
وتتمحور هذه الأسئلة، حول العديد من القضايا التي تهم التنمية الشاملة، منها على سبيل المثال: 
• كيف يمكن ترصيد مكتسباتنا الجماعية بعد عقد من الزمن على دسترة التنوع الثقافي؟ 
• ماهي مؤشرات التقدم في تنزيل تفاصيل مخطط النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية؟
• ماهي سمات ومعالم السياسة العمومية في مجال الثقافة؟
• وأمام تعدد المتدخلين في القطاع هل نحتاج اليوم إلى بنية مؤسساتية لتجويد التكامل والالتقائية؟ أم أن الإشكال يتعلق بطبيعة الرؤية وسلم الأولويات ومصادر التمويل؟ 
• وربما يطرح السؤال حول الأولوية؛ وهل الحقوق الثقافية مجال قابل للتأجيل، خصوصا بعد ثبوت العلاقة بين الثقافة والتنمية الاقتصادية؟ 
•ولماذا ظلت الثقافة عندنا خارج نطاق التخطيط الاقتصادي، بل وخارج أي اعتبار اقتصادي؟ 
•وأي معنى لمفهوم الرأسمال اللامادي، إذا لم نستبطن الثقافة كثروة للاستكشاف وهيكلة فرص الاستثمار المنطوية عليها؟
• كيف يمكننا أن نطور النظر إلى الدينامية الثقافية كدينامية إنتاج واستهلاك فضلا عن كونها دينامية حرية وتعبير؟
لقد مكن الوعي المتزايد بأهمية حماية التنوع الثقافي، وما واكبه من اهتمام مختلف الفاعلين بتطوير الترسانة القانونية والمؤسساتية الدولية، وتدعيمها بمقاربات هدفها تطوير سلوك الأفراد والمجتمعات، خاصة مع  بروز  شبه إجماع على أن  التنوع الثقافي لا يمكن أن يزدهر إلا في بيئة تضمن الحريات الأساسية وحقوق الانسان وعلى أن مساره-أي التنوع الثقافي- يسير جنبا الى جنب مع مسار احترام كرامة الفرد، وأن احترام حقائق وواقع التنوع يبقى، في الكثير من الحالات، السبيل الوحيد لتجاوز نزعات الإلغاء والهويات المنغلقة وتحقيق الوحدة الاجتماعية والوطنية. 
لقد قام المجلس بإثارة فعلية الحقوق الثقافية في أبعادها المتنوعة. فقد خصص لها موقعا مركزيا في كل الآراء التي أنجزها خلال هذه الولاية، سواء بمناسبة تقديمه لملاحظاته وتوصياته للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، أو بمناسبة تقديمه لملاحظاته وأولوياته الراهنة بشأن التصريح الحكومي أو بمناسبة إنجاز تقاريره الموضوعاتية المتعلقة بالحق في الصحة. لأن إقرار المساواة وتكافؤ الفرص وتضييق الفجوات الاجتماعية والمجالية، وتمكين المجتمع من إنتاج وتنويع مصادر الثروة، يقتضي في المقام الأول، بناء وهندسة السياسات العمومية في ضوء ضمان الحقوق الأساسية وفي صلبها الحق في الثقافة والاستدامة. 
فالحق في الثقافة أو الحقوق الثقافية لا ينبغي أن تبقى مجرد "وصفة تكميلية" تؤثث الأوراق والبرامج والمشاريع، بقدر ما يجب أن نجعل من الحق في الثقافة مدخلا ومرتكزا لمشاريع التنمية المندمجة الكفيلة بردم هوة التفاوت المجالي وإنتاج مصادر جديدة للثروة، وخلق فرص للشغل وتوفير إمكانات مبتكرة لتمكين النساء والفئات الهشة. "فالثقافة تحتل مكانة الصدارة في المناقشات المعاصرة بشأن الهوية والتماسك الاجتماعي وتنمية اقتصاد قائم على المعرفة" .
