لا يعقل أن يترك مصير 35 في المائة من الناتج الخام للبلاد بيد حفنة من المدبرين الفاشلين بدعوى أن المغرب اختار "الديمقراطية المحلية"، وبدعوى أن المغرب اعتمد قانونا للصفقات يجعل صفقة ضخمة بقيمة 6 ملايير درهم أو 4 ملايير درهم، ترسو بشكل سوريالي على شركة قد لا تتوفر لها المؤهلات والقدرات التقنية واللوجيستيكية والبشرية لتدبير الأوراش.
لا يعقل أن نترك الدار البيضاء تدار بهذا العبث إلى ما لا نهاية، بمبرر أن المغرب يتوفر على دستور! وبمبرر أن المجالس المنتخبة "سيدة نفسها"، وبأن شركات التنمية المحلية "مستقلة بأمورها"، وبأن البرلمان هو "المشرع" الذي "ينوب عن الأمة"!!
من العار ونحن في القرن 21 وولاية البيضاء يسيرها مهندس، والداخلية يتولاها مهندس، وشركات التنمية المحلية يديرها مهندسون، ومع ذلك لم تفلح العاصمة الاقتصادية في إنجاز أوراش يتوفر فيها "السميݣ" من المواصفات التي تستحضر سلاسة السير وانسيابية التنقل، وكأن من يسيرون المدينة لم يدرسوا في معهد عال أو مدرسة للمهندسين، وكأنهم لم يزوروا مدنا أمريكية وروسية ويابانية وصينية وأوربية وبرازيلية وتركية ليشاهدوا كيف تنجز الأوراش الضخمة جدا دون أن تنغص الحياة اليومية لسكان تلك المدن!!
هل يعقل أن نمنح مشروع "الباص واي" أو الترامواي أو غيرها من أوراش التهيئة، لشركة لا "تضرب الضربة في الورش" لأسابيع، إن لم نقل لشهور، وتترك المدينة رهينة العشوائي؟!
ما معنى أن يتم حفر مدار عزبان (الذي تعبره تقريبا 160 ألف سيارة في اليوم) وتترك الحفر والحواجز الحديدية لأسابيع مهملة بشكل يضيق الممرات ويزيد من عذابات مستعملي الطريق ويرهق شرطة المرور بشكل يومي، بدل أن تنجز أشغال الحفر والطمر والتعبيد في لمح البصر وفي الليل، عوض التلذذ بتعذيب المواطنين في هذه "الرومبوان"، لدرجة أن اجتياز "رومبوان" عزبان يتطلب في أوقات الذروة ما بين 30 و40 دقيقة!
ما معنى أن تقوم الشركة بقطع شارعي أبو بكر القادري والقدس، اللذين يعدان من أهم المحاور المؤدية إلى حي الأعمال بسيدي معروف وإلى الأحياء الصناعية بحي البام وليساسفة وبوسكورة وإلى تكنوبارك وكازانيرشور (وهذه الأحواض مجتمعة توظف ما يزيد عن 100 ألف من الأطر والمستخدمين، منها 17 ألف موظف بكازانيرشور لوحدها)، ووضع خنادق في ملتقى الشارعين "أي، رومبوان الفردوس" وترك المتاريس لأسابيع، ما يجعل المرور صعبا إن لم نقل مستحيلا؟!
ما جدوى إرسال البوليس لهذه التقاطعات لتنظيم المرور، والحال أن البوليس لا حول ولا قوة له ولا سلطة له على صاحب المشروع، ويرى بأم عينيه أن الملتقى الطرقي تعرض للتخريب على يد الشركة منذ أسابيع دون إكمال العمل، وبأن الطاقة الاستيعابية للمدار لا تتحمل ذاك الصبيب الهائل والمتدفق من السيارات؟!
لا يعقل أن ينجز نفق بالرباط في ظرف 45 يوما بينما إصلاح "رومبوان" أو شارع بالبيضاء، يتطلب "قرونا"!!
لا يعقل أن يتم الاستمرار في السكوت عن الإجرام المرتكب في حق الدار البيضاء. فإما أن يخرج المسؤولون المنتخبون والترابيون والتكنوقراطيون من مكاتبهم للوقوف على معاناة المواطنين أو تجريد اختصاص تدبير الدار البيضاء من يد المنتخبين ومن الداخلية ومن شركات التنمية المحلية، وتكليف الجيش بتدبير شؤونها، في انتظار أن تنضج الظروف وتتوفر للعاصمة الاقتصادية على نخبة سياسية تعي حجم الرهانات المطروحة وتعرف ما معنى تدبير ورش!!
كنت وما زلت من الداعين لتكليف فرق الهندسة العسكرية بتولي أمور مشاريع البنية التحتية المهيكلة لتراب الدار البيضاء، لما تتميز به هذه الفرق العسكرية من كفاءة وانضباط واحترام للآجال الزمنية، هذا دون الحديث عن كون فرق الهندسة العسكرية لا تعرف إلا ولاء واحدا: وهو الولاء للمغرب فقط. (والإنجازات التي نفذتها هذه الفرق شاهدة على ذلك).
فمثلما سنت الدولة قانونا يسمح للوزارات بإسناد تتبع صفقات الوزارات والسفارات لوزارة التجهيز، ما المانع من سن قانون يجبر إسناد الصفقات التقنية الكبرى بالبيضاء للجيش سعيا للفعالية وضمانا للدقة في الإنجاز والسرعة في التنفيذ والاقتصاد في المال والوقت؟!
لقد حان الوقت للتعامل مع الدار البيضاء بمثل ما نتعامل مع الصحراء: ففي الصحراء بنت الفرق الهندسية العسكرية جدارا أمنيا لإحباط مخططات العدو الجزائري، والبيضاء في حاجة هي الأخرى، إلى جدار لصد الفشل والفساد و"التجرجير" والاستخفاف بعذابات المواطنين حماية للاستقرار والسلم الاجتماعيين!!