الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

هاكنسبيرغر: كيف نجحت الحكومة الألمانية الجديدة في تذويب جليد الخلاف مع المغرب

هاكنسبيرغر: كيف نجحت الحكومة الألمانية الجديدة في تذويب جليد الخلاف مع المغرب ألفريد هاكنسبيرغر

نشرت صحيفة دي فيلت الألمانية الواسعة الانتشار، مقالا تحليليا عن تطورات الأوضاع بين برلين والرباط. إذ نضع هنا هذه الترجمة لمراسلها المختص في الشؤون المغاربية والعربية ألفريد هاكنسبيرغر، فإننا نسعى إلى تنوير الرأي العام عما يعتمل داخل المشهد الإعلامي الألماني منذ التحول البناء في موقف برلين من قضية وحدتنا التربية.

ترجمة: محمد مسعاد

 

 

حققت الحكومة الألمانية أولى نجاحاتها في السياسة الخارجية. فالمغرب بالنسبة لألمانيا دولة رئيسية فيما يخص سياسة الطاقة والهجرة. والآن نجحت أنالينا بيربوك بسهولة فيما فشل فيه سلفها.

وضع تسبب في ارتياح لدى أندرياس فِينْتْسَلالأمين العام لغرفة التجارة الألمانية في الرباط، حيث قال: "يبدو أن فترة الجمود بين الجمهورية الألمانية والمملكة المغربية انتهى أخيرًا". وأضاف قائلا: "الآن أصبحت آفاق المستقبل مرة أخرى ايجابية، ففي النهاية، لدى كلا البلدين الكثير لتقديمه للآخر".فبالإضافة إلى المنتجات الزراعية، يقوم المغرب الآن بشكل متزايد بتصدير السلع الصناعية إلى ألمانيا. والاقتصاد الألماني بدوره مستثمر مهم في المملكة. ففي مقابلة مع صحيفة دي فيلت، قال فِينْتْسَل أن أوجه التآزر كبيرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتحول الطاقي وتغير المناخ، وأن المغرب شريك رئيسي في تطوير الهيدروجين الأخضر".

إذ يحتضن جنوب المملكة أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، والتي ينتظر توسيعها لتشمل مصنعًا لإنتاج الهيدروجين بتمويل ألماني. غير أن الجمود في العلاقات بين البلدين بدأ في ماي الماضي، عندما قطع المغرب العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا. وكان بيان للرباط قد عزا ذلك إلى "تزايد الأعمال العدائية التي تتعارض تماما مع مصالح المملكة". أما الحكومة الألمانية السابقة فظهرت حائرة ولم تتخذ أي خطوات جادة لحل النزاع. فالمغرب ليس فقط شريكًا تجاريًا مهمًا بشكل متزايد، فهو حامي الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي من المهاجرين من إفريقيا، كما أنه أيضًا حليف موثوق به في الحرب ضد الإرهاب. وقد أثبتت الحكومة الألمانية الجديدة مدى سهولة التعامل مع الأزمة مع الدولة المغاربية. إذ بعد أربعة أيام فقط من توليها لمهامها، تمكنت بشكل مفاجئ من تنشيط العلاقات الألمانية المغربية وتوجيهها في اتجاه إيجابي جديد بإعلان موجز وعملي.

ففي موقعها المحين على الانترنت، كتبت وزارة الخارجية أن "المملكة المغربية شريك رئيسي للاتحاد الأوروبي وألمانيا في شمال إفريقيا"، مما يضمن "الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة". ولأول مرة، تم الاعتراف بخطة المغرب للحكم الذاتي على "الصحراء الغربية" على أنه "مساهمة مهمة للوصول إلى اتفاق" في الصراع على المنطقة الصحراوية، دون التشكيك في الدور القيادي للأمم المتحدة.لقد كان وضع "الصحراء الغربية" بموجب القانون الدولي مثيرًا للجدل لأكثر من أربعة عقود. ويعتبر المغرب مساحة 266 ألف كيلومتر مربع، التي ضمها عام 1975 بعد الحقبة الاستعمارية الإسبانية، جزءًا لا يتجزأ من أراضيه. فيما تطالب البوليزاريو المدعومة من الجزائر بإقامة دولتها الخاصة بها.لحد الآن، باءت بالفشل جميع محاولات الأمم المتحدة للوساطة بين الأطراف المتحاربة. وكانت الحكومة الألمانية السابقة قد ألقت باللوم على المغرب وحده في فشل المفاوضات، آخرها كان في جلسة خاصة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ديسمبر 2020.احتل التحيين الإلكتروني لوزارة الخارجية صدارة الأخبار في وسائل الإعلام المغربية. كما أشادت حكومة الرباط بالموقف البناء الجديد لبرلين، والذي سيمكن من " تنشيط التعاون الثنائي وتطبيع البعثات الدبلوماسية". فما عجزت الحكومة الألمانية السابقة عن تحقيقه خلال سبعة أشهر طويلة، أنجزته وزارة الخارجية، تحت القيادة الجديدة لأنالينا بيربوك، بنقرة لوحة مفاتيح.

