Saturday 3 May 2025
سياسة

الهشومي: ما نطق به العبادي ليس إلا لإشعال الفتنة وشرعنة كل التصرفات الهمجية باسم الدين

الهشومي: ما نطق به العبادي ليس إلا لإشعال الفتنة وشرعنة كل التصرفات الهمجية باسم الدين

أكد الدكتور كمال الهشومي، أستاذ باحث في العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، صعوبة استيعاب منطق ومسلمات الفهم والإدراك التي يرتكز عليها أعضاء جماعة التوحيد والإصلاح بعد أن خرج زعيمهم محمد العبادي بدعوة إلى الخلافة، بل وجوب قطع رأس من يمتنع عنها. متسائلا في حوار مع "أنفاس بريس" حول كيف نظل مرتكنين إلى بعض الأحداث التي عرفت خصوصيات زمانية وبشرية وتعاملية، ونطبقها اليوم في ظل تعدد وتنوع الشعوب وتكاثرها، بتعدد وسائل العيش وباختلافها. ومن جهة أخرى، اعتبر كمال هشومي الأمر غير بريء ويدعو صراحة إلى ما يصطلح عليه بالفتنة وبشرعنة كل التصرفات الهمجية التي تقع باسم الدين أو المتوقع حدوثها، وهو ما يعبر صراحة كذلك عن خلفية ومشروع الجماعة ليس فقط بالمغرب بل على المستوى العالمي.

كيف تلقيتكم أنتم كأستاذ باحث تصريح عبادي والذي لم يقتصر فيه فقط على الحديث عن الخلافة بل وإقامتها بحد السيف وقطع الرؤوس والذبح والنحر؟

حقيقة كباحث يؤمن بمقاربة علمية في محاولة تحليل الخطاب، استغربت ولجأت مباشرة إلى الموقع الالكتروني المعني لأستمع وأشاهد تصريحات السيد عبادي، وفعلا من خلال برنامج حلقات الجماعة التكوينية عبر مجلس الحديث 6 من تأطير المعني بالأمر الذي قال:"...السعي لإعادة دولة الخلافة هي مسألة حياة أو موت، إنها أم المقاصد، إنها الفريضة الكبرى...لأن عليها يتوقف تنفيذ معظم الفرائض" وأضاف"...إقامة الخلافة على منهاج النبوة أمر ثابت بإجماع مطلق للمذاهب الأربعة وبناءا على النصوص القرآنية والسنة...." ويستند في ذلك على ما قاله عمر بن الخطاب "لا يجوز أن يبيت المسلمون أكثر من 3 أيام بدون حكومة إسلامية أي بدون خلاف.... وإذا بقي هناك مخالف فاضربوا عنقه كائنا من كان" ليختم "...ونحن كم مرت علينا من عقود بل من قرون والخلافة على منهاج النبوة غائبة...." إلى غيرها من الأشياء الكبيرة والخطير في نفس الآن على امتداد 32 دقيقة و44 ثانية والتي تحتاج فعلا إلى تحليل عميق وهادئ.

في الواقع من الصعب استيعاب منطق ومسلمات الفهم والإدراك التي يرتكزون عليها أعضاء الجماعة ومن والأهم في هذا الأمر، وإن كانوا يستعملون حجج نتقاسمها نحن كمسلمين، ولكن من الواجب علينا دعوة هؤلاء إلى تكييف الأحداث وأسباب النزول منذ آلاف السنين مع ما نعيشه ونحياه اليوم من تطور إنساني وإبداع بشري، هذا الاجتهاد والإبداع الذي يجد مرجعيته في ديننا وعقيدتنا بشكل كبير، فكيف نظل مرتكنين إلى بعض الأحداث التي عرفت خصوصيات زمانية وبشرية وتعاملية، ونطبقها اليوم في ظل تعدد وتنوع الشعوب وتكاثرها، بتعدد وسائل العيش وباختلافها، ألم تدعونا عقيدتنا إلى الاجتهاد وملائمة أوضاع حياتنا، نعم نتشبت بالمطلق من القرآن الكريم ولكن نجتهد في كل ما يرتبط بالمعاملات والتصرفات وفنون التدبير، اليوم لم يعد هناك مجال لا إلى القمع الدموي ولا إلى الإقصاء. حقيقة يصعب علي فهم مثل هذه العقليات التي تريد أن ترجع بنا آلاف السنين من أجل عيش حياة القهر والتخلف، ورفض كل ما يمكن أن يسمى إبداعا بشريا يتطلع إلى تغيير الأوضاع نحو أفق واضح ومستنير. ومن جهة أخرى ألا ينظر هؤلاء إلى ما آلت إليه بعض الدول من فوضى وتخلف في ظل ما يسمى بدولة "الخلافة" بزعامة "داعش"، أمثل هذا النموذج نريد أن نهجر عقولنا وعقيدتنا السمحة لنرتمي في براثن هذه الأوضاع والتي أقل ما يمكن أن نسميها بكونها همجية، وحياة غاب حيث لغة الدم والجنس هم السائدين. أعتقد أنه من حق المغاربة أن تكون لهم حرية الاختيار في شكل ونظم تدبير مجتمعهم ودولتهم، وهم الذين تعاقدوا منذ 12 قرنا على نظام لتدبير هذه الدولة، وحمايتها وأغلقوا باب الفتن التي يمكن أن تأتي لهم من باب الاجتهاد الفقهي الديني بشرعنة إمارة المؤمنين توافقا مع عقيدتهم الدينية وواقعهم الدنيوي، واعتبر الأمر غير بريء ويدعو صراحة إلى ما يصطلح عليه بالفتنة وبشرعنة كل التصرفات الهمجية التي تقع باسم الدين أو المتوقع حدوثها، وهو ما يعبر صراحة كذلك عن خلفية ومشروع الجماعة ليس فقط بالمغرب بل على المستوى العالمي بتكامل "شركائهم" حسب ما صرح به السيد عبادي.

