السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

مدرسة شِيخَاتْ وَشْيُوخْ فن العيطة قدمت دروسا وحكما للناس في أمور الدين والدنيا

مدرسة شِيخَاتْ وَشْيُوخْ فن العيطة قدمت دروسا وحكما للناس في أمور الدين والدنيا الأستاذ عبد الرحيم شراد مع مجموعة شيوخ وشيخات أولاد بنعكيدة

ربما عن قصد يتجاهل ويتغافل فقهاء "اَلْبُوزْ"، أن بعض "الطَّلْبَةْ" من فقهاء مساجد تلقين وحفظ القرآن الكريم في البادية المغربية، وحتى في بعض المدن، كانوا فنانين في الغناء وحفظ العيطة عن ظهر قلب.

لقد كان العديد من الفقهاء يتميزون بأصواتهم الرخيمة، ويجيدون العزف على آلة لوتار وضبط الإيقاع، وخاصة في مجال عبدة وأسفي. (الثنائي "خُمَّارِي ولَبْيَضْ" والفقيه الشيخ اَلْكَمَنْجِي الرحماني الملقب بـ "الطَّالَبْ لَحْمَرْ".....). و كان الفقهاء يحملون آلتهم الوترية تحت جلبابهم بعد الإنتهاء من تلاوة القرآن الكريم لمباشرة افتتاح حفل الغناء بنفس مكان الحفل أو المناسبة العائلية التي ساهموا فيها في لحظة خشوع ديني.

ويحكي الشيخ السي محمد رئيس مجموعة خُوتْ لَعْلَامْ العازف على آلة لوتار، في لقاء سابق مع جريدة "أنفاس بريس" أنه تعلم العزف في بداية طفولته على يد عمه الفقيه/طَالَبْ بِجامَعْ الدّوار، حيث كانت دروس تعليم العزف تنطلق ليلا بفضاء "لَمْسِيَّدْ" بعد مغادرة جميع الأطفال للجّامع وتصفيف لوحاتهم على الحصير، فيقفل الفقيه الباب ويخرج آلته الوترية.

بهذا التقديم نعزز ونثمن منشور الأستاذ عبد الرحيم شراد الذي يأتي ردا على السجال الذي افتعله فقيه "اَلْبُوزْ" ياسين العمري.

 

لقد عاد السجال الدائر حول "اَلشِّيخَةْ و اَلشِّيخْ" بذاكرتي إلى البدايات الأولى لمجموعة الإخوان بن عكيدة سنة 1972، حيث سجل الشيوخ بوشعيب بنعكيدة، وميلود بنعكيدة و بوجمعة بنعكيدة على أسطوانة من 45 لفة أغنية تحت عنوان " الطَّالَبْ لَمْزَوَّر" .

 

أغنية "اَلطَّالَبْ لَمْزَوَّرْ" تطرق فيها أولاد بن عكيدة لوضعية المساجد في العالم القروي. وهو موضوع لم يتناوله أي واحد لا من قبل، ولا من بعد، فقد كانت هذه الأغنية محملة بالإشارات القوية للمسؤولين من أجل الإلتفات لوضعية المساجد بالبادية.

 

تقول المجموعة في الأغنية: "ملِّي اَلجَّامَعْ يَخْوَا. يْرَدُّوهْ اَلدْرَارِي قَهْوَةْ"، طبعا، إنهم يستنكرون الوضعية التي آلت إليها بعض المساجد في تلك الفترة والتي أدت بها إلى الإغلاق: "الجَّامَعْ بْقَى مَسْدُودْ. مَنْ الْقُرْآنْ بْقَى مَفْقُودْ".

 أسوق هنا هذا المثال حتى أبين أن الشأن الديني كان هاجسا حاضرا بالنسبة للمطربين الشعبيين وأن العديد من العيوط وردت فيها إشارات واضحة للعديد من الأمور الدينية .

 

ففي عيطة اَلشَّالِينِي نجد مثلا : "رَافَعْ السْمَا بْلَا عِمَادْ. شَفِيعْ لَعْبَادْ". وفي عيطة أخرى "الله الله وَيْلَا قُلْتْ الله مَا بْقَى ذَنْبْ عْلِيَّا " . قد يطول بي المقام في تعداد الأمثلة التي تطرقت فيها العيطة لكل أمور العبادة مع تنويع مستويات الخطاب فمرة بالموعظة الحسنة "نُوضُو نْصَلِّيوْ لَفْجَرْ. فِي جَامَعْ مُولَايْ اعْمَرْ". ومرة بالوعيد مثل قول: "يَا اَلْوَاكْلِينْ رَمْضَانْ وَا كِيفْ تَدِّيرُو. جَهَنَّمْ حَارَّةْ صْعِيبَةْ".

 

كما نجد مفهوم التوكل حاضرا في رسائل شيوخ وشيخات العيطة (مثال): "وُ الله مَا نْخَمَّمْ وَ أَنَا رَزْقِي ضَامْنُوا رَبِّي". و كذلك تفويض الأمر إلى الله سبحانه و تعالى حينما يقول شاعر الغناء الشعبي: "أَنَا فِي حْكَامْ اَلْمُولَى هُوَ يْدِيرْ لِي تَاوِيلْ".

إن الأدلة على وجود هذا الخطاب الديني كثيرة امتدت حتى للدعوة إلى الجهاد ضد المستعمر (نموذج): "دَقِّيتْ فِي اَلْحَيْطْ. وَاشْ مَا سْمَعْتِي عَيْطْ. عْيِيتْ عْلِيكْ نْعَيَّطْ. وَاشْ أَنْتَ مِيَّتْ. نُوضْ تْجَاهَدْ. يَا اَلِّلي أَنْتَ رَاﯕَدْ".

 

إن هذا الجهاد كان مرتبطا منذ البداية بالدين الإسلامي تحت لواء راية واحدة، لذلك قال الشاعر/الناظم: "خُوتْنَا يَا الإسْلَامْ. هَزُّوا بِينَا لَعْلَامْ. زِيدُوا بِينَا الْـﯕُدَّامْ. إِلَا خْيَابَتْ دَابَا تَزْيَانْ. عيط الله تصيب الله".

 

قبل أن أختم هذا الكلام يجدر بي من باب رد الإعتبار أن أشير إلى فنان شعبي أصيل أفرد أغلب قصائده للموعظة الدينية  تعليم الصلاة و بقية الفرائض مع الإشارة لقصص الأنبياء و هو المطرب عبد الكريم الفيلالي رحمة الله عليه.