إذا أسقطنا الجيش والعلماء والبوليس، نجد أن عبد الإلاه بنكيران سيؤرخ كأول مسؤول حزبي في تاريخ المغرب يبسط هيمنته على المغرب. فرغم أنه كان رئيس حكومة مسنودا بأغلبية برلمانية مريحة، إلا أن بنكيران كان معدوم الأذرع للتدخل في المجال اليومي للمواطن. وهاهي انتخابات 4 شتنبر 2015 تعطي لحزب العدالة والتنمية الفرصة ليصبح «الحزب الوحيد» تقريبا الذي يقرر في البلاد بعد أن حصل على5021 مقعد من أصل 31503 بالمغرب.
هذه النتيجة لا ترتبط بنسبة ما حققه آبناء عبد الإلاه بنكيران (15.9 في المائة ) بل بنوعية الاختراقات المحققة التي تتجلى في حصول العدالة والتنمية على الآغلبية المريحة في التجمعات الحضرية الكبرى. وهذا ما يستدعي الملاحظات التالية:
l أولا: لأول مرة سمحت هذه الانتخابات لحزب واحد بأن يسيطر على المدن الكبرى. فحتى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي سبق وهيمن على مدن المغرب في انتخابات 1960 لا يحق أن تقارن تجربته بالحالة الراهنة، لكون مغرب المرحوم محمد الخامس كان آنذاك فتيا وحديث العهد بالاستقلال، فضلا عن أن خزائن الجماعات المحلية كانت آنذاك كلها فارغة، بالإضافة إلى أن مغرب محمد الخامس كان مغربا قرويا بامتياز، ولم تكن للمدن قيمة أورهان سياسي يذكر. وإذا استحضرنا أيضا الاختصاصات المقزمة التي كانت ممنوحة لمنتخبي 1960 آنذاك سنلغي المقارنة نهائيا بين المرحلتين.
أما في مغرب محمد السادس فقد تمكن حزب العدالة والتنمية من تلوين الواجهة الأطلسية المغربية كلها باللون الأخضر (رمز الأحزاب الإسلامية) علما أن كل الثروات المادية والبشرية توجد بالواجهة الأطلسية التي كان يسميها الجنيرال ليوطي ب«المغرب النافع». ورغم أن المغرب يضم 1503 جماعة حضرية وقروية، فإن السماء أهدت لبنكيران هدية ذهبية، ألا وهي الأغلبية الكاسحة في الحواضر الكبرى.
ففي عشر مدن كبرى فقط (طنجة - القنيطرة - سلا - الرباط - المحمدية – الدارالبيضاء - أكادير وفاس - مكناس - مراكش) أصبح حزب بنكيران يتحكم في إدارة شؤون 48 في المائة من السكان الحضريين بالمغرب ككل. فهذه المدن العشر لوحدها تضم حسب إحصاء 2014 ما مجموعه 9845260 نسمة من أصل 20350805 يقطنون بالحاضرة.
وهذه الأرقام ليست اعتباطية، لأن بنكيران حينما عض على رئاسة المدن الكبرى بالنواجد وأدار التحالفات بنفسه، فلأنه يعي حجم الرهان الانتخابي، خاصة ونحن مقبلون على محطة انتخابية مصيرية (برلمان 2016). وبالتالي كلما اقترب حزبه من التكتلات الديمغرافية كلما ارتفعت أسهم «البيجيدي» في استقطاب ناخبين أو متعاطفين جدد (انظر افتتاحية هذا العدد). وهذا ما يقودنا إلى العنصر الثاني:
* ثانيا: اقتراع 4 شتنبر 2015 شكل فرصة لا تعوض، لأن المجالس الجديدة (بلديات + جهات) ستشكل مع انطلاق موسم مالي جديد، أي أن حزب بنكيران أمامه كل الأجواء لإعداد ميزانية المدن الكبرى وفق تصوراته وأولوياته حتى تتقاطع الأجندة المحلية مع الأجندة الحكومية، ويتحقق لحزب المصباح إحكام الطوق. بدليل أن بنكيران لم يبد أي حماس بشأن مصير الجماعات المحلية الصغرى أو المراكز الحضرية الهامشية. فرغم أنه حاز أغلبية مطلقة فيها أيضا، فإن «البيجيدي» لا تغريه رئاسة مجالس هذه الوحدات الإدارية الصغرى لسبب بسيط: ألا وهو أنها ستنهكه كحزب لكونها جماعات فقيرة وتقتات أصلا من منح الدولة، وسيصعب على منتخبي هذه الجماعات تلبية الانتظارات اليومية للمواطن.