ولأول مرة، تتحدث ألمانيا عن إقامة علاقة على قدم المساواة مع الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، تمامًا كما يدعو وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة منذ سنوات: "المغرب يسعى لشراكة متساوية وجديرة بالثقة"إنها "خطوة إيجابية للغاية" تقول صرية موقيت الرئيسة الشرفية لشبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا. وتضيف "أعتقد أنه من المهم للغاية بناء شراكة قوية بين الشمال والجنوب مع الاحترام المتبادل". "إذ لا تؤخذ الدول الكبيرة وألمانيا من بينها المملكة على محمل الجد، ولا زالت تنظر إليه على أنه مغرب الستينات والسبعينات، فبالنسبة لألمانيا، باعتبارها أكبر اقتصاد أوروبي، فهي فرصة للعمل مع المغرب الذي هو بمثابة البوابة نحو إفريقيا، وهي واحدة من أهم الأسواق العالمية بأكثر من مليار شخص".

لم يكن تغيير الاتجاه الألماني في العلاقات مع الدولة المغاربية أمرا اختياريا فقط، بل كان للمغرب سياسة خارجية هجومية للغاية خلال العام الماضي. إذ قطع العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا مجرد واحدة من الأدوات التي شددت بها الرباط على سياستها الجديدة في القوة "كلاعب إقليمي".

وفي هذا السياق، انتقد المغرب بفظاظة الجارة إسبانيا المجاورة عندما سمحت لزعيم جبهة البوليساريو بدخول البلاد. وكدليل على قوتها، فتحت المملكة بشكل غير رسمي الحدود مع سبتة في منتصف مايو، حيث تمكن 9000 مغربي من دخول الجيب الإسباني الواقع على الساحل المغربي دون عوائق خلال يومين فقط. وهو الحادث الذي سلط الضوء على مدى اعتماد إسبانيا والاتحاد الأوروبي بأسره على حامي حدودهما الخارجية.

شعرت الدولة المغاربية بمزيد من القوة منذ اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على "الصحراء الغربية" قبل عام، مقابل إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وأصبحت المملكة بذلك رابع دولة عربية بموجب "اتفاق إبراهام" الذي رعاه دونالد ترامب. وفي الأثناء تعتبر الدولة العبرية الآن حليفًا وثيقًا للمغرب، حيث يصدر طائرات مقاتلة بدون طيار وأنظمة دفاع جوي إلى الرباط. فعن طريق دعم الولايات المتحدة وإسرائيل، تسعى المملكة أخيرًا لإغلاق ملفات "الصحراء الغربية" لصالحها. ومن يتدخل في هذا الأمر، يواجه المغرب بجرأة مثلما شعرت به إسبانيا وألمانيا.

لا يستطيع تحمل تكاليف فقدان المغرب كشريك. لذا عليه أن يكون مستعدا لتقديم تنازلات فيما يتعلق بـ "الصحراء الغربية" أيضًا. كما أنه بإمكان مئات الآلاف من المهاجرين استخدام الدولة الواقعة في شمال إفريقيا كطريق عبور نحو أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، فإن المعلومات الواردة من المخابرات المغربية تمنع بشكل متكرر وقوع هجمات إرهابية في عواصم أوروبا. وربما كانت السلطات الألمانية ستنجح في منع الهجوم على سوق عيد الميلاد ببرلين في ديسمبر 2016، لو أرسلت الهيئة الألمانية للشرطة الجنائية المعلومات المهمة التي توصلت بها من المغرب حول الجاني في الوقت المناسب.

مع التقدير الألماني لخطة الحكم الذاتي المغربية "للصحراء الغربية"، تقترب المملكة خطوة كبيرة من هدفها. إذ يتوقع أن تصبح مرة أخرى المنطقة الصحراوية على طول ساحل المحيط الأطلسي، الغنية بالفوسفات والثروات السمكية، رسميًا جزءًا من المغرب، كما كانت قبل بداية الحقبة الاستعمارية.

فالموقف الواضح لألمانيا يمكن أن يسفر عنه "تأثير الدومينو داخل أوروبا، بحيث تنضم إلى ذلك دول أخرى"، بحسب المحامي عزالدين قريوح المقيم في مدينة إيسن. وكان قريوح قد نشر كتابا عن المنطقة المتنازع عنها، ويقول فيه إن حل الحكم الذاتي سيكون نعمة على "الصحراء الغربية". فالمنطقة سُتمنح بالحكم الذاتي وضعًا خاصًا لتنظيم الحقوق الثقافية والإدارية بشكل مستقل، كما يشرح المحامي والمؤلف. ويضيف أن "منطقة جنوب تيرول هي خير نموذج على مثل هذا الحكم الذاتي." و"اليوم هي المنطقة الأكثر نجاحًا اقتصاديًا في إيطاليا."