"المغرب في أزمة"، لم يعد هذا وصف للمزايدة أو الانتقاد من أجل النقد. لقد أقر به جلالة الملك في افتتاح الدورة البرلمانية الحالية، مشخصا كافة مظاهر الأزمة على مستوى التنمية والتعليم والصحة والشغل. وبذلك فوت جلالته الفرصة على المتزلفين والمتملقين من باعة الوهم للتخفيف من وطأتها بتحاليل بئيسة، وأغنى كثيرون عن الذهاب إلى التقارير الدولية لاكتشاف حجم تخلفنا في مختلف سلاليم التنمية البشرية والنزاهة والديموقراطية.
ولم يكتف الخطاب بالتشخيص، وإنما دعا إلى استنهاض الهمم عند من لا زالت لديهم همة من شخصيات ومؤسسات قصد العمل الجاد والتفكير العميق لبلورة حلول مبتكرة وشجاعة للحد من تزايد الفوارق الطبقية والاجتماعية، وتفاقم التفاوتات والاختلالات الجهوية "حتى وإن تطلب الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي".
والزلزال في المخيلة الجماعية للمغاربة ليست هي تلك الهزات الخفيفة التي تشهدها العديد من مناطق البلاد بين الفينة والأخرى، وإنما يرتبط بما حصل في أغادير سنة 1960، وبعض نواحي الحسيمة سنة 2004 حينما سويت مناطق شاسعة بالأرض، وتمت إعادة بنائها من جديد ومن الأساس، وعلى أسس جديدة وصلبة. ولذلك فالمغاربة لا ينتظرون من الزلزال السياسي الموعود أقل مما حصل بعد الزلازل الطبيعية التي كانت مدمرة.
نعم لا ينتظر المغاربة إجراءات لذر الرماد في العيون، فالجسد المعتل لا تعالجه المسكنات، وإنما زلزالا حقيقيا يطال السياسات والاختصاصات وتوازن السلطات. زلزال يقطع طريق المحاباة في التعيينات، ويحارب بلا هوادة ترهل المؤسسات، فالأزمة عميقة ومتجذرة وتنذر بأسوإ الاحتمالات. لقد طرحت حولها أسئلة عديدة ولم تجد من المعنيين أي إجابات ؛ الأمر الذي جعل سوء الوضع يتفاقم، والنقمة من تتعاظم.
والمغاربة متفهمون، مدركون وواعون أنه لا توجد حلول سحرية لكافة المشاكل، وأنه لن يتم تجاوز العقبات بين عشية وضحاها. هم فقط في حاجة إلى مؤشرات جادة تؤكد فعلا أن "الاختلالات... ليست قدرا محتوما" وأن إرادة تجاوزها قائمة وصادقة، إنهم يريدون ما يعيد الثقة إلى أن الوطن فعلا للجميع وأن "من حق كل المغاربة أن يستفيدوا من التقدم وثمار النمو"
وحدها مثل هذه المؤشرات تساعد على انتشال الشباب من أخطبوط الإحباط، وتدفع بالكثير منهم نحو الانخراط في الحياة العامة، ومضاعفة منسوب الثقة لديهم بالمستقبل.
كثيرة هي الاقتراحات في هذا الباب، والحاجة ماسة إلى البدء بما يتطلب عمليات جراحية، وليس تدخلات تجميلية. لقد أعرب جلالة الملك في خطاب العرش عن امتعاضه وسخطه من القوى السياسية وتخلفها عن القيام بمهامها الدستورية، فلماذا الاستمرار في دعم هذه القوى من المالية العمومية، وهي غير قادرة على حشد الحد الدنى من الناخبين في الاستحقاقات الانتخابية ؟
ما هي فاعلية 395 نائبا في الغرفة الأولى و 120 في الغرفة الثانية وأغلبهم لا يتجشم عناء الحضور ؟ لماذا لا نرشق تلك المؤسسات لتغدو أكثر مصداقية، ونوفر ما يصرف عليها من أموال لصرفه في مجالات اجتماعية ذات أولوية ؟
ما جدوى اهتمام عدد من الوزارات بالماء إضافة إلى مكتب وطني مختص فيما مناطق شاسعة من البلاد تعاني العطش وندرة الماء ؟
ما فائدة إحداث وزارات جديدة في ظل تواجد مؤسسات تقوم بذات الدور كما هو حال وزارة للجالية تتداخل اختصاصاتها كثيرا مع مديرية الشؤون القنصلية والاجتماعية بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، وتتقاطع مع بعض من اختصاصات مجلس الجالية ؟
أسئلة عديدة على هذا المنوال يمكن طرحها في إدارات ومؤسسات كثيرة بإمكان الحسم فيها ترشيد النفقات والتجاوب مع التوصيات الدولية.
إن ما جاء في الخطاب الملكي جرس إنذار يحذر من مغبة أن يظل البون شاسع بين ما يقال وبين مجريات الواقع.