Monday 14 July 2025
كتاب الرأي

علي بوزردة: المغرب 2050.. الشيخوخة في الزاوية المظلمة؟

علي بوزردة: المغرب 2050.. الشيخوخة في الزاوية المظلمة؟ علي بوزردة
يرى دبلوماسي أوروبي مقيم بالرباط أنه “في غضون عشر سنوات تقريبًا، سيتعين على المغرب أن يواجه، كما فعلت إسبانيا من قبل، الإشكالية المعقدة للشيخوخة”. ويعتقد أنه من الضروري الشروع منذ الآن في التفكير وتخطيط “حلول مناسبة”.
 
وفي هذا السياق، من المنتظر أن تحتضن القارّة الإفريقية أكثر من مليار شاب بحلول سنة 2050. لكن، بينما ستهتز معظم أرجاء القارة بحيوية ديمغرافية استثنائية، فإن المغرب، الذي سيبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة، قد يدخل في منطقة رمادية. ليس بسبب حادث، وإنما بسبب “الجمود”، حسب توقعات هذا الدبلوماسي المخضرم.
 
وقد دقت المندوبية السامية للتخطيط ناقوس الخطر، وهي مؤسسة رسمية،موضحة الى أن معدل الخصوبة في المغرب قد انخفض إلى 1.97 طفل لكل امرأة سنة 2024، وهو رقم أدنى بكثير من عتبة تجديد الأجيال (2.1). وفي مدن كبرى مثل الدار البيضاء والرباط، قد ينخفض المعدل أحيانًا إلى أقل من 1.7.
 
بالمقابل، بلغت نسبة من تزيد أعمارهم عن 60 عامًا 13.8% من السكان، أي ما يعادل حوالي 5 ملايين مغربي. وتشير التوقعات الرسمية إلى أن عددهم سيتجاوز 10 ملايين بحلول سنة 2050، مشكلين ما يقارب ربع السكان.
نحن نشيخ – وبسرعة – وفي ظل لا مبالاة شبه عامة…
 
قنبلة اجتماعية موقوتة
«في اليوم الذي سنفتح فيه أول دار للعجزة في المغرب، سيكون مجتمعنا في طور الانقراض»، هكذا أجاب الملك الحسن الثاني وزيره مولاي أحمد العلوي، عندما اقترح عليه تدشين مؤسسة لإيواء المسنين بإحدى المدن الجنوبية التي كان يقوم بزيارتها أنذاك.
 
تُروى هذه المقولة على نطاق واسع باعتبارها تعود إلى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وهي فترة كانت فيها روح التضامن العائلي تُعتبر حجر الأساس في المجتمع المغربي. حينها، لم تكن وتيرة التمدن قد مست البنية النووية للأسرة المغربية، وكان من غير المقبول وضع أحد كبار السن في مؤسسة للرعاية. في تلكم المرحلة التاريخية، كانت مثل هذه المؤسسات نادرة الوجود.
 
وتجدر الإشارة إلى أن الفكرة الكامنة كانت واضحة: إنشاء دور للمسنين هو، وفقًا للملك الحسن الثاني، تخلي عن القيم التقليدية المغربية وانفصال عن نموذج الرعاية بين الأجيال.
 
لكن الزمن تغيّر
بعد نحو نصف قرن، تغيّر المغرب كثيرًا، ولا يزال يتغيّر بوتيرة متسارعة.
أمام التحولات الديمغرافية والاجتماعية، يتجه المغرب تدريجياً نحو تقبّل البعض "فكرة" دور الرعاية للمسنين، وإن كانت مقولة الملك لا تزال راسخة ثقافيًا في مختلف مكونات المجتمع المغربي.
 
