الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

100 مليون تعويض لمواطن أصابته رصاصة طائشة

100 مليون تعويض لمواطن أصابته رصاصة طائشة صورة من الأرشيف

إذا كانت مقومات الدولة تقوم على مبدأ التوازن بين حقوق المواطنين وواجباتهم في تحمل الأعباء، فإنها بالمقابل تكون ملزمة بتحمل مخاطر الأضرار التي تسببها اعمالها ونشاطاتها للمواطنين، إذ من صميم واجبات الدولة الحفاظ على السلامة البدنية للمواطنين.

في قضية هذا الأسبوع، نعرض ملف مواطن تعرض لطلقة نارية من مسدس وظيفي لشرطي، أدت إلى بتر رجله اليمنى.

لم يكن يدري إبراهيم (18 سنة)، أن فضوله العادي وهو يتابع عملية توقيف لأحد المجرمين سيؤدي به إلى فقدان رجله اليمنى، كما لم يكن في حسبان يوسف مقدم الشرطة ببني ملال، أن الرصاصة التي أطلقها ستزيغ عن اتجاهها لتصيب يوسف.. كان ذلك صيف 2017، عندما تعرض الشرطي يوسف للاعتداء من قبل أحد المجرمين حوالي منتصف الليل، أجبره هذا الاعتداء على استعمال سلاحه الوظيفي من نوع "بيرطا"، وأطلق رصاصة صوب المعتدي لكن الطلقة زاغت عن الهدف فأصابت إبراهيم مما أدى إلى بتر رجله من أعلى مستوى فخذه الأيمن بعد أن رقد بالمستشفى حوالي 3 اشهر.

دفاع الضحية اعتبر أن الدولة هي المسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها، وأن المتسبب في الحادثة أقر بخطئه في حق الضحية، عندما انفلتت منه الطلقة النارية الصادرة من مسدسه فأصابت إبراهيم، وهو ما يعتبر خطأ مصلحيا مرتكبا من طرف وزارة الداخلية التي من المفروض فيها حفظ النظام وضمان الأمن والسلامة والسكينة وحماية أرواح وأموال المواطنين، وأنه بذلك تتحمل الدولة المغربية كامل مسؤولية الأضرار اللاحقة بالمدعي، إذ أنه مازال في مقتبل العمر وأصبح يعيش عالة على عائلته الفقيرة، سواء من حيث الإعالة والعيش أو المساعدة على قضاء حاجياته الضرورية المتطلبة طيلة حياته، ملتمسا تعويضا مدنيا قدره 4 ملايين درهم.

من جهته أكد الوكيل القضائي للمملكة أن شروط وعناصر المسؤولية الإدارية بناء على الخطأ غير متحققة بدأ بالخطأ نفسه، ذلك أن المدعي يرى بأن خطأ الإدارة في نازلة الحال يتمثل في إطلاق شرطي لرصاصة من مسدسه بشكل خاطئ أصيب على إثره بضرر، لكن حيث وإن كان جانب من هذه الواقعة صحيحا، فإنه لا يدخل في زمرة الأفعال المعتبرة بمثابة خطأ وفق التعريف الفقهي للخطأ المرفقي. إذ بالنظر إلى خطورة الوضع الذي واجهه الشرطي أمام شخص أراد أن يؤذيه بسبب قيامه بواجبه، وأمام حيازة الجاني لسلاح أبيض ومحاولة الاعتداء به على رجل الأمن أمام مرأى ومسمع العديد من الناس، فإن إشهار هذا الشرطي لمسدسه في وجه الجاني يعتبرا أمرا لازما لحماية نغسه والدفاع عنها أولا، ثم لدفع الجاني إلى التراجع عن محاولة الاعتداء عليه وإلحاق الأذى به، مما يجعل تصرف الشرطي على هذا النحو يخرج من دائرة التصرفات التي تعتبر أخطاء مرفقية يمكن للمتضررين منها المطالبة بالتعويض عنها في إطار المسؤولية التقصيرية، وأنه أمام انتفاء ركن الخطأ بناء على ما تم تفصيله، يكون طلب المدعي بالتعويض على أساس المسؤولية الإدارية غير مرتكز على أساس، ومآله الرفض. وبالرجوع إلى التصريحات التلقائية للمدعي سيتضح أن هذا الأخير ساهم بقسط وافر في تعرضه للأضرار التي يطالب بالتعويض عنها مادام أنه يقر أن حادث الاعتداء الذي تعرض له الشرطي كان خلال ساعات متأخرة من الليل، بمعنى أن المعتدي حاول القيام بجريمته في وقت ينعدم فيه المارة والراجلين، وأن تصريحاته هذه تؤكد أنه كان من ضمن الفضوليين الذين كان يستهويهم مشاهدة تدخل رجل الأمن من أجل الدفاع عن نفسه في مواجهة المعتدي وإيقاف الجاني، إذ في الوقت الذي كان يتعين فيه على المدعي الابتعاد قدر الإمكان عن مسرح الأحداث لينأى بنفسه عن أي خطر قد يحذق به، وبذلك يكون هو من عرض نفسه للخطر، وعليه أن يتحمل تبعات تصرفه على هذا النحو، الأمر الذي ينبغي معه التصريح برفض الطلب، والتصريح بتحميل المسؤولية للطرفين مناصفة والحكم بتعويض مناسب.

