Wednesday 18 June 2025
كتاب الرأي

عبد الواحد غيات: هل يندم الغرب على العولمة؟ حين يشكّ الغرب في صنيعه.. مراجعة مؤلمة للعولمة

عبد الواحد غيات: هل يندم الغرب على العولمة؟ حين يشكّ الغرب في صنيعه.. مراجعة مؤلمة للعولمة عبد الواحد غيات

لم يكن أحد يتوقع أن تصل لحظة يسأل فيها الغرب نفسه: هل كنا على صواب؟
ثلاثة عقود من الانفتاح المطلق، والترويج لأفكار السوق الحر، والتعددية، وحرية تدفق المعلومات، تُراجع اليوم بصمت ثقيل في مراكز صنع القرار بالعواصم الغربية. فالعولمة، التي رُسمت على أنها التاج الذهبي لانتصار الغرب، تحولت إلى كابوس يهدد موقعه، وأمنه، وحتى قيمه الداخلية.

في هذا المقال التحليلي، نستعرض ملامح هذا التحول، ونرصد كيف انتقل الخطاب الغربي من التبشير بالعولمة إلى التوجّس منها، وربما إلى ندمٍ صامت يتجلّى في القوانين والسياسات، لا في الكلمات.

فهل يكتب الغرب، اليوم، أول سطور انسحابه من العالم الذي شكّله على صورته؟

منذ نهاية الحرب الباردة، قاد الغرب مشروع العولمة بثقة مطلقة، باعتباره الامتداد الطبيعي لانتصاره الأيديولوجي والتكنولوجي. وُعد العالم بأن العولمة ستكون الطريق إلى الازدهار، الحرية، والحداثة، ولكن بعد أكثر من ثلاثة عقود، بدأت نغمة جديدة تُسمع في العواصم الغربية: شك، حذر، وربما ندم خفي.

فهل يندم الغرب على العولمة التي صنعها بنفسه؟

حين انقلب السحر على الساحر

كانت العولمة، في جوهرها، أداة للهيمنة الناعمة: توسيع الأسواق، نشر الثقافة الغربية، وتثبيت النظام الليبرالي باعتباره الشكل «النهائي» للحكم. هذا ما بشّر به فرانسيس فوكوياما في كتابه الشهير نهاية التاريخ والإنسان الأخير. لكن المفارقة أن هذه العولمة نفسها أصبحت اليوم مصدر قلق للغرب، بل تهديدًا له.

فالصين التي فُتحت لها أبواب منظمة التجارة العالمية، أصبحت أكبر منافس اقتصادي لأمريكا، ومرشحة لتصدر الاقتصاد العالمي. أما المنصات الرقمية، فقد تحولت من أدوات غربية للهيمنة إلى ساحات تفلت من السيطرة، خصوصًا مع صعود تطبيقات مثل "تيك توك" التي تخرج عن المدار الأمريكي.

الوجه الآخر للحرية

من المفارقات أن الغرب الذي نادى بحرية تدفق المعلومات، وجد نفسه مضطرًا إلى تقييدها عندما مست مصالحه. فالاحتجاجات الطلابية ضد العدوان على غزة في جامعات عريقة مثل هارفارد وكولومبيا قوبلت بعنف رسمي غير مسبوق، واعتُبر مجرد التعاطف مع الضحايا خروجًا عن «الإجماع الغربي وهكذا، بدا أن حرية التعبير نفسها لم تعد مقدسة عندما تصطدم بـ"مصالح المعبد".

ارتداد نحو الداخل

أمام هذا الارتباك، بدأت بوادر تحول لافتة. هناك من يدعو إلى الانكفاء على الذات، وإعادة بناء التحالفات المغلقة، كما يظهر في تقارب دول "إيكواس" الأنجلوساكسونية (الولايات المتحدة، بريطانيا، أستراليا، وربما كندا). وهناك من يذهب أبعد من ذلك، نحو تبني خطاب قومي متطرف أو حتى شبه نازي، خاصة في البلدان ذات الإرث الجرماني.

إذًا، هل يندم الغرب فعلاً؟

الندم هنا ليس اعترافًا بالخطأ بقدر ما هو إحساس بأن الأدوات التي صنعت مجده قد تصبح مدخلًا لأفوله. لم يعد الغرب يرى في العولمة مشروعًا آمنًا، بل ساحة مفتوحة تهدد استقراره الداخلي ونفوذه الخارجي.فبدلًا من الترويج للعولمة، بات يعمل على إعادة تشكيلها بشروطه، أو تقنينها بما يخدم مصالحه حصريًا.

العولمة لم تنتهِ، لكنها تغيرت. والغرب لم يتخلّ عنها، لكنه لم يعد يثق بها كما كان. نحن نعيش لحظة تحوّل، قد تعيد تشكيل العلاقات الدولية، وأنماط الاقتصاد، ومفاهيم السيادة. أما السؤال عن الندم، فالإجابة عليه ليست في التصريحات، بل في الأفعال: قوانين المنع، الجدران الجديدة، والخطابات القديمة التي تعود بقوة.

ذ. عبدالواحد غيات /باحث في العلاقات الدولية