الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

محمد بنخالي:"تأملات سوسيولوجية في فلسفة التعاقد

محمد بنخالي:"تأملات سوسيولوجية في فلسفة التعاقد محمد بنخالي
يعرف قطاع التعليم في السنين الأخيرة حراكا لايكاد ينقطع أو ينضب وآخره اضرابات ‘خواننا الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد.
سأعالج الموضوع من وجهة نظر سوسيولوجية تستحضر حضور مفهومي الدولة والتعاقد في الوعي الجمعي لدى المغاربة ، بعيدا عن القراءة القانونية الحقوقية الاقتصاية والنقابية لهذين المفهومين المتناقضين على الأقل في البيئة العربية ذات البنية القبلية في علاقة أفرادها بالدولة والمؤسسات.
لاشك أن فكر ة التعاقد تعود إلى أصول ليبرالية رأسمالية المنشأ ظهر ت في الغرب لتحديد العلاقة بين أرباب العمل والمستخدمين غداة اكتساح الفكر الماركسي وعي العمال والطبقة الكادحة عموما
وبالعودة إلى حضور مفهوم الدولة في اللاوعي الجمعي للمغاربة يتضح من اليومي والملاحظة أن العقلية المغربية عقلية تكونت في بيئة مخزنية دولاتية تعلى من شأن هيبة الدولة في نفوس المغاربة وان علاقتهم بها علاقة روحية وجدانية تتراوح مابين الاحترام والخوف والرهبة والاجلال والطاعة والحب والحقد اللحظي أحيانا:
(يقول المثل المغربي ثلاثة ما تيق فيهم الواد والزمان والمخزن) لتأكيد هيبة الدولة وسيطرتها على النفوس والأبدان..
ورغم ذلك لا يكف المغاربة في صمت أحيانا وجهر أحيانا أخرى، عن انتقاد الدولة ورجالاتها يوميا في المقاهي والبيوت والأماكن العامة بحذر طبعا..
والغريب في الأمر أن هؤلاء المنتقدين المغاربة ما إن تمس- بضم الميم - مصالح الدولة المغربية أو تهان كرمة الدولة في المنتديات الدولية سواء من قبل المشارقة أوالغربيين ـمثل ما حدث عندما امتنعت..
السعودية عن التصويت لصالح الملف المغربي شاهدنا المقاهي بالكامل تنتفض ضد المنتخب العربي السعودي والفرحة تغمر المغاربة من اجل الدولة التي كانت هي المستفيد الأول والأخير من تنظيم النهائيات وامتيازاتها،أو عندما يتم استفزازنا في قضية الصحراء المغربية من طرف بعض الكيانات ترى المغاربة يهبون و وينتفضون للدفاع عن دولتهم رغم انهم ينتمون إلى قعر الهرم الاجتماعي للدولة من ناحية الفقر والهشاشة
رغم ذلك ينسى المغاربة أحقادهم على دولتهم وينبرون للدفاع عنها ولو بقلوبهم وذاك اضعف الايمان بدل الدولة نفسها التي تلتزم الصمت أحيانا كثيرة ولا نرى لها أي ردة فعل ملمو سة إزاء إهانة تعرضت لها مثلا في المنتظم الدولي..
فالحامل لفكرة الدفاع عن الدولة في النهاية هم أبناء الشعب الذين كانوا يكيلون لها كل انواع الشتائم..
رغم ذاك لاتصل الأمور إلى حد الطلاق بل يبقى مجرد تفريغ لشحنات غضبية بين أب وابنه حالما يتصالحا..
وهاهي اليوم تود أي الدولة أن تقطع شعرة معاوية مع المغاربة وذلك عن طريق توظيف أبنائهم عبر تعاقد هش يزلزل أركان انتمائهم للدولة .حيث نسيت الدولة أو تناست انها تقتل في أنفس المغاربة معنى الانتماء للدولة والوطن .
فالحصول على وظيفة بسيطة في سلك الدولة مثل أن يصبح احد أبناء الأسرة معلما أو عسكريا أو إداريا أو حتى عونا بشكل رسمي تجعله قادر على إرسال حفنة من المال لاسرته واهله
يقوي ويوطد حضور مفهوم الدولة في نفسية المغربي ويدفعه للتباهي بحصوله على عمل مع الدولة والمخزن - رغم أن مفهوم المخزن قديما كان يطلق على بعض الأسر الغنية و المتنفذة-
إن المغربي البسيط بطبعه يستقوي في حضوره المجتمعي واليومي بانتماء ابنه أو وابنته إلى سلك الدولة مما يعزز حضور الأسرة في النسيج المجتمعي ويقوي مكانتها الاعتبارية فقط لمجرد حصول احد أبنائها على وظيفة بسيطة مع المخزن..
لكننا نشهد اليوم هذا التراجع الخطير لعلاقة الدولة بأبناىها الذين قلنا عنهم أنهم أساس وجودها نفسها ..
فالاستاذ المتعاقد مهزوم في نفسيته لا يقوى على الشعور بانتماء لوطن يحترم كيانه ومؤهلاته لأنه مهدد في كل لحظة وحين بالتعسف والجور والحكرة..
ولم يعد يشعر بالدفء الدولاتي، بل أصبح في وضعية هشة يشعر معها بالعجز والخوف والانبطاح والرضوخ..
بدل المردودية كما تروج الدولة والوزارة لتبريرها للتعاقد نخلص إذن أن هذه الوضعية الهشة للمتعاقد تفك ارتباطه الوجداني والروحي بكيان الدولة..
من هنا نساءل الفاعل السياسي .هل يريد هذا الفاعل أن يفك المغاربة ارتباطهم الوجداني العاطفي بالدولة بعد أن كانوا يشعرون بشيء من الدفء والاحتماء بحضنها من جور الزمان .هل يريد هذا الفاعل قتل الارتباط التاريخي بهذا الكيان الأم..
اعتقد في تقديري المتواضع انه مهما كانت تبريرات الفاعل السياسي الاقتصادي الذي اتخذ هذه الخطوة أو التوصية انه وجب التراجع عنها فورا لتعزيز حضور الدولة وإيديولوجيتها في نفوس المغاربة عن طريق هذا الأستاذ المحب لوطنه وإلا سيشهد هذا الحضور تراجع مكانها وهيبتها شعوريا و لاشعوريا عند المغاربة قاطبة ..