يشهد إقليم تاونات اليوم وقفة احتجاجية أمام المستشفى الإقليمي بتاونات للمطالبة بالحق في الصحة، في سياق أصبح فيه تنزيل ما يسمى بـ"دولة الرعاية الاجتماعية" والولوج إلى المراكز الاستشفائية والاستفادة الحقيقية من حقوق الإنسان حلمًا يراود كل مواطنة ومواطن تاوناتي. ومع ذلك، تحولت كل المراكز الصحية الموزعة على تراب الإقليم، رغم قلتها ومجهودات أطرها التمريضية والإدارية الرائعة وبعض الأطر الطبية الملتزمة حقًا بقسم أبوقراط، والمؤمنة بأن مهنة الطب رسالة إنسانية نبيلة وليست وسيلة للارتقاء الاجتماعي والاقتصادي أو لجعل صحة الإنسان سلعة رائجة في سوق الاستعباد الطبي.
ومن هذه المنطلقات، وأمام انخراط كل القوى الحية وجبهة الممانعة بالإقليم اليوم في هذه الوقفة الاحتجاجية، وتفاعلًا مع هذه الدينامية لأنني أنتمي وجدانياً لهذا الإقليم ومسكون بحرقة أسئلته، كما أنني لست من أولئك المهووسين بمطاردة الفرص، لكن حين تُتاح، أحرص على أن أقول ما يجب قوله أو أفعل ما ينبغي فعله، بكل ما يلزم من شراسة وباحترام، وبحزم لا ينتقص من اللباقة شيئًا، ومساهمة مني في ضرورة بناء قوة اقتراحية تعطي زخماً قوياً لهذه الحركة الاجتماعية، ينبغي:
-
أولاً: خلق ائتلاف مدني للحق في الصحة على مستوى إقليم تاونات، يتشكل من جمعيات المجتمع المدني، أحزاب سياسية، جمعيات حقوق الإنسان، وفعاليات مستقلة.
-
ثانيًا: ضرورة الهيكلة الاستشفائية بالإقليم لتتماشى مع التوزيع الجغرافي والبنية السكانية، وإحداث مصالح خاصة ومستقلة للإنعاش والتخدير وكذلك للأشعة بالمستشفى الإقليمي بتاونات، وإحداث مصلحة الأم والطفل بالمراكز الاستشفائية بكل من غفساي وقرية بامحمد، مع تنزيل هيكلة استشفائية حقيقية عبر تعيين مدير ورؤساء المصالح بالمستشفى الإقليمي، وضرورة خلق مصلحة مستقلة لجراحة القلب والشرايين، وتزويدها بكل ما يتطلبه هذا التخصص الدقيق من مستلزمات طبية ووحدة إنعاش خاصة بجراحة القلب من أجل علاج المرضى في أحسن الظروف.
-
ثالثًا: إطلاق عملية بناء وتجهيز مراكز استشفائية بكل من طهر السوق وتيسة، وتعزيز العرض الصحي بالجماعات القروية ذات الكثافة السكانية المرتفعة.
-
رابعًا: اعتماد التداريب السريرية لطلبة كلية الطب والصيدلة وطب الأسنان، خاصة أبناء وبنات الإقليم، بتأطير من أساتذتهم يومًا في الأسبوع لكل تخصص بالمستشفى الإقليمي، ولم لا بباقي المراكز الاستشفائية.
-
خامسًا: إطلاق عملية الطب التناظري (Télé médecine) بمختلف المراكز الصحية بالإقليم، في إطار تعاقدي بين كلية الطب والصيدلة بفاس، المركز الاستشفائي الجامعي، مجلس جهة فاس مكناس، المجلس الإقليمي، والمديرية الجهوية والإقليمية للصحة.
-
سادسًا: التعجيل بإحداث صيدلية المستشفى الإقليمي وباقي المراكز الاستشفائية بغفساي وقرية بامحمد، مع خلق لجنة داخلية للأدوية للتتبع والمراقبة، تعمل على إصدار تقارير دورية تُعمم على الشركاء الاجتماعيين. لأنه لا يعقل أن إقليمًا يحتل المراتب الأولى في نسبة الفقر والهشاشة الاجتماعية يُطلب منه شراء البيطادين والمستلزمات الطبية. ومعه يُطرح السؤال: من له مصلحة في عدم توفر المستشفى الإقليمي وباقي المراكز الاستشفائية، على قلتها، على الأدوية والمستلزمات الطبية؟
-
سابعًا: ضرورة توفير شروط الاستقرار والعمل المريح للأطقم التمريضية والطبية بالإقليم، مع تخصيص حوافز مادية ومعنوية، وتطبيق صارم وحازم لقانون الوظيفة العمومية.
-
ثامنًا: ضرورة تحمل طبيبات وأطباء أبناء وبنات الإقليم مسؤوليتهم التاريخية والإنسانية تجاه الأرض التي أنجبتهم وعلمتهم وربتهم، لأن مريض اليوم بالمستشفى الإقليمي وباقي المراكز الاستشفائية قد يكون فردًا من عائلتهم يحمل جيناتهم، أو مدرسًا ساعدهم في كتابة الحروف الأبجدية قبل كتابة الوصفة الطبية. خذوا التجربة والنموذج من نجاة بلقاسم التي شغلت ثالث أعلى منصب سيادي في فرنسا، ألا وهو وزيرة التعليم، لكنها لم تنس دوارها وأين رعت الغنم والماعز، وكيف حولت جماعتها القروية بالناظور إلى أفضل من أي مركز حضري بتاونات بدعم من الوكالة الفرنسية للتنمية، ولا تزال تزور قريتها حتى الآن وتقدم خدمات إنسانية واجتماعية رائعة.
-
تاسعًا: اعتماد المقاربة التشاركية وتفعيل أجهزة الحكامة، وإشراك الشركاء الاجتماعيين والمجالس المنتخبة وفعاليات المجتمع المدني في هيئات الحكامة للمستشفى الإقليمي وباقي المراكز الاستشفائية بالإقليم، وفي مختلف عمليات مراقبة التدبير المالي والإداري وهندسة الموارد البشرية.
-
عاشرًا: أصبح مطلوبًا أكثر من أي وقت مضى أن تتحمل مجلس جهة فاس مكناس، والمجلس الإقليمي، وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مسؤولية تمويل بناء وترميم وتوسعة المراكز الاستشفائية وتجهيزها وصيانتها في إطار تعاقدي مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بالإقليم.
وأخيرًا، قطاع الصحة بإقليم تاونات في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى نفس جماعي جديد، منطلقاته الأساسية رؤية استراتيجية جديدة تشاركية تستوعب جميع مكونات الإقليم والقطاع الصحي وانتظارات المواطنين.
كذلك، لا يمكن استشراف المستقبل بدون قراءة موضوعية ودقيقة للثابت والمتحول بقطاع الصحة بالإقليم، وبالتالي فإن الضرورة الموضوعية تستدعي إجراء تحقيق وتدقيق وافتحاص مالي ومؤسساتي عميق وشامل لهذا المرفق العمومي من طرف مؤسسات الحكامة المنصوص عليها دستورياً وقانونياً وإدارياً.
كما أن تأهيل وتجويد الخدمات بالمستشفى الإقليمي وباقي المراكز الاستشفائية يتطلب مأسسة الحوار الاجتماعي وخلق آلية التنسيق والتشاور الدائمين بين الشركاء الاجتماعيين والمديرية الجهوية والإقليمية للصحة وفعاليات المجتمع المدني.