بعض قوى اليسار تعاملت مع العدل والإحسان في عدد من الحركات الإحتجاجية، بل ومنها من حضر ندوات العدل والإحسان، فما هي الحسابات السياسية التي تحكمت في التعامل مع العدل والإحسان علما أنها كشفت من خلال تصريح عبادي أنها جماعة لا تؤمن بالديمقراطية وأنها امتداد لـ " داعش " وأن الحديث عن انفتاح الجماعة وإمكانية تحولها إلى قوة ديمقراطية لم يكن سوى وهم في أذهان البعض، فها هي ظلت تتشبث بنفسها كجماعة مختارة وتملك الحقيقة، مارأيك؟

أعتقد أن حتى داخل الجماعة هناك رأيين، رأي راديكالي متزمت لا يقبل التنازل عن برنامج عمله وخلفيته الكاملة، وتيار آخر يدعو إلى ضرورة تكييف مواقف الجماعة مع ما استجد اليوم وإن شكليا وظاهريا، حيث يعتبر أن كثلته الانتخابية الاحتياطية قد استفاد منها حزب إسلامي آخر وصل إلى السلطة، وهذا التيار هو من يربط علاقات ربما تبادلية قد ترقى أحيانا إلى التنسيق في بعض الواجهات بتبادل حضور الأنشطة، رغبة منهم في تلميع صورة الجماعة لدى بعض القوى الديمقراطية والدولة كذلك من باب التمويه وقاعة التقية من جهة، لكن من جهة براغماتية أخرى فإن التنسيق فيما يخص بعض المظاهرات والاحتجاجات تجدها الجماعة فرصة سانحة من أجل العودة إلى الشارع واستعراض قوتها بغض النظر عن من يدعوا لهذه المظاهرات، بشرط أن ترتبط بقضايا مجتمعية قد تتوافق ولو نسبيا مع الجماعة لكن تضمن لها احتلال الشارع، ومن الجانب الآخر فيما يخص القوى الأخرى تجدها مناسبة للضغط العددي بالشارع من أجل كذلك استعراض مصداقيتها بفضاء الشارع ولدى المواطن والمسؤولين، وهو ما اتضح جليا خلال حراك 20 فبراير، فلما استوعبت الجماعة بأن أهدافها الخفية لم تستطع إنجازها، نظرا لتجاوب أعلى سلطة في البلاد مع الميثاق التأسيسي للحركة وإشهاد المجتمع على ذلك، انسحبت وتركت الشارع، حتى لا تضفي شرعيا ما تم التوصل إليه من توافقات وإصلاحات.

ماهو المطلوب الآن من القوى الديمقراطية ومن المثقفين الذين يكتفون بتوجيه سهام النقد للأحزاب السياسية دون الاضطلاع بأدوارهم الحقيقية في الدفاع عن الديمقراطية وعن المساواة وقيم حقوق الإنسان؟

أعتقد أن المهام صعبة جدا في ظل وضع إقليمي غير سليم لا ينتج إلا ثقافة مطلقة أحادية تتكلم لغة القتل والإقصاء، فالواجب كل الواجب على المثقف ثم المجتمع المدني اليوم أن يلعبوا دورهم كاملا من أجل التوعية وترسيخ ثقافة الانفتاح والتسامح، وعلى الأحزاب أن تنتبه إلى أنها مركزة فقط على الصراع العمومي المرتبط بالانتخابات وإن كان أمرا مهما، لكن بدون تغيير العقليات بانفتاحها واجتهادها وإعطائها النموذج سيأتي اليوم الذي لا تنفع معه العودة ولا الإصلاح، وبطبيعة الحال فإن ذلك مرتبط بمواصلة الإصلاحات البنيوية على مستوى المؤسسات والمجتمع، مع العمل على إنهاء فترة الانتقال الديمقراطي إلى عملية الترسيخ الديمقراطي الذي لا مفر منه، ولتكن القاعدة أن الدين للجميع، وأن الوطن للمغاربة جمعاء وأن تدبير شؤون المجتمع لمن يصلح ويجتهد في إطار المنافسة الديمقراطية وتدبير الصراعات بشكل ديمقراطي وبكل سلم وتوافق.