* ثالثا: لن يعاني بنكيران مستقبلا في الغرفة الثانية مثلما عانى حينما كان مجلس المستشارين في قبضة خصومه. فحسب الدستور الجديد يضم مجلس المستشارين 120عضوا منهم 72 عضوا قادمين من الجماعات. وبما أن المصباح حصد5021 مقعد، فإن ذلك كفيل بأن يضمن له الفوز بحوالي 25 مقعدا أو 30 بشكل سيجعل منه «أقلية مزعجة للأغلبية بالغرفة الثانية».
*رابعا: استغل بنكيران كل الموارد المتاحة له (موارد دستورية + قانونية + رمزية) بشكل ذكي وبشكل يخدم الآهداف الاستراتيجية لحزبه. ففي مجال هيكلة الحقل الديني تم زرع أوتاد بنكيران في معظم المجالس العلمية ووسط الأئمة والخطباء والوعاظ فيما العائلات السياسية الأخرى (خاصة الاتحاد واليسار عموما) دخل في خصومة مع الموروث الديني للمغاربة مما جلب السخط على رموزهم وبالمقابل تجذر «البيجيدي» أكثر في المجتمع. وفي مجال هيكلة الحقل السياسي كان الرابح الآكبر هو حزب «لامبا» لأنه الحزب المؤطر والمنظم والذي تنضبط قواعده في البرلمان وفي المجالس المحلية، لدرجة أن تحديد العتبة في نسبة 8 في المائة أضرت كثيرا بالأحزاب الأخرى وأعطت شحنة إضافية لحزب العدالة والتنمية.
وها هو «العاطي ما يزال يعطي» إذ أن بنكيران، ومن موقعه كرئيس الحزب الحاكم يصيغ القوانين على مقاس أجندته ويخرجها وفق الجدولة الزمنية التي يحددها نفسه (بفتح النون والفاء) الحزبي، لدرجة أن القوانين الانتخابية الأخيرة تم إعدادها على عجل وتحت الضغط ولم تتمكن الأحزاب كلها حتى من قراءتها واستيعابها، فأحرى الوقوف على متاهاتها.
خامسا: كانت انتخابات 4 شتنبر مجرد تمرين لجس نبض الشارع ومعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف استعدادا لمحطة 2016. فهدف بنكيران ليس تغطية الجماعات والتحكم في مقاليدها فحسب، بل واكتساح البرلمان في الانتخابات المقبلة للحصول على 170 أو 175 مقعدا كي يحكم المغرب بدون تحالف أو تنازل لهذا الحزب أو ذاك.
وآنذاك قد يصبح حزب العدالة في وضع يطالب بتعديل الدستور (الفصل 172 وما يليه) ليتمم بنكيران دورته التحكمية على كافة مفاصيل الدولة مدنية وعسكرية.
ألم يقم أردوغان بنفس الأمر حين استتب له الأمر بالبرلمان!؟
مليون ونصف ناخب يمنح العدالة والتنمية «شيكا على بياض» في انتخابات 4 شتنبر
أحمد لفضالي
انتهت الانتخابات المحلية والجهوية فاسحة بذلك المجال لاستكمال البناء المؤسساتي الذي أعاد هيكلته دستور 2011، إذ بعد أيام قليلة سيخرج مجلس المستشارين إلى الوجود في حلته الجديدة، وقد تدخل وجوه جديدة إلى الحكومة وتغادرها تلك التي ستفضل التدبير الجهوي، وقد تأخذ المؤسسات التي نص عليها الدستور شكلها الحقيقي كالمحكمة الدستورية، وقد تخرج أيضا مؤسسات الحكامة الأخرى إلى الوجود. غير أنه يتبادر إلى الذهن سؤال يبدو لنا مشروعا وهو هل كانت ستكون نتائج هذه الانتخابات على هذا الشكل لو نظمت في سنة 2012؟ بطبيعة الحال لا أحد يعلم.
