Sunday 6 July 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: خيرُ إكرامٍ للميت دفنُه... فماذا ننتظر؟!!

محمد عزيز الوكيلي: خيرُ إكرامٍ للميت دفنُه...  فماذا ننتظر؟!! محمد عزيز الوكيلي
في السابع عشر من فبراير1989، رُزِقَتْ دولُ المنطقة المغاربية، التي لا يمكن وَسْمُها بالعربية إلا على سبيل المَجاز، بمولود أطلَق عليه قادتُها في إبانه اسم "اتحاد دول المغرب العربي"، ثم تحوّل هذا الاسم إلى صيغ أخرى تمخض عنها استيقاظٌ متأخّر من حلم العروبة، من قَبيل "الاتحاد المغاربي" أو "المغرب الكبير"، ليتبيّن بعد أقلّ من عامٍ أن المولود "مانغوليان"، له رأس ضخم، ولكن بداخله دماغاً لا يزيد حجمُه عن حجم أدمغة الذباب، إن كانت للذباب أدمغة، ولذلك كان يتصرف بلا ذاكرة، وبلا تاريخ، أو بالأحرى، بتاريخ طالَتْه مَعاوِلُ النسيان، ثم تبيّن بعد ذلك، ومنذ السنة الموالية لميلاده أنه يشكو، من جهة الشرق المغربي تحديداُ، مِن ورم خبيث لا أمل في الشفاء منه، ولا عِلاج له أساساً إلا بالبتر، ولكن البلد المصاب بذاك الوباء العُضال أدمن على استهلاك كل أنواع كيماويات التخدير، سواء الموضعي أو الشمولي، دون أن يترك لأي طبيب فرصة إجراء العملية الجراحية اللازمة، والحتمية، لأن التخدير لم يعد يُجدي نفعاً، فصار الداء داءَيْن: الورم الخبيث من جهة؛ والإدمان الشديد على كيماويات التخدير من جهة ثانية، ولذلك يتميز شعب الجزائر بالتسطيح والتسطيل حتى النُّخاع!!

النتيجة؟ وفاةُ المولود دون أن يشهد ولو ليومٍ واحدٍ لحظةَ راحةٍ، أو ومضةَ فرحٍ أو أملٍ أو استبشار، وبقاؤُه على ذي الحال إلى أن عَطِنَ لحمُه، وتَحلّل جُثمانُه، وفاحت رائحتُه فأزكمت الأنوف على صعيد المنطقة الشمال إفريقية خاصةً، والقارية عامةً، وعلى صعيد الحوض المتوسطي والمحيط العالمي برمته!!

والحال أن الأمر لم يقف عند هذا الحد المؤسف والمحزِن والمُبكي، بل قد تطورت الأمور إلى أفظع، حيث تَحَوَّل ذلك العضو الميّت إلى "زومبي" (نصف حي/نصف ميت)، وبدأ هذا الكائن، بجسده العَطِن ورائحته الكريهة، يحاول التمسك بالقشّ لكي لا يزداد غرقاً على غَرَق، فصنع الأعاجيب من أجل تأسيس كيان بديل للاتحاد المغاربي، الذي كان هو ذاتُه السببَ في وفاته الإكلينيكية، أو السريرية، فجمع إليه نظاماً تونسياً تحول هو الآخر إلى "زومبي"، يرأسه رجل مختل عقلياً على ما يبدو من شكله وحركاته وسكناته، ومِن خُطبه المتميزة بنبراتها الهستيرية؛ ونظاماً ليبياً مزدوج التركيب، فلا هو مع المشروعية ولا هو ضدها بالمرة، يتميز برأسَيْن كل منهما ينظر في اتجاه مخالف للآخَر، ورُبّانَيْن كل منهما يروم السعي لمَرفَإٍ غير الذي يقصده الآخَر!!

غير أن الذي يزيد في سريالية هذا الكائن الخرافي الجديد، الذي يشبه الإسفنكس، نظرياً فقط، لأنه عملياً متشكّل بخلاف هذا الإسفنكس من رأس كلب من كلاب الزينة، وجناحَيْ بعوضة، وقوائم ذلك الغراب الذي فشل في تَعَلُّم مشية الحمام... حتى أن هذا الثلاثي لم يجد له اِسماً يمكن أن يُعرَف به أو يُشارَ به إلى خِلْقَتِه الكاريكاتورية... والبقية نعلمها جميعاً، والعالم من حولنا كذلك!!

بمقابل ذلك المَسخ ثُلاثي التشكيل (الجزائر، تونس وليبيا) تَحرّك المغرب بتؤدة وبلا بهرجة فيما يمكن وصفه بالتأسيس لمنظومة إفريقية جديدة وغير مسبوقة، قائمة على أسس براكماتية شعارها المتفرّد: "رابح/رابح"، تضم على التوالي كلا من المغرب وموريتانيا ومالي والنيجر وبوركينافاسو، فيما يسمى بالمبادرة الأطلسية، من جهة، ومن جهة ثانية، بين المغرب وكل الدول الإفريقية الواقعة على خط أنبوب "البابلاين" الممتد إلى غاية نيجيريا، فيما يُعرف بمشروع "الربط القارّي الإفريقي الأوروبي بالغاز النيجيري"، ويمتد عبر حدود ثلاث عشرة دولة إفريقية هي على التوالي: نيجيريا، بنين، توغو، غانا، كوت ديفوار، ليبيريا، سيراليون، غينيا، غينيا بيساو، غامبيا، السنغال، موريتانيا، وصولا إلى المغرب، ثم منه إلى إسبانيا وأوروبا!!

والواقع أن مشروعا كهذا، لا يمكن إلا أن يلقى شديد الاهتمام من لدن الدول الإفريقية التي ستحقق من خلاله منافع شتّى، فضلا عن بلدان الاتحاد الأوروبي، ومجلس الاتحاد ذاته، التي يقصدها ذلك المشروع بشكل أساسي، والتي ما أحوجها إلى كسر شوكة الغاز الروسي في ظل التحولات التي يشهدها العالم، وخاصة على اثر اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، التي جعلت الاتحاد الأوروبي يُعيد حساباته بخصوص اعتماده شبه الكُلي على الغاز الروسي، ويَتوق بالتالي إلى بديل يُخرجه من الكمّاشة الروسية!!

فضلا عن ذلك، فهذا التوجه المغربي "الإفريقوأوروبي" الفريد من نوعه، استطاع أن يحظى بمباركة ودعم دول لها وزنها الثقيل في مضمار الطاقة تحديداً، كالولايات المتحدة الأمريكية والصين ودول الخليج العربي، ليصبح هذا المشروع ذا طبيعة قارية إفربقية أوروبية، ثم عالمية بتحصيل الحاصل، وليحل لدينا نحن المغاربة محل مشروع مغاربي وُلِد ميتاً لأن فيه عضواً اسمه الجزائر، ولأن هذا العضو لا يضع قدمه أو يده، وهما سيان، في أي مشروع أو منظومة إلاّ نقل إليها عدواه وأصابها بكل عُقَدِهِ وآفاته!!

نحن الآن، عملياً وبالملموس، قد نفضنا أيدينا من مشروع اتحاد المغرب العربي بعد أن أطلق النظام الجزائري عليه كل رصاصاته وذخائره، ولم يبق أمامنا إلا أن ننتظر إعلاناً رسمياً عن وفاته، وعن موعد مُواراته تحت تُربة التاريخ، وكما يقول الحكماء: "خيرُ إكرامٍ للميت دفنُه"!!!
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد