كل يوم تعرف المدن المغربية ما يقرب من 50 مظاهرة احتجاجية، تعلق الأمر بالمطالبة بتوفير النقل أو الماء الشروب أو المستوصف أو الاحتجاج على تردي ظروف التعليم أو ضد قرار حكومي استهدف فئة اجتماعية وإدارية معينة.
المثير في هذه السلوك الاحتجاجي أن معظم المسؤولين على التعبئة المجتمعية في صفوف الأحياء أو القطاعات المتضررة هم أناس ينتمون إلى العائلة اليسارية. وهنا مربط الفرس؛ إذ في الوقت الذي نجد اليساريين حاضرين بقوة في المجال المدني وفي مجال التعبئة الاحتجاجية نرى حضورهم جد باهت على مستوى المؤسسات الدستورية المنوط بها تقعيد السياسات العمومية وطنيا وجهويا وتفعيلها على أرض الواقع، علما أن السياسي هوالمسؤول على تصريف آمال المواطنين وتطلعاتهم في قرارات وتدابير عمومية.
فعلى امتداد الولايات التشريعية الماضية لم يكن يظهر في الرادار إلا سياسيو الأصولية الدينية أوالأصولية النيوليبرالية وهم (أي الأصوليون لوجهي العملة) سلالة من المسؤولين الذين لايضعون مصلحة البلاد والعباد في سلم الأولويات. فالأصوليون الدينيون يقولون لك: مهمتنا الأولى والوجودية هي أن نخرج المغاربة من الجاهلية ! ومن بعد «نشوفو آش خاص للبلاد». بمعنى أن سياستهم تقوم على استغلال مواقعهم ( برلمانية كانت أو حكومية أوجهوية أو جماعية) للتسلل إلى كل درب وكل دوار، وكل إدارة لزرع الخلايا النشيطة منها والنائمة لـ «الدعوة للدين كما يراه منظرو الحركة الأصولية بشقيها الإخواني والوهابي»، وليس الاحتكام للدستور الذي نص على وجوب تمتيع المغربي بالحق في الشغل والتعليم والصحة والحق في الحياة الكريمة. أو الاحتكام للبرنامج الحكومي الذي تعاقد المسؤولون مع الشعب على الوفاء به خلال ولاية حكومية معينة.
أما سياسيو الأصولية النيوليبرالية فإنهم يقولون لك: «الوقت الآن ليس وقت نماء وإسعاد المغاربة، بل هو وقت «باك صاحبي» لشفط خيرات المغرب وتقطيعه بمنشار بين اللوبيات». وبالتالي فمصالح المغرب والمغاربة لا ينتظر أن تدرج في أجندة هؤلاء.
وفي كلتا الحالتين يتجدد شقاء المغاربة مع كل ولاية حكومية وتتجدد معها الاحتجاجات والتشكي من ضنك العيش(تعليم ردئ، عرض صحي بئيس، بطالة سرطانية، انكماش اقتصادي رهيب، جامعات منخورة، قدرة شرائية في الحضيض، إدارة منخورة بالفساد والبيروقراطية....).
اليوم وقد وضعت انتخابات 2021 أوزارها وفازت الأحزاب الثلاثية بأغلبية مريحة بالبرلمان والجماعات، يبقى الأمل في أن يدب الوعي لدى النخب التقدمية واليسارية على تسطير خطة تروم استعادة الحقائب البرلمانية والحكومية في أفق انتخابات 2026، خاصة ونحن نعيش زمن ما بعد كورونا (التي أتت على الأخضر واليابس)، وما نتج عنها من إكثار سواد العاطلين والمهمشين. وهو رهان يتطلب من عائلة التقدميين التصالح مع المجتمع لتحفيز الناخبين على المشاركة، ليس لممارسة حق من الحقوق الدستورية في إطار التدافع المدني بين الفرقاء السياسيين فقط، بل لأن المشاركة المكثفة تسمح للشعب بأن يتحمل كلفة اختياراته. أقصد الاختيارات المرتقب أن تتخذها حكومة ما أيا كانت هذه الاختيارات. لأن الأغلبية الكاسحة من الناخبين شاركت في الاقتراع وعبرت داخل المعزل عن قناعتها لفائدة هذا التيار السياسي أو ذاك ولو بالملغاة. وبالتالي تقل الاحتجاجات، وحتى إن تمت فستكون احتجاجات معقلنة مبنية على خرق التعاقد المبني على البرنامج الحكومي ومبنية على أحقية المواطن في المحاسبة لأنه شارك في العملية الانتخابية.
لست من الحالمين بموجة تقدمية ويسارية كاسحة بالبرلمان المقبل في انتخابات 2026 نتيجة تحالف الأصوليتين ضد التنوير وضد تحرر المغاربة، ولكن بالإصرار وبواقعية النخب التقدمية وتعبئة الناخبين المقتنعين بالفكر وبالقيم الكونية يمكن لليسار أن يضمن موطئ قدم بمقاعد جد وازنة بالبرلمان لفضح وتشويه الحاكمين إن هم أجرموا في حق المغرب والمغاربة، وليكون اليسار ضمير المغاربة، لتحريرهم من قبضة تجار الدين وتجار المال.
لنتذكر فقط، أن من فضح تازمامارت في سنوات الرصاص، كان نائبا يساريا واحدا، وسط جيش من برلمانييي الشكارة والبزولة والأصولية. إنه الأستاذ بنسعيد أيت إيدر.