من خلال عرض كل طرف لدفوعاته الشكلية والموضوعية، وبعد عرض الخبرة، استندت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء على الحيثيات التالية:

- في المسؤولية: حيث أن من صميم واجبات الدولة الحفاظ على السلامة البدنية للمواطنين وعدم عرضها للخطر عند ممارسة دواليب الإدارة لأنشطتها، سيما تلك الناتجة عن ممارسة أجهزة الأمن للأدوار المنوطة بهم قانونا.. ونظرا لكون مقومات الدولة تقوم على مبدأ التوازن بين حقوق المواطنين وواجباتهم في تحمل الأعباء، فإن الدولة تكون بالمقابل ملزمة بتحمل مخاطر الأضرار التي تسببها أعمالها ونشاطاتها للمواطنين، سواء كانت تلك الاعمال والنشاطات ناتجة عن أعمال إيجابية أو أعمال سلبية متمثلة في تدخل عنصر اجنبي تعذر التحقق منه أو العمل على تفادي نتائجه، كما هو الحال في ضرورة استعمال السلاح الناري للإلزامية الظرفية المستوجبة لذلك، وأن مسؤوليتها تنهض بمجرد حصول الفعل الضار وإثبات المتضرر كون الضرر الذي لحقه نتج مباشرة عن ذلك الفعل الضار بصرف النظر عن وقوع الخطأ من جانب الإدارة من عدمها ومدى جسامته.

وتبعا لذلك تكون مسؤولية الدولة في مواجهة الضحية قائمة على نظرية المخاطر، وليس على الخطأ اعتبارا للطابع الاستثنائي للضرر وخطورة السلاح الناري التي تستوجب التدقيق والمهنية في استعجاله وذلك بصرف النظر عما إذا كان مستعمله قد ارتكب اي خطأ.

- في التعويض: بعد إجراء الخبرة الطبية لتقويم الضرر اللاحق بالمدعي جراء الحادثة وتحديد نسب العجز العالقة به عهد القيام بها للدكتور أنيس وصيف، وتبين وجود علاقة سببية بين الضرر اللاحق به، وهو الذي نتج عنه بتر رجله اليمنى وضرورة استعانته على المشي بعصا، مستنتجا أن مدة العجز الكلي المؤقت هي 90 يوما ونسبة العجز الجزئي الدائم هي 65 في المائة ووصف الألم الجسماني بمهم وتشويه الخلقة بحد مهم، وأن هذا للعجز أثر على حياته الدراسية تأثيرا مهما..

لهذه الأسباب، قضت المحكمة على الدولة المغربية (وزارة الداخلية)، وفي شخص ممثلها القانوني، بأدائهما للمدعي تعويضا قدره مليون درهم.