وإذا كانت بلادنا قد حسمت، منذ أكثر من عقدين، في خيار الديموقراطية وتضمينه بالدستور منذ أكثر من عقد، فإن مسار الديمقراطية، لم يول ما يكفي من الأهمية للجانب الثقافي، كمجال استثمار وليس فقط مجال تدبير، لترسيخ تحولاتنا الديمقراطية، لما تكتنزه الجهات من خصوصيات وثراء وإمكانات ثقافية غير محدودة. إن هذا التعدد الموسوم بالغنى، شكل ويشكل ثروة وطنية ومقدرات كبيرة، نحتاج من أجل استثمارها بالشكل الأمثل، إلى الاعتماد على المكون الثقافي لتنويع وتسريع وتيرة التنمية والإدماج الاجتماعي الخلاق.
وغير خاف أن الإعلان العالمي للتنوع الثقافي "بوصفه عاملا محركا للتنمية، يوسع نطاق الخيارات المتاحة لكل فرد، فهو أحد مصادر التنمية، لا بمعنى النمو الاقتصادي فحسب وإنما من حيث هو أيضا وسيلة لبلوغ حياة فكرية وعاطفية وأخلاقية وروحية مرضية" 
تستند الشرعية الدولية لحقوق الإنسان لحماية التنوع الثقافي، على مبادئ المساواة بين الثقافات، ورفض التمييز بين الأمم والشعوب، ومحاربة أفكار "التفوق أو الهيمنة الثقافية" وما تقوم عليه من مفاهيم عنصرية أو تعصب. وتولي منظومة حقوق الانسان الدولية أهمية خاصة للحقوق الثقافية ولمسؤولية الدول في حمايتها وتحصين الهويات الوطنية المتعددة الروافد. وقد ارتأينا في المجلس، وفي هذا الصدد، وانسجاما مع ما تقتضيه ضرورة التكامل والملاءمة بين الفكر الحقوقي الكوني والمتطلبات الخاصة بالسياق الوطني التأكيد على الجانب الثقافي والقيمي والاستدامة نظرا للطابع العرضاني لهذين البعدين، لأن الإنسان هو محور التنمية وأن كل إنجاز على مستوى النمو الاقتصادي يبقى هشا ومهددا إذا لم يأخذ بعين الاعتبار دينامية الإنسان كفاعل في هذا النمو ومستفيدا منه
ويمثل مخطط التنمية الجهوية، إطار فعالا لفعلية الحقوق الثقافية في أبعادها المتنوعة، وتطوير النهوض بالثقافة الحسانية. كما سيجد فعليته في السبل الكفيلة لتمكين مؤسسات التنشئة الاجتماعية (الأسرة، المدرسة الحي والشارع) والتنشئة السياسية (الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات ومؤسسات الوساطة) من الاضطلاع بدور أكثر فعالية في تكوين مواطن مستبطن لثقافة حقوق الانسان.
إن مخطط التنمية الجهوية، ليس آلية تقنية لعدد المدارس ومراكز الاستشفاء وإصلاح الطرق والإنارة وغيرها، بل إنه كذلك مخطط للاستثمار في الثقافة وحماية التنوع الثقافي، عبر محاربة كل الظواهر والممارسات التي من شأنها انتهاك الحقوق أو الترويج للتمييز، لأن التنوع الثقافي، يبقى أولا وقبل كل شيء، شرطا أساسيا لكل مقاربة أو سياسة تهدف إلى تقوية مكونات المجتمعات ولحمتها وثروة متجددة تضمن لكل فرد التمتع بحقوقه كاملة والقدرة على التعبير والإبداع والابتكار.  إن حماية التنوع الثقافي، يتطلب وضع قيم حقوق الإنسان كصلة وصل بين جميع الثقافات، في إطار مقاربات تنهض بالمشاركة في الحياة الثقافية كمعبر أساسي للمشاركة في حياة المجتمع برمتها. 