النموذج التقليدي الذي كانت فيه الأسرة تتكفل بمسنيها لم يعد كافيًا. فالتمدن، والهجرة، ودخول المرأة سوق الشغل، والعزلة المتزايدة لكبار السن… كلها عوامل تُضعف هذا النموذج. غير أن المغرب لا يتوفر حتى اليوم على سياسة وطنية مستقبلية تُعنى بالشيخوخة، لا من حيث البنية التحتية الطبية، ولا الخدمات القريبة من المواطن، ولا حتى الدعم النفسي.
 
أما صناديق التقاعد، فهي تعاني أصلًا من العجز (وخاصة CMR وRCAR)، وقد تنهار إذا لم يتم تنفيذ إصلاحات هيكلية عاجلة… أما النظام الصحي، فلا يزال متمحورًا حول علاج الأمراض الحادة، في حين أن الشيخوخة تؤدي إلى انفجار في الأمراض المزمنة (كالسكري، والسكتات الدماغية، والزهايمر، والسرطان)، وهي أمراض تتطلب رعاية طويلة ومكلفة مادياً باستمرار.
 
التجربة الإسبانية: نموذج يُحتذى أم ناقوس خطر؟
تُعد تجربة الجار الشمالي إسبانيا تجربة جديرة بالتأمل. فمع معدل خصوبة لا يتعدى 1.2، وسكان يشيخون بسرعة، ومناطق قروية مهجورة، تمر البلاد بأزمة ديموغرافية عميقة. وقد اضطرت إلى تأخير سن التقاعد، وإصلاح نظام المعاشات، والاستثمار بشكل كبير في رعاية المسنين، مع محاولات (غالبًا غير ناجحة) لتحفيز الولادات.
 
لكن إسبانيا تمتلك هامشًا ماليًا، ومؤسسات قوية، ونظامًا للحماية الاجتماعية متكاملًا. أما المغرب، فلا يملك لا ترف الوقت، ولا وفرة الموارد. ومن ثم، فإنه معرض لخطر مواجهة نفس الأزمة الديموغرافية… دون الأدوات اللازمة لمواجهتها.
 
تشير المندوبية السامية للتخطيط إلى أن نافذة “العائد الديموغرافي” – وهي المرحلة التي تشكل فيها الساكنة النشيطة أغلبية ساحقة – ستُغلق ما بين 2038 و2040. وهذا يعني أن الوقت للعمل هو الآن. ليس في 2040، ولا حين تصبح الأمور خارج السيطرة، بل الآن وليس غداً.
 
ما  العمل ؟
وضع سياسة أسرية طموحة (دعم الوالدين، توفير السكن اللائق، التوفيق بين العمل والحياة العائلية)
إصلاح عاجل ومنصف لأنظمة التقاعد
إطلاق إستراتيجية وطنية لرعاية الأشخاص في وضعية اعتماد
تطوير “اقتصاد الشيخوخة”: تكوين عدد كبير من الممرضين والأطباء، خلق فرص عمل في مجال الرعاية والخدمات الإجتماعية، ثم تعزيز الشيخوخة النشطة
والأهم من كل ذلك: إحداث تحول ثقافي عميق، حيث يجب أن يُنظر إلى الشيخوخة ليس كمرحلة انحدار، بل كمرحلة كريمة، مفيدة، ومندمجة في الحياة
فالشيخوخة ليست عقوبة، وليست مأساة في حد ذاتها. إنها ثمرة تقدم معين: كارتفاع متوسط العمر، وتعليم النساء، وتراجع وفيات الأطفال. لكن إذا لم نحسن الاستعداد لها، فستتحول إلى أزمة اجتماعية.
المغرب في 2050 يُبنى منذ اليوم. وما سنقوم به – أو نتغاضى عنه – خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة سيحدد ما إذا كان كبارنا سيعيشون بكرامة… أم في طي النسيان.
لكن في الوقت الحالي، يبدو أن حكومة أخنوش منشغلة كليًا بالتحضير لمونديال 2030 والضجيج الإعلامي المصاحب له.
أما الباقي… فيبدو أنه مؤجل إلى إشعار آخر
 
عن موقع "Article 10"