جمعت هذه الانتخابات لأول مرة في تاريخ المغرب بين انتخابين اثنين الجهة والجماعة، وبطبيعة الحال إذا كان الناس تعودوا المشاركة في الانتخابات المحلية، فهم لأول مرة يختارون من سيمثلهم على مستوى الجهات التي بوأها المشرع اليوم مكانة خاصة تختلف عما كان عليه الأمر في الماضي، حيث من المحتمل أن تكون بمثابة إعادة للنظر في النموذج التنموي بالمغرب برمته.
واعتمدت لأول مرة البطاقة الوطنية كوثيقة وحيدة تعتمد في التصويت وفي التسجيل. وبقدر ما سمح ذلك بتبسيط مسطرة التسجيل، التي أصبح بالإمكان القيام بها عبر الإنترنيت، سهل الأمر على الإدارة في مجال تدبير الاقتراع، حيث إن اختفاء بطاقة الناخب التي كانت تثير مشاكل لا عد ولا حصر لها، جعل الأطقم الإدارية لمكاتب التصويت تولي اهتمامها للأمور التنظيمية، حيث لم تعد عملية التصويت تتطلب وقتا كثيرا مثل ما كان عليه الأمر في الماضي، وبذلك يكون أحد أسباب التوتر الذي كان يسود أحيانا داخل المكاتب قد استبعد، ناهيك عن أن ذلك كان يسهل أيضا العديد من الممارسات غير القانونية الأخرى التي يستحسن الترفع عن ذكرها مادامت هي جزء من الماضي. ولعل استعمال البطاقة الوطنية جعل الانتخابات تبدو أقرب إلى المنطق الديمقراطي، وباتت أكثر تحصينا؛ ذلك أن بطاقة الناخب كانت تحدث وساطة إضافية بين المواطن والتعبير عن رأيه، وهذه الوساطة كانت بالإضافة إلى سوء استغلالها أحيانا، يسيء وجودها إلى العملية الانتخابية، خاصة عندما يكتشف وجود بطاقة لشخص فارق الحياة. كما اعتبر أيضا استعمال البطاقة الوطنية في عملية الانتخاب تأكيدا لخطاب الإدارة ورغبتها في تبسيط المساطر الإدارية وإلغاء عدد من الوثائق التي لم يبق لها سبب وجود مشروع.
أكدت هذه الانتخابات أن الأحزاب التي استعدت لها بشكل جيد، وأخذتها مأخذ الجد هي التي تفوقت فيها، كما تأكد أن من يبدأ الاستعداد لها في وقت مبكر، مع ما يتطلبه ذلك من توظيف للموارد البشرية المحترفة، هو من يستطيع خوضها من موقع قوة، وبطبيعة الحال من الصعب جدا مستقبلا على أي حزب لا يتوفر على آلة انتخابية حقيقية وفعالة أن يتبوأ مكان الصدارة. وبطبيعة الحال هذه الآلية هي التي يمكن أن تطور وتبحث في الكيفية التي يتم بها التواصل مع المواطنين. لقد باتت الشبكة العنكبوتية تتيح ما لم يكن متوفرا في الماضي، وقربت مواقع التواصل الاجتماعي المسافة بين السياسي الذي يتقن ذلك وبين المواطنين، خاصة الناخبين المفترضين الذين هم في وضعية تردد، لكنها تبقى دائما في حاجة إلى الموارد البشرية القادرة على التفاعل، وبلورة الخطاب والتوظيف السياسي لكل ما هو ممكن، إذ لا يكفي الحزب اليوم أن يحدث موقعا إلكترونيا أو صفحة في أحد المواقع، يزينها بصور زعيم الحزب وبعض أعضاء المكتب السياسي ولا يجدد ذلك إلا من وقت لآخر ليظن أنه يتواصل مع المواطنين بشكل عصري، بل يتطلب الأمر جيشا