كما أن التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم، وما يترتب عنها من تحولات مناخية غير مسبوقة وضغط كبير على كوكب الأرض، وتقلص الموارد الطاقية والمائية، يفرض على السياسات العمومية اليوم، أن تستنير بمبادئ حقوق الإنسان، وتكييف استراتيجيتها وخططها وفق متطلبات فعلية الحق في الثقافة والتنوع الثقافي، لما توفره من قيم وسلوكات لتدبير الندرة والتقليص من الضغوطات المتزايدة على المقدرات والموارد الأساسية.
إذ لا يمكن للمتتبع للحياة والمشهد الثقافي بالأقاليم الجنوبية أن لا ينتبه للتراكم الإيجابي على مستوى السياسات القطاعية المعنية بالثقافة والمنتوج الثقافي،  عبر إحداث قنوات إعلامية، محطتين إذاعيتين جهويتين وقناة جهوية، تستثمر 70 في المائة من شبكتها البرامجية للتعريف بالخصوصيات الجهوية في جميع مستوياتها وأبعادها، والطفرة الكبيرة من حيث البنيات الأساسية في الجهات الثلاث، والاهتمام المتزايد بالثقافة والموسيقى الحسانية من خلال المهرجانات والمبادرات الجماعية والفردية، سواء  بين مختلف الفاعلين المؤسساتيين والجمعيات غير الحكومية.
إن الرهان على فعلية الثقافة الحسانية، ضمن فعلية الحقوق الثقافية بمختلف مكوناتها الوطنية، باعتبارها مدخلا ومرتكزا للتنمية، يتطلب بالإضافة إلى النهوض بالبنيات الأساسية وتنويعها وتعميمها. 
إن هذه الفعلية تستدعي، كذلك، إقرار حكامة جديدة للشؤون الثقافية تعزز الالتقائية بين قطاع التربية والتعليم، والثقافة والإعلام والشباب والجماعات المحلية والصناعة التقليدية والسياحة الإيكولوجية وتطوير آلية للتمويل بين الجهات من أجل تثمين الثقافة وجعلها رافعة لتجويد الولوج إلى القطاعات الاجتماعية وتعزيز مسارات التنمية والتمكين والإدماج الاجتماعي.
واسمحوا لي، أن اقتسم معكم تعابير للتنوع الثقافي الجهوي إنه كذلك يمثل إحدى رموز الوحدة الثقافية الوطنية، انها النقوش الصخرية، التي تمتد على طول التراب الوطني من فكيك إلى ورزازات إلى السمارة وامتداداتها. 
وإذ أسجل العمل الهام الجاري حاليا من أجل جرد التراث  الوطني والحساني غير المادي، فإنني ادعو من هذا الفضاء ومن هذا الموقع،  إلى تعزيز التعاون لحماية هذا التراث الإنساني، ووضع مخطط متكامل للحماية وإبتكار سبل ناجعة، وبشراكة مع الساكنة،  لمواجهة جميع أشكال التهريب التي تستهدف النقوش الصخرية، والتفكير في إلزامية المقاولات والمنعشين الاقتصاديين بضرورة الحصول المسبق من المديريات الجهوية للثقافة أو محافظة النقوش الصخرية والمواقع الأثرية على ترخيص قبل بدأ الأشغال في مقالع الحجارة تلافيا لأي ضرر أو تدمير غير مقصود لهذا التراث التاريخي.
تكتسي حماية التنوع الثقافي والتراث الثقافي مكانة خاصة في منظومة حقوق الانسان، بالنظر لأهميتها بالنسبة للأفراد والمجموعات، ولكون الحق في الولوج إلى التراث الثقافي والتمتع به يشكّل جزءاً من الحق في المشاركة ليس في الحياة الثقافية.
وخلصت العديد من الملاحظات والاجتهادات الحقوقية إلى أن جهود مواجهة العنف المرتكب بمبررات هوياتية مزعومة واستخدام الاختلافات الثقافية في قضايا شديدة الاستقطاب، تستلزم تضافر جهود الجميع وفق مقاربات تشاركية، تمكنها أن نقف على مدلول أشكال النقوش الصخرية عبر التراب الوطني."