في خضم دينامية الإصلاحات الاجتماعية التي انخرطت فيها المملكة المغربية، الهادفة إلى إرساء نموذج الدولة الاجتماعية، جاء تعميم التغطية الصحية الإجبارية (AMO) ليشكل خطوة رائدة نحو تحقيق العدالة الصحية وضمان الحق في العلاج لجميع المواطنات والمواطنين، دون تمييز أو إقصاء.
غير أن الواقع الميداني يروي قصص أخرى، تعكس فجوة مؤلمة بين خطاب السياسات وواقع التطبيق، خصوصا لدى الفئات الهشة والمعوزة. فبينما يفترض أن تستفيد هذه الشرائح من خدمات AMO، نجد كثيرا منهم مقصيا بدعوى ارتفاع "المؤشر"، الذي يحتسب وفق معايير تقنية قد لا تعكس بشكل دقيق الوضعية المادية الحقيقية للأسر والأفراد.
وفي ظل هذا الوضع نسرد حالة واقعية لرجل مسن، لا مورد له، يعيش على كرم المحسنين الذين يؤمنون له المأوى والزاد، لكن القدر لم يرحمه، فاضطر إلى دخول المستشفى للعلاج. تطلب وضعه الصحي تحاليل وفحوصات واستشفاء بتكلفة تفوق 3000 درهم، بينما هو عاجز عن تأمين معيشه اليومي، ناهيك عن تكاليف الجراحة المنتظرة. المفارقة الصادمة أنه غير مؤهل للاستفادة من AMO لأن "المؤشر طالع".. فهل المؤشر الذي يتأسس على نظام تقني أصدق من واقعه المعوز؟
أغلب الذين وجدوا أنفسهم خارج نظام AMO من فئات هشة، من ضحايا تقديرات تقنية لا تراعي خصوصيات الواقع الاجتماعي. فهل يعقل أن يقصى من التغطية الصحية من يعيش من التسول أو من مساعدات الأقارب؟
هنا تطرح عدة تساؤلات حول مدى دقة القواعد التقنية الرقمية المعتمدة، وجدوى غياب المرافقة الاجتماعية الميدانية على الحالات الخاصة، في الوقت الذي يجب ألا يقصى أحد من الحق في العلاج في نطاق غايات الدولة الاجتماعية.
لا أحد يشك في أن المغرب قد خطا خطوات جادة نحو إرساء الدولة الاجتماعية، لاسيما بإخراج القانون المتعلق بالحماية الاجتماعية، وتعميم AMO. فالأسس التي قامت عليها الدولة الاجتماعية يجب أن تضمن الكرامة للمواطن، لا سيما في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية...
وضع يتطلب مراجعة معايير الاستهداف الرقمي لمستحقي AMO، بإدماج البعد الاجتماعي الميداني بمؤشرات حقيقية.
مع فتح آلية تظلم فعالة وسريعة أمام من رفضت ملفاتهم لاعتبارات غير دقيقة، وتعزيز دور المساعدات الاجتماعية المحلية لتحديد الحالات الخاصة التي لا يظهر فقرها على الورق.
إن بناء الدولة الاجتماعية لا يكتمل بتعميم القوانين فقط، بل بمدى قدرتها على ملامسة الواقع اليومي للمعوزين، الذين يعيشون في صمت بين جدران الحاجة والعجز، دون تغطية.
فليكن المؤشر في خدمة الإنسان، لا في حرمانه من حقوقه الأساسية لاسيما الحق في العلاج.