إلكترونيا منظما، لكل فئة منه مهمتها الخاصة، هناك من يخطط ومن يدافع ومن يهاجم ومن يسهر على توفير اللوجستيك، وكأن الأمر يتطلب خوض معركة حقيقية، تستمر ليلا ونهارا، تبدأ من القدرة على صنع الكاريكاتير والتعليق عليه، مرورا بدغدغة المشاعر حول بعض القضايا الحساسة، ونقل صور حية مؤثرة، والبحث عن السبق في تقديم الخبر، وتحليل المعطيات، والرد على الخصوم إلى غير ذلك من التقنيات التي توظف على هذا المستوى. كما أن هذه الآلة الانتخابية من الضروري أن تكون قادرة على بلورة نوع من عمل القرب الدائم والمستمر، الذي يشعر فيه المواطن أن هناك جهة ما تهتم به حتى وإن كان لا يكتشف حقيقتها إلا في الحملة الانتخابية. ولهذا فالأحزاب التي تنتظر إلى حين الإعلان عن موعد الانتخابات لتشرع في التحضير لها قد تصاب بخيبة الأمل.
وبالموازاة مع ذلك باتت تتطلب الانتخابات المحلية جيشا من المرشحين، يخضع للضوابط ويقبل أفراده بالتراتبية التي يمليها نظام اللوائح المعتمد بالأخص في المدن، حيث يكون على البعض أن يقبل بما بات يعرف بالترشيح النضالي الذي يعرف صاحبه منذ البداية أن لا أمل له في الفوز بالمقعد. وبقدر ما تمكنت الأحزاب التي أعدت العدة في وقت مبكر من التجاوز النسبي لهذا المشكل، شكل ذلك عقبة أمام أحزاب أخرى، ودفعها إلى الاستعانة بالغاضبين المنسحبين من الأحزاب الكبرى التي لم تلب مطالبهم، وكذلك بأشخاص يقبلون باستعمال معطياتهم الشخصية لاستكمال النصاب، مما جعل بعض اللوائح موضوعا للتندر من طرف المواطنين، لمعرفتهم بهذه الحقائق من جهة ولكن أيضا لشعورهم أن هذه الأحزاب تستخف بهم.
إن من شروط تأسيس الحزب السياسي أن يكون على الأقل 300 من الأعضاء المؤسسين موزعين على ثلثي عدد الجهات، ومعنى ذلك أن الحزب عندما يمتلك شرعية الوجود، فعليه أن يكون قادرا على تأطير المواطنين عبر كافة البلاد. وعند الحديث عن التأطير فالمراد به القدرة أيضا على تحسيس الناس بأهمية الشأن المحلي ومساعدتهم على الترشح والتنافس على تدبير الجماعات. غير أن المتتبع لهذه الانتخابات وعلى هذا المستوى بالضبط سيصاب بالدهشة، ذلك أن عددا من الأحزاب لم تقدم إلا قلة قليلة من المرشحين مما بات يطرح سؤالا ملحا حول ضرورة تأهيل الأحزاب على كافة المستويات لمجاراة الدينامية التي أحدثها دستور 2011.
لعل هذه الانتخابات تكون قد أكدت للمرة الثانية في تاريخ المغرب أن مسألة ضمان نزاهة الانتخابات التي انطلقت مع الانتخابات التشريعية لسنة 2011 باتت ملازمة للانتخابات، حيث باتت الإدارة تبحث عن أفضل السبل والوسائل التي تيسر إجراء العملية الانتخابية، أكثر مما تميل إلى هذا المرشح أو ذاك، وبات يسكنها هم الإنجاز وجودته أكثر من الاهتمام برسم الخرائط الانتخابية، غير أن هذا لم يؤد إلى الاختفاء النهائي للاحتجاج ، خاصة عند وقع المفاجأة الذي أحدثته بعض النتائج غير المنتظرة.
لقد انتهت الانتخابات، فما الذي يمكن قوله حول الخريطة السياسية؟
اعتقد الكثيرون أن الناخب المغربي سيتصدى لمحاسبة حزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي، منذ أربع سنوات، وإن كان منطق الأشياء يقتضي أن ينصرف المواطن لمحاسبة القوى السياسية التي كانت تدبر الجماعات المحلية عقب انتخابات 2009. غير أن الناخب المغربي لم يقم بأي من ذلك، فحزب الأصالة والمعاصرة الذي كان قد حصل على أغلبية المقاعد أضاف 640+ بينما حزب العدالة والتنمية ضاعف عدد مقاعده بأكثر من ثلاث مرات. وإذا ما نحن أردنا أن نقارن من الناحية الكمية الإجمالية بين ما حصلت عليه كتلة الأغلبية وكتلة المعارضة، فإنه يبدو من خلال الجدول أدناه أن المعارضة هي التي تفوقت في هذه الانتخابات، وهذا قد يؤول على أنه محاسبة للأغلبية الحكومية. غير أنه عند الشروع في التدقيق في ما حصل عليه كل حزب على حدة، ومقارنة ذلك مع نتائج سنة 2009 سيبدو الأمر مختلفا تماما، حيث سيتضح بشكل جلي أن الحزب الذي استفاد من هذه الانتخابات بشكل واضح هو حزب العدالة والتنمية، وحلفاؤه الذين تقدموا جميعهم في الانتخابات عما كانوا عليه في سنة 2009، في الوقت الذي تراجع فيه مكونا المعارضة الأساسيان الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، حيث فقد الأول 570 مقعدا وتراجع الثاني بـ 186 مقعدا، فهل يمكن القول إن الناخب عاقب هذين الحزبين فقط.
قد يبدو ذلك منسجما مع بعض النتائج، ففاس التي كانت قلعة لزعيم حزب الاستقلال أفرزت نتائج غير متوقعة لصالح حزب العدالة والتنمية، ومدينة الرباط والدار البيضاء التي كانت من قلاع الاتحاد الاشتراكي واصل تراجعه داخلها بشكل ملفت للنظر منذ عام 2003 إلى اليوم. ومن تم يمكن القول إن الأحزاب التي عانت صعوبات تنظيمية صعب عليها إلى حد ما تدبير الانتخابات بشكل سليم على مستويات متعددة، والعكس تماما بالنسبة لتلك التي دخلتها وصفوفها متراصة، حيث خاضتها بأريحية كبيرة.
لقد انتهت الانتخابات وستتفرغ الأحزاب السياسية إلى إخراج المكاتب المسيرة لشؤون المواطنين المحلية والجهوية وستساعد النتائج التي حصلت عليها كل كتلة على بناء مكاتب منسجمة مع طبيعة التحالفات الموجودة على المستوى الوطني، غير أن عملية التأسيس هذه قد تدفع حزب العدالة والتنمية إلى التنازل عن قيادة بعض المقاطعات أو الجماعات لحلفائه، بالرغم من أن عدد المقاعد التي حصلوا عليها قليلة، وفي هذه الحالة فالمواطنون قد لا ينظرون إلى ذلك بعين الرضا. لم تعد تفصلنا عن الانتخابات التشريعية إلا سنة واحدة، وإذا كانت الانتخابات المحلية والجهوية التي تسبق تعتبر مؤشرا في الأنظمة الديمقراطية حول من سيفوز في الانتخابات التشريعية التي تليها، فإن تأسيس المجالس يعتبر هو المدخل السليم للفوز بهذه الانتخابات، خاصة وأن الناخبين لم يمنحوا شيكا على بياض، إذ كثيرا ما أكدت التجارب على المستوى العالمي أن المواطنين قد ينقلبون بسرعة وأن دوام الحال في الديمقراطية من المحال. وفي الختام هل يمكن القول اليوم إن الانتخابات بعد أن حسمت مسألة النزاهة يمكن في المستقبل أن تعيد هيكلة الحقل السياسي المغربي، قد يكون الأمر صحيحا، للاعتبارات التالية:
* نلاحظ اليوم تكتلين يقود كل واحد منهما حزب قوي يغيب عنهما الانسجام الإيديولوجي، ولكن توحد بينها أمور أخرى، وكل تكتل يضم نخبا جديدة، حيث إن 70% من المرشحين هم جدد، والحقل السياسي المغربي في حاجة إلى دماء جديدة تكون قادرة على رفع التحديات المطروحة في المجال التنموي.
* سيتحول تدبير الشأن المحلي إلى مدرسة حقيقية لتكوين النخب لا على مستوى بلورة الأفكار، ولكن أيضا على مستوى التنفيذ. غير أن ذلك لا بد وأن يمر عن طريق الانتخابات، وهو ما سيعيد إلى السياسة نوعا من التوهج الذي افتقدته.
*لقد أخذت صورة السياسة في المجتمع المغربي تتغير، غير أن ما يلاحظ هو هيمنة الخطاب الأخلاقي، الذي يبقى مهما في المجال السياسي ومدخلا لمحاربة التصور الذي يجعل السياسة نشاطا مدرا للدخل وجني الثروات.
محمد فقيهي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق بفاس
غرور الاستقلاليين وإقصاء عائلات فاس تسببا في إسقاط حميد شباط
حاوره: هشام ناصر
محمد فقيهي
* كيف تقرأ اكتساح حزب العدالة والتنمية للانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، وضمنها جهة فاس- مكناس؟
** لابد من الإشارة أولا، أن الانتخابات الأخيرة مرت في ظروف عادية عموما، سجلت بطبيعة الحال بعض المناوشات وبعض الشكايات التي عرضت أمام انظار القضاء، ورغم شراسة الحملة الانتخابية التي أخذت كما هو معروف طابعا وطنيا وليس طابعا محليا، حيث تحدث زعماء الأحزاب خلال الحملة الانتخابية عن برامج الأحزاب وما لم تحققه الأحزاب المعارضة، وهو ما ترتب عنه بعض الملاحظات الأخرى التي سوف تأتي في ما بعد. النتائج المترتبة عن هذه العملية أتت بأشياء كانت متوقعة بطبيعة الحال، حيث سيكون للعدالة والتنمية دور ريادي في الانتخابات الأخيرة، ولكن المفاجآت من العيار الثقيل كانت هي اكتساح حزب العدالة والتنمية بشكل فاجأ الجميع وفاجأ حتى المختصين في لغة الأرقام والتحليل السياسي المختصين في العلوم السياسية أو في علم الإجتماع السياسي، حيث تحدث بعض الأساتذة عن التصويت العقابي ضد حزب العدالة والتنمية علما أن سياسات هذا الحزب داخل الحكومة القائمة على إرضاء المؤسسات الدولية في ما يخص العلاقات الدولية للمغرب، سواء في ما يتعلق بخريطة المغرب الاقتصادية على مستوى السياسات الدولية، أو السياسات الداخلية التي توجهت إلى إرضاء التوازنات الماكرو-اقتصادية وليس الحفاظ على مستويات معينة من القدرة الشرائية للمواطنين، حيث كانوا يتوقعون تصويت المواطنين ضد حزب العدالة والتنمية، لكن حدث العكس. وإذا رجعنا إلى مفهوم التصويت العقابي، فالمواطن لم يعاقب الحزب الذي يمارس السلطة الوطنية على مستوى رئاسة الحكومة وإنما عاقب الأحزاب التي كان على عاتقها تدبير الشأن المحلي، وهذا ما جعل حزب العدالة والتنمية يكتسح بهذه الطريقة.
* ماذا عن السقوط المروع للأحزاب التقليدية وضمنها أحزاب اليسار مقابل الصعود المستمر للإسلاميين بفاس ومكناس وغيرهما؟
**الصراع بين حزب العدالة والتنمية وحزب الإستقلال هو صراع تقليدي. ففشل التجربة الحكومية الأولى حدث بسبب الصراع الذي كان يدور بمدينة فاس بين العدالة والتنمية وحزب الإستقلال، إذن ما وقع في فاس في 4 شتنبر هو جواب عن مسلسل من الصراعات بدأت تبرز منذ ما يزيد على 10 سنوات بمدينة فاس، وما وقع في فاس كانت له تداعيات على المستوى الوطني، فشل التجربة الحكومية الأولى وانهيار حزب الإستقلال في معقله الذي هو مدينة فاس، والمسألة هنا لا تتعلق فقط بصراع بين حزبين خرج أحدهما منتصرا والآخر مكسورا، ولكن يعود أيضا الى التنظيم الداخلي لكل حزب ولتعاطيه مع العملية الإنتخابية ككل. فإذا كان رهان حزب العدالة والتنمية بمدينة فاس هو تنظيم صفوفه ورص تلك الصفوف من أجل معركة حامية الوطيس. فحزب الاستقلال كان واثقا من نفسه بشكل مبالغ فيه، فحتى طريقة توزيع المواقع على مستوى اللوائح الانتخابية عرفت صراعا مريرا جدا وانتهى هذا الصراع بخروج عدد من الرموز الاستقلالية من الحزب التي تحولت إلى عناصر مناوئة للحزب، وهي التي كانت إلى غاية الأمس القريب عاملا من العوامل الأساسية لصمود وقوة حزب الاستقلال. إذن هذه الانقسامات الداخلية التي حدثت في آخر لحظة أدت إلى اندلاع حملة ضد حزب علال الفاسي من عقر داره، وأعضاء حزب الاستقلال بفاس يتحدثون عن عدد من المشاكل التنظيمية بالحزب، ومنها إقصاء العائلات الاستقلالية التي كانت تصوت تقليديا لصالح حزب الإستقلال، ولا ننسى أيضا أن منظمة بلا هوادة الإستقلالية حتى النخاع قد صارعت بلا هوادة ضد حزب الاستقلال، هذه العوامل التي تحدتث عنها: الثقة الزائدة، الانشقاقات، الإحباطات هي التي أدت الى فشل حزب الإستقلال في الإنتخابات الأخيرة.
* ولكن بمكناس، حزب الإستقلال لم يكن حاضرا في تدبير الشأن المحلي، ولا حتى الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية ومع ذلك سجل فشلها في نيل ثقة الناخبين، فكيف تقرأ هذا التراجع؟
** لابد من الإشارة إلى وجود صراع خفي بين أهل فاس وأهل مكناس، وقد اتضحت معالم هذا الصراع خلال الإعداد للتقسيم الجهوي الجديد لجهة فاس- مكناس، وبناء عليه لوحظ نوع من الحذر من حزب الاستقلال بمدينة مكناس، كما أن حزب الاستقلال ومنذ زمن طويل لم يكن حاضرا بقوة بمدينة مكناس، فيما باقي الأحزاب التقليدية لها بعد قروي بجهة فاس- مكناس، والقطبان الحضريان فاس ومكناس لا يمثلان إلاء جزءا فقط من ساكنة الجهة. لابد من الإشارة أيضا إلى ملاحظة أساسية ظهرت من خلال نتائج الاستحقاقات الأخيرة، هي أن الأحزاب التي بإمكانها اختراق العالم القروي هي التي حققت أكبر عدد ممكن من النتائج. وبناء عليه، الأحزاب الصغرى والأحزاب ذات النكهة الحضرية المحضة لا تستطيع أن تنافس الأحزاب التقليدية في العالم القروي. إذن انحسر تأثير هذه الأحزاب وتراجعت نتائجها باستثناء حزب التقدم والإشتراكية الذي حقق تقدما طفيفا في هذه الانتخابات نظرا لوجوده في الحكومة ونظرا للحملة الانتخابية التي قام بها زعيم الحزب، والتي كان لها تأثير واضح، إذ أظهرت أن هذا الحزب ذي التواجد الحضري تقدم على مستوى النتائج الوطنية من