منذ هزيمة المنتخب المغربي أمام نظيره الجزائري بحصة كارثية (خمسة أهداف مقابل واحد) عام 1979، أقسمت برب موسى ودين محمد أن لا أتفرج مطلقا في مباريات كرة القدم أو أن أجعلها محور انشغالاتي الوجدانية أو النفسية.
ورغم أني كنت إذ ذاك يافعا بالسلك الثانوي بحي البرنوصي بالبيضاء، فإن سياق الهزيمة والتعبئة المجتمعية التي سبقت تلك المباراة هو الذي جعلني أكفر بالكرة وما يرتبط بها ، بالنظر إلى أن ظرفية "ماتش المغرب ضد الجزائر"، كان موسوما آنذاك بطعم البارود والقرطاس بسبب الحرب في الصحراء بين المغرب من جهة والجزائر والبوليزاريو من جهة ثانية. ومما زاد من حدة التعبئة أن العديد من أبناء حي البرنوصي كانوا ينتمون لأسر لها أفراد(أب،أخ) مجندون في سلك الجيش، وبالتالي كنا نتعامل مع المباراة- ونحن صغار- ليس كمقابلة كروية بل كنزال مع عدو. ولما انهزم المنتخب المغربي أصبنا بإحباط شديد، جعلني وأقراني نشهر الطلاق البائن مع "الجلدة". ليس هذا فحسب، بل انسحبت من فريق الرشاد البرنوصي رفقة زملاء لي، وغيرنا البوصلة نحو اهتمامات رياضية أخرى كل حسب اختياراته.
وإذ أعترف أن كل أقراني كانوا أوفياء للقسم الذي أديناه بعدم الاهتمام بكرة القدم، باستثناء الزميل محمد شروق(المكلف حاليا بقسم التواصل بعمالة المحمدية) الذي نقض الوعد و"ربى الكبدة على الجلدة"، فإن ذلك القسم لا يشمل سوى التفاعل وجدانيا مع هذه الرياضة، أما استحضارها كمعطى في الدراسة والمتابعة وتفاعل الجمهور مع "الجلدة" فإن ذلك لم يغب عن رادارنا ، خاصة بعد أن ولجت كلية الحقوق وما أتاحته لي الكلية من فضل يتجلى في اتساع زوايا معالجة ورصد الظواهر المجتمعية والرياضية والسياسية والاقتصادية.
لكن في السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة، وبحكم مهنتي كصحفي، لاحظت أن رصيد المغاربة من الفرح والبهجة مافتئ يتآكل إلى حد الانقراض، وبالمقابل اتسعت مساحة الاكتئاب واليأس والإحباط وجلد الذات: ربما بسبب تناسل القرارات الحكومية المجحفة التي ضربت القدرة الشرائية ونسفت المكاسب الاجتماعية وأوصدت المعامل ونفخت أعداد العاطلين وفرخت الفراشة والمتسولين وخفضت سقف أحلام الخريجين. ولم تعد هناك محطة أو مناسبة يفرح فيها المغاربة بشكل جماعي، وتحول المغاربة إلى ساندويتش بين مدرسة عيوش ومنصف بلخياط ومن في حكمهما من جهة، ومدرسة بنكيران والمغراوي ومن في حكمهما من جهة ثانية، لدرجة أصبح الترحم على عهد البصري قيمة متداولة، على الأقل في الجانب المتعلق باستغلال المناسبات الوطنية والدينية، حيث كانت تلك المناسبات تتحول إلى مضخة لإنتاج الفرح الجماعي بالعمالات والأقاليم مع ما يستتبع ذلك من رواج اقتصادي تضامني تستفيد منه بطريقة أو بأخرى الفرق الغنائية المحلية و المقاولات الصغرى، عكس ما يتم حاليا من "لهفة" واحتكار لكل شئء من طرف حفنة مقربة من مدفأة السلطة.(هذا ليس دفاعا عن البصري ، فموقفي معروف منه ومن سنوات الجمر( .
تراكم اليأس والاكتئاب الذي لمسته لدى شرائح واسعة جعلني أراقب كل السبل التي تقود إلى مصالحة المغاربة مع الفرح ..الفرح الهستيري والجماعي بالخصوص .
من هنا اهتمامي بمقابلة الوداد البيضاوي ضد الأهلي المصري مؤخرا الذي لم أتابعها كمقابلة بين فريقين يتنافسان على من يضمن التأهل، بل تابعتها كمتعطش لرؤية لحظة تضخ فيها جرعة من الانشراح والبهجة لشرايين 34 مليون مغربي في حالة فوز الوداد، وهو ما تحقق، إذ ما أن أعلن الحكم نهاية اللقاء حتى اندفع المغاربة في كل المدن والقرى يهتفون باسم المغرب يرقصون ويغنون و"يجذبون" فرحا وانتشاءا. وهو ماحدث ثانية في لقاء المنتخب المغربي ضد الكوت ديفوار يوم 11 نونبر 2017، بحيث ما أن أعلن الحكم الغامبي انتهاء المباراة حتى وقع تسونامي في شوارع المغرب كله ورقص المغاربة ابتهاجا وحبورا.
فوز الوداد وانتصار المنتخب الوطني ينهضان كدرسين لينتبه صناع القرار إلى استحضار حق المغاربة في الفرح وحقهم في طرد الاكتئاب والتعاسة.