الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الوهاب الدبيش: بين مغرب التقاليد، ومن هو بالجزائر مجتث من جذوره!

عبد الوهاب الدبيش: بين مغرب التقاليد، ومن هو بالجزائر مجتث من جذوره! عبد الوهاب الدبيش

أخيرا قدر لي أن أشاهد فيديو يلخص كيف أن الحاكمين في الجارة الشرقية لن يغيروا موقفهم من العداء المجاني للمغرب والمغاربة؛ لا غدا ولا في السنوات القادمة ولا في القرون المقبلة!!

 

في هذا الفيديو الموضب بطريقة جيدة وبمجهود مشكور ممن أنتجه وأخرجه يخطب المقبور بوخروبة في شعبه سنوات الطفرة النفطية في سبعينيات القرن الماضي؛ ويصول ويجول مع كل الفاشلين أمثاله ليؤكد عزمه وعزم جيشه الذي لا يقهر إنقاذ الشعب المغربي من عبودية ما يسميه تقبيل اليد التي تميز العلاقة بين الملك وشعبه بالمغرب؛ ويتابع بأن بلاده بلاد ديمقراطية وغيرها استبداد وانحطاط وتخلف!!؟

 

الذي لم يكن يعرفه بوخروبة، وهو المجتث من أصوله ولا يعرف له جذر يذكر به؛ أن المغاربة البسطاء الذين عاشوا طفولتهم في المساجد والمدارس كانوا يسلمون على بعضهم البعض بمصافحة تقبيل اليد التي تربوا عليها وهم يستقبلون في كل صباح أمهاتهم وآبائهم وأجدادهم وأهليهم وكبرائهم؛ أي أنهم كانوا يحافظون عبر هذا النوع من السلام وهذه التحية على سلوك تربوي عريق يؤسس لثقافة الاحترام، المنعدمة في بلاد لم يعرف لشعبها تقليد في مراعاة الأخلاق والطاعة والاحترام، في مجال العلاقات الإنسانية، وأبرزها علاقات الناس ببعضهم البعض.

 

كيف لأمة جزائرية عانت من استعمار تركي وفرنسي أن تفهم أن أسلوب الناس في تقبيل يد من تريد مصافحته هي عرف وتقليد موروث عن الأجداد، تماما مثلما يحتفل الناس بعوائدهم في الأزمنة، سواء كانت لها أبعاد معيشية أو دينية أو وطنية. ومن الصعب أيضا كذلك أن يفهم هؤلاء أن التشبث بالتقاليد صعب في مجتمع كانت فيه ثقافة الغالب غريبة وتقوم على احتقار الآخر مهما كانت ديانته!؟

 

أكيد أن جمعية علماء المسلمين بهذا البلد قد ناضلت من أجل إعادة إحياء الثقافة المحلية عبر أنشطتها؛ لكن المجتمع الغارق في ثقافة المستعمر لغويا واجتماعيا واستهلاكيا، لم يترك لهم فرصة ترسيخ مبادئ مشابهة...

 

كان هذا حال الإنسان المقهور الذي يعيش انفصاما في هويته الثقافية، وقد عشت هذه القضية حين كنت ادرس مادة الحضارة الإسلامية في الكلية التي اشتغلت فيها طيلة ثلاثين سنة، خصوصا بالدار البيضاء التي كانت تعيش نوعا من الانفصام الحضاري والثقافي سنوات السبعينات والثمانينات؛ وهذا في الواقع سهل ومهد لدخول الأفكار السلفية المشرقية إلى الفضاء المغربي المعروف تاريخيا بخصوصيته الحضارية المميزة له عن المشرق.

 

من ذلك مثلا على مستوى الجنائز غياب القراء لحزب طه على الميت في بيته قبل الذهاب به إلى مثواه الأخير، بل إن مساجد الدار البيضاء غيب فيها أئمة الإخوان في نفس الفترة عرف قراءة الحزب الراتب بالمساجد البيضاوية بعد صلاتي الصبح والمغرب، ولولا انتباه وزارة الأوقاف لهذا الخطأ الجسيم لاندثر هذا العرف الذي كان الفضل في ترسيخه للموحدين رحمهم الله.

 

كان مبرر من تشبعوا بثقافة سيد قطب المشرقي أن هذا العرف لم يعمل به النبي في حياته لكن القائلين بمثل هذه الآراء لم ينتبهوا إلى أن فكر الدولة الموحدة كان له أصل باعتبارها دولة أصولية ومتأصلة؛ ولم يكن نابعا من راي فقهي في علم الفروع.

 

هذا مثال سقته وأعتذر فيه لأهل الدار البيضاء الكرماء والفضلاء لكي أضرب به مثلا عما شاهدته في فيديو المقبور بوخروبة الذي كان يتبجح بديمقراطية الموز المفقود منطقا وبلاغة وكتابة واستعارة!!

 

لنخلص إلى الأسئلة المتعلقة بحكمة تعود ربما لفلسفة قديمة هي البقاء للأصلح والأصيل وللمتجذر في تربته. ألم يكن بوخروبة يعرف أن طفرة بلاده زمن غلاء النفط ستنتهي بالبلد في مستنقع حرب لا هوادة فيها عبر خلالها العسكر عن دموية غير مسبوقة!؟؟ ولولا أن تغافل المجتمع الدولي عن ذلك لغاية يعلمها من كان يدفع الرشوة لمن تغاضوا عن محاكمتهم في الجنايات الدولية.

 

مات المقبور وماتت أحلامه بإنقاذ المغاربة من وهم كان يفكر فيه ولم يبق غير الدولة المغربية بثقافتها وهويتها الحضارية المتجذرة في تربتها والمستمدة من السلوك الأخلاقي الذي تربى عليه شعبها منذ الممالك الأمازيغية، وتابع أجدادهم الحفاظ عليها بعد مجيء الإسلام؛ لكون ذلك توافق مع مكوناتهم ومع مبادئهم الأخلاقية وفلسفتهم في احترام الآخر، سواء كان أبا أو أما أو أخا أكبر أو مربيا أو فقيها أو شيخا وقورا أو سلطانا؛ هذه أخلاق المغاربة فهل لديكم أخلاق شبيهة بها؟