الأربعاء 27 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عبد الله جبار: العدالة والتنمية وتحديات رأب الصدع

عبد الله جبار: العدالة والتنمية وتحديات رأب الصدع عبد الله جبار

عند الحديث عن حزب العدالة والتنمية في المغرب، تستوقفنا دائما نقاشات وسجالات حول نشأة وتاريخ هذا الحزب، وبازدياد الفاعلين وتعاقب النخب داخله وعن مسارات التأثير التي تلحقه به. فهذا الحزب ارتبط تأسيسه بشخصية بنكيران التي كانت تجربته في الظهور على الساحة السياسية قائمة على قاعدة الزعيم الأوحد، وأراد أن يؤسس لنفسه ما يسمى بفكرة الأبوة السياسية، المستمدة من فكرة الجماعة. غير أن الرجل لم يراكم من الشرعية النضالية ما يكفي حتى تشفع له في مجابهة خصومه السياسيين.. وهي قاعدة يمكن أن تعمم على أغلبية منتسبي تنظيم العدالة والتنمية.

ومن هنا فإن ركوبه صهوة المشهد السياسي، بعد قنطرة العبور التي منحتها إياه الحركة الشعبية الدستورية وبمباركة السلطة نفسها، لم تكن كافية ولم تراكم من التجربة والخبرة ما يكفي  لركوب أمواج بحر السياسة العاتية. فقد استغل حزب بنكيران عزوف المغاربة عن السياسة والسياسيين، وقدم نفسه بمثابة المخلص لهم، مستغلا في ذلك "تمسكه" بمقومات الهوية العربية الإسلامية. واستفاد حزب العدالة والتنمية من فشل الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية لدولة ما بعد الاستقلال. لقد كان ذلك الفساد في الإدارة، ونهب المال العام، والارتهان السياسي والاقتصادي للغرب، أهم الأسباب الرئيسية التي دفعت عموم الناس إلى انتخاب الإسلاميين، في مراهنة شعبية على القيم الدينية والأخلاقية. وذلك للحد من تغول الفساد ودفاعا عن الهوية الشخصية.

لقد كان الاعتقاد السائد أن الإصلاح السياسي وتحقيق العدالة الاجتماعية والتصدي للاستبداد سيكون ممكنا تحت حكم هذا المولود الجديد، ما دام المواطن قد جرب كل اطياف اللون السياسي دون فتحة ضوء تنير طريقه نحو التحول. هكذا إذن  طفى إلى السطح حزب طارئ حديث الولادة اكتسح المشهد السياسي المغربي بعد انتخابات تشريعية، وقد تزامن وجوده في الحكومة اندلاع ثورات ضد أنظمة القهر في كثير من دول العالم العربي، أوصلت أحزابا دينية إلى حكم بعض البلدان، مما ساهم بشكل من الأشكال في استمرار العدالة والتنمية في المشهد السياسي المغربي وتربعه على كرسي رئاسة الحكومة، دونما تقديم إضافة نوعية في مختلف المجالات، وبالتالي فعوض أن يضمن للمواطن الكرامة المفقودة ومتطلبات العيش اليومي،ـ تاه وراء السجالات السياسية العقيمة فمرة مع "حلفائه" وأخرى مع خصومه الذين طالما نعتهم بالتحكم.

ن أحزاب كهاته التي جربت السلطة، ودعت لنفسها الحق في إدارة الشأن العام، ولم تقم على مر سنوات نضالها -كما تقول- بإحالة المواطن على الأداء السياسي النوعي الذي يبني الوعي بالقضايا، ويجعل من الحزب السياسي مؤسسة للتنشئة والتخلص من إرث الجماعة الذي لازم فكر وعقول مناصري ومؤيدي هذا التنظيم لعقود من الزمن، بغية الانتقال إلى مرحلة الحزب السياسي الحداثي المؤسس على منطلقات وقواعد تحكمها الأعراف الديمقراطية المبنية على قراءة تحليلية واقعية للأحداث، وبرؤية نقدية تبتعد عن اللجوء إلى موروث مشترك وعقيدة واحدة جامعة لكل المغاربة، بهدف تكوين الأطر السياسية التي من المفروض أن تتحمل مسؤولية تسيير شؤون البلاد، من الطبيعي الآن أن يجد نفسه في مفترق طرق رغم بعض التطمينات التي ترد على لسان أعضائه.

لست هنا لأوقد شرارة نار "الفتنة"، لكن من المؤسف حقا أن تجد إطارا يجعل من الدين مرجعيته السياسية وشعارا لأرضية عمله ينهي مسار احد زعمائه بطريقة تناقض إيديولوجيته الدينية وتبين اللأخلاق السياسية التي وجدت تربة ملائمة تم تسميدها عن طريق الرغبة الجامحة في الاستوزار، مما فرق بين إخوان الأمس، فأصبح بعضهم ينظر للبعض الآخر بعين العداوة.. ولم يكن ما جرى قبيل وخلال محطة المؤتمر إلا بداية الغلة التي حصدها السيد بنكيران عندما اصطف خارج ما كانت تطالب به مؤسسات المجتمع المدني وقوى التغيير من أجل مغرب العدالة والإصلاح، حيث فضل مسارا مغايرا لم يدرك عواقبه التاريخية. فقد عجز عن تدبير لحظات فارقة في تاريخه السياسي ليس أقلها مسألة تشكيل الحكومة. وهذا العجز لا ينبغي أن نمر عليه مرور الكرام، بل يجب أن يفهمه جهابدة علم السياسة والسياسيون على أنه لم يأت من فراغ، بل هو، وببساطة، نتاج تجربة عمل سياسية ضيقة في الطرح والتعاطي مع الاحداث السياسية المتقلبة والمتسارعة المفروض التقاطها وتفكيك عناصرها كمنطلق لإرساء أسس بناء الدولة وتعزيز ثقافة المؤسسات في الحياة العامة  .

هذا الحزب لم يبن لا تكتلا ولا مشروعا سياسيا يجعله أحد ركائز الدولة الحديثة، وما رشح عن المؤتمر الأخير يبين بالملموس عمق الجرح الذي أصيب به، حيث انكب الأعضاء على حسم قضايا تنظيمية خلافية لم تكن حاضرة على مر تاريخ هذا الحزب، وأجلت القضايا الحقيقية المرتبطة بطبيعة المرحلة.

هذا واذا كان العدالة والتنمية قد استطاع مؤقتا ترميم صفوفه، فإن المرحلة المقبلة وحدها قادرة على كشف النوايا الحقيقية لطرفي الصراع داخله، سيما بعد العودة القوية للتيار الدعوي الذي سجل حضورا هاما في المؤتمر.

- عبد الله جبار، باحث في قضايا الهجرة