إن من يخوض الانتخابات المغربية ليس كمن ينظر أو يحلل مجرياتها، وإن ما يهم الملاحظ المستقل أو غير المستقل هو في الغالب محيط مكاتب التصويت، وبالخصوص الظروف العامة التي تحكم هذه اللعبة السياسية الفريدة ببلادنا، وإذا كانت مؤشرات الإنتخابات وقراءاتها تعتمد المرئي من الحملات وطريقة تدبيرها وتحركات السياسيين والحزبيين بالخصوص في دول الغرب المتقدمة حيث لا يخجل المرء من التصريح عن رأيه واختياره بالإسم وبالمبررات الكافية لاختياره حتى ولو كان المقاطعة.. فإن الأمر لدينا تحكمه قاعدة ابن رشد الشهيرة في تفسير النص باعتباره مستويين مستوى العامة الذين يستهلكون الظاهر من النص، والمضنون به لغير أهله الخاص بنخبة العلم والمعرفة، كذلك الانتخابات بالمغرب، ظاهر للاستهلاك يخطئ من اعتمده لتقدير وقراءة النتائج، وباطن خاص بصناع القرار، ولعل الهالة والتقدير الإعلامي الذي رافق حملة فيدرالية اليسار جعل المحللين الراكنين في زوايا التحليل يبشرونها بست مقاعد على الأقل إذا لم يكن أكثر، وهذا الدعم الإفتراضي جاء في زمن لم يسجل فيه بعض المثقفين الداعمين ولا حتى بعض المحللين المعروفين أسماءهم في اللوائح الإنتخابية، فهم ممن يغير المنكر بلسانه، أو بقلمه في أحسن الأحوال...
إن من يخوض الإنتخابات يصله من الخبر اليومي ما يجعله ضحية الأخبار المتضاربة أمام ما عرفته بعض المناطق من شراء للذمم، كما يروي وسطاء بعض المرشحين أنفسهم، الذين يتباهون بما وزعوه من مال وحجم الثقة التي يخصهم بها مرشحهم المترصد للنجاح، المحلل بالأرقام والواقعية، كما يقع في مناطق من الصحراء، والضامن لكرسي برلماني ما لم يكن ممن لا يرغب في تمثيليتهم لسبب أو حساب من الحسابات، ففي الجنوب المغربي، يعرف المخزن أن حجم المال المهدور على الأفراد والجماعات تورط فيها حتى بعض أشباه المثقفين، المستعجلين الربح في أسرع عملية تتم يوم الجمعة الإنتخابي، والرواية الشعبية في المناسبات تذكر الكثير من هذه الروايات الليلية، وما تعرض له أصحاب مرشح من نزع مال في حقيبة لا يمكن معها إعلان الخبر ولا الشكاية بالفاعلين الذين اقتنصوا اللحظة، لأنه مال مصلحة انتخابية في كلميم مثلا...
ومهما يكن من أمر، فإن نسب المشاركة المعلنة لا يجب أن تحجب عنا حجم التحفيز المالي الذي ينشط الحركة ليوم أو يومين، وتنطفئ معه أحلام البائعين وحتى المشترين أحيانا، ليعود الجميع إلى الهدوء واجترار الوقائع... لكن الدرس تتمثله العامة، ويفر المرء من صناديق الاقتراع زمن أخيه وأبيه وصاحبته، ويختص بالتصويت في الغالبية وليس الكل القلة المستفيدة لحظيا والخاملة فيما بعد، ويدب السخط في الأوساط المقاطعة على مدى الخمس العجاف... كما لا يجب أن يحجب عنا رقم مشاركة تلك الفئة التي مازالت لا تعرف للإنتخابات إلا كونها واجب وطني لا يقبل المزايدة، وهي الفئة التي غالبا ما تصدم بالنتائج لكونها تريد الصالح فتطلع الصناديق بغير ما توقعت من مشاركتها لتغيير الواقع...
الخلاصة أن الدروس المقدمة إنتخابيا، قد تطمئن الملاحظين من الخارج بالعملية في عمومها، وتبشر بعض الناجحين بأن العام زين طالما أن الأمور تحسم بالمال وليس لا بالأفكار ولا بالثقافة ولا بالوعي كما يدعون، وتصدم الحالمين بوطن الحرية والنزاهة والتنمية بالفعل لا بالشعار، وتضمر غضبا يتراكم عن المشهد السياسي الذي لن يخرج هذه المرة أكثر مما سبق عن تكرار تجربة الخروج للشارع أمام حكومة هدأت من روع البسطاء باسم الدين وسيكتمل الصبر أمام قوة الواقع المتردي في القطاعات الإجتماعية بالخصوص، والذي سيزداد ترديا في نظري، لأنه بدون برنامج واضح استعجالي يلبي الحاجيات المجتمعية في حدودها الدنيا، سيستمر بنكيران في تضميد جوع الشارع بحكومة هشة، مادام أن أفضل السيناريوهات سيكون مع أحزاب شكلت لهم 7 أكتوبر نكسة حقيقية جراء حسابات سابقة دونها الناس عنهم في مسارهم السياسي، النسخة الثانية ستكون بشروط الراغبين في المشاركة الضعفاء أمام اكتساح حزب استغل أكبر ترويج إعلامي دارج للمصلحة كما تحبها عيون الأرامل، والكادحين والمومنين الخائفين من المستقبل.. وستكون لنا حكومة لأول مرة فيما أعتقد بمعارضتين سياسيتين، معارضة من الداخل للحزب البيروقراطي الحائز على الصف الثاني، ومعارضة ستنشط الشارع كخيار جديد يمثله فارسا فيدرالية اليسار الديمقراطي بأفكار النقابي والسياسي ستعري المشهدين: مشهد الحكومة المحكومة في نسختها الثانية الأكثر بلقنة، ومشهد الحزب البامي الأكثر فقرا لبرنامج يعتمد على تاريخ فقير. ولن يرد من قوة الهجوم المفترض على ضعف الحكومة سوى لجوء بن كيران إلى استقطاب ما تبقى من أحزاب ما كان يسمى بالكتلة المشاركين في الحكومات السابقة....
تلك توقعات انطباعية تعتمد الظاهر، في غياب معطيات من كواليس مايقع في الرباط، والسلام.