الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: المرامي البعيدة لمذكرة الأستاذ "عمر هلال"

محمد بوبكري: المرامي البعيدة لمذكرة الأستاذ "عمر هلال" محمد بوبكري
تقودنا القراءة الأولية الحرفية لمذكرة الأستاذ "عمر هلال"، التي وزعها على المشاركين في ندوة دول عدم الانحياز الأخيرة، أنها موجهة إلى جنرالات الجزائر، حيث زرعت الهلع فيهم، فأصيبوا بصدمة قوية ، جعلتهم يولولون وينتحبون، ولم يشفق عليهم أحد، لأنهم تمادوا في محاولة الاعتداء على الوحدة الترابية المغربية... لكن قراءة معمقة لهذه المذكرة تجعلنا نستخلص أنها ليست موجهة لجنرالات الجزائر وحدهم، بل إنها كانت عبارة عن إنذار كبير موجه إلى إسبانيا وفرنسا، وغيرهما من الدول الأوربية التي تمارس النفاق وتساير سرا جنرالات الجزائر في موقفهم المعادي للمغرب.
فمنذ أن قامت القوات المسلحة الملكية بفتح معبر "الكركرات"، انخرط حكام الجزائر في مهاجمة المغرب، حيث يدعون أن هذا الأخير هو عدو تقليدي يعتدي عليهم يوميا. وفي الواقع، إن المغرب لا يولي أي اهتمام لكلام حكام الجزائر، ولا لصخب إعلامهم، ولا للعويل دبلوماسيتهم، ولا لدموع التمساح "لعمامرة". فقد كانت مذكرة الأستاذ "عمر هلال" صفعة قوية موجهة لنظام جنرالات الجزائر، الذين لم يعد يهم المغرب نباحهم، ولا عويل "تبون". ونظرا لأن خطاب الدبلوماسية الجزائرية قد أصبح مهترئا ومتجاوزا، لأنه لم يواكب التحولات التي عرفها العالم، فإنه لم يعد له أي تأثير. لذلك، فإن المغرب لا يريد إضاعة وقته في الرد على مهاترات جنرالات الجزائر ومخابراتهم وأبواقها وأزلامها.
إضافة إلى ذلك، يكاد يجمع الخبراء المتتبعون للشأن الجزائري أن النظام الجزائري منهمك في تفكيك الجزائر، لأنه تسبب لها في أزمة خانقة، حيث لا تنمية ولا إنتاج، ما جعل الدينار الجزائري يعيش انهيارا قاتلا، فصارت الجزائر تعيش أزمة مالية خطيرة، إذ لن يتبقى للسلطة الجزائرية في نهاية هذا العام إلا خمسة عشر مليار دولار، وسيكون للمغرب آنذاك أكثر من ضعف هذا المبلغ. لذلك، فإن جنرالات لا يستحقون رد المغرب عليهم، لأنهم صاروا عاجزين عن المواجهة. تبعا لذلك، فإن الرد المغربي المفاجئ على "رمضان لعمامرة" ونظام جنرالاته لم يكن فقط هجوما على حكام الجزائر، وإنما كان رسالة موجهة أساسا إلى إسبانيا وفرنسا، حيث يقول مضمون هذه المذكرة لحكام إسبانيا: إذا لم تعترفوا علنا بمغربية الصحراء، فإن " كاطالانيا" يمكن أن تفتح قنصلية لها في الصحراء المغربية.
وجدير بالذكر أنه بعد اندلاع الأزمة المغربية الإسبانية، كانت وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة تقول دوما: "نحن على اتصال دائم بالسلطات المغربية"، لكن وزير خارجية المغربية تصدى لتضليلها نافيا أي تواصل معها. لكن عندما يقول وزير الخارجية الإسباني الحالي إن هناك تواصل بين المغرب وإسبانيا، فإن وزير الخارجية المغربي لم يقم بنفي ذلك، ما يعني أن هناك تواصلا بين البلدين؛ فالمغرب يريد موقفا واضحا من إسبانيا تعلن فيه اعترافها بمغربية الصحراء، حيث يقول للمسؤولين الإسبان: اعترفوا، أو لا تعترفوا بمغربية الصحراء، لكن عبروا عن موقفكم جهرا، فأنتم أحرار. وإذا اخترتم "البوليساريو"، فإن " كاطالانيا " يمكن أن تفتح قنصلية في العيون، وهي مستعدة لذلك، بل إنها تنتظر ذلك بفارغ الصبر. أصف إلى ذلك أن سفيرة المغرب لن تعود إلى إسبانيا إلا بعد إعلان إسبانيا موقفها من قضية الصحراء المغربية. لكن هذا لا يعني أن المغرب لن يستعمل ورقة "تقرير مصير منطقة "القبايل"، بل إنه قد يستعملها إذا اقتضى الأمر ذلك. لكن هذا لا يعني أن رده على "لعمامرة" كان موجها إلى حكام الجزائر وحدهم، بل أنه كان موجها إلى الدول الأوروبية التي تنهب المغرب، وتمارس النفاق بغية تسويفه، وتنام ليلا مع جنرالات الجزائر على سرير واحد.
وتجدر الإشارة إلى أن أوروبا عاجزة عن فعل أي شيء أمام اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بشرعية سيادة المغرب على صحرائه. لذلك، فإن رد المغرب على "لعمامرة" هو إنذار قوي لإسبانيا وفرنسا، لأن المغرب يمتلك أوراقا كثيرة يمكنه استعمالهما ضدهما، حيث يمكنه ألا يشتري البواخر من فرنسا، ويقتنيها من إيطاليا، كما أنه لن يبرم صفقة القطار السريع الرابط بين الدار البيضاء وأكادير مع فرنسا، لأنه يمكنه ان يقتني هذ القطار من الصين الشعبية، خصوصا أن سيربح مع هذه الأخيرة أربعين في المئة من تكلفة الصفقة التي يمكن أن يبرمها مع فرنسا. هكذا فإن المغرب يدرك جيدا المشاكل التي تخلقها له دول أوروبا، ما جعله يصر على اعتراف ألمانيا وإسبانيا وفرنسا بمغربية الصحراء. وإذا ترددت إسبانيا، فإنها ستكون الخاسر الأكبر سياسيا واقتصاديا وأمنيا... وتجدر الإشارة إلى أن إيطاليا بدأت تتصل منذ مدة بالدول الأوروبية من أجل إقناعها بالاعتراف بمغربية الصحراء، كما أن بريطانيا مستعدة لذلك، لكنها لا تريد إحراج كل من إسبانيا وفرنسا، لكنهما إذا تماطلتا، فإن بريطانيا ستعلن اعترافها بمغربية الصحراء، خصوصا أنها قررت استثمار 4 مليار دولار في الصحراء المغربية.
تبعا لذلك، فالمغرب عازم على المعاملة بالمثل، لأنه قرر استعمال الأوراق التي استعملتها هذه البلدان ضده بدون رحمة ولا شفقة. لذلك، فإن المغرب يشترط على كل من يريد الاستثمار في المغرب، أو يريد مساعدته للتمكن من الاستثمار في أفريقيا، أن يعترف بمغربية الصحراء.
تبعا لذلك، يؤكد بعض الخبراء أنه لن تعود كل من سفيرة المغرب لدى إسبانيا، وسفيرته لدى ألمانيا إلى مقري عمليهما إلا بعد اعتراف هاتين الدولتين بمغربية الصحراء.
لذلك، يقول المغرب لحكام الجزائر ومخابراتهم وإعلامهم وأزلامهم: قولوا ما شئتم، ورددوا شعاراتكم التي تجاوزها الزمن، وأصبحت عديمة التأثير. افعلوا ما شئتم، فأنتم لم تعودوا تساوون أي شيء، ولا تمتلكون القدرة على مواجهة المغرب في أي مجال من المجالات. افعلوا ما شئتم بميليشيات "البوليساريو"، وزوجوهم بناتكم، وزوجوا بناتهم بهم، وتناكحوا وتناسلوا معهم، فإن ذلك كله لن يؤثر على المغرب، لأنه يعي أنه لم يعد لجنرالات الجزائر أي تأثير على مسار قضية الصحراء المغربية... ويدرك جيدا أن الجنرالات سائرون في طريق تفكيك الجزائر وتجزئتها وتفتيتها...
يؤكد خبراء كثر أن فرنسا تقف وراء الحملة المسعورة التي تتهم المغرب بالتجسس، لأنها تريد النيل من سمعته، حيث اتهم إعلامها أربعين دولة بممارسة التجسس، ونشروا أسماء إحدى عشر بلدا منها، لكنهم ركزوا على المغرب وحده، ما يكشف عداء فرنسا للمغرب. فالمغرب يعي أن الإعلام الفرنسي غير مستقل، بل إنه تابع للحكام، كما أنه يدرك أن صحيفة "لوموند" وقناة "فرانس 24" ليستا مستقلتين عن الحكومة الفرنسية، حيث أصبح واضحا للعيان أن هذه الجريدة وتلك القناة قد تحولتا عمليا إلى إعلام تابع لجنرالات الجزائر.
ويعود حقد فرنسا وإسبانيا على المغرب إلى أنهما كانتا تستغلان المغرب، ولما شعرتا بأنه سيستقل عنهما، أصابهما الحنين إلى فترة استعمارهما له، لأنه بدأ يشق طريقه بعيدا عنهما، فأصبح قادرا على الإفلات من هيمنتهما عليه، الأمر الذي دفعهما إلى استعمال قضية الصحراء للضغط عليه، لكن أنى لهما ذلك!!
علاوة الى ذلك، إن ما لا يدركه حكام الجزائر، الذين يطالبون بحق "مليشيات البوليساريو" في "تقرير المصير"، هو أنه توجد في العالم اليوم مئات الشعوب التي تطالب بحقها في تقرير المصير، كما يوجد في أوروبا وحدها خمسون شعبا يطالبون بهذا الحق. وفي الواقع، إن حكام الجزائر يتحدثون فقط عن الفلسطينيين ومليشيات "البوليساريو"، حيث يدعمون عمليا "البوليساريو" ولا يدعمون الفلسطينيين بأي شيء، بل إنهم يتاجرون بقضيتهم.
أما بالنسبة للدعاية المغرضة التي تتهم المغرب بالتجسس، وتروج لها جهات فرنسية... فإن المغرب سيقوم برد فعل قوي على كل من يسيء إليه، حيث يرى بعض الخبراء أنه من المحتمل جدا أن يوجه المغرب صفعة إلى فرنسا، كما فعل مع ألمانيا وإسبانيا؛ فالمغرب لن يكتفي بالدفاع عن نفسه، بل سينتقل إلى الهجوم، وسيعامل خصومه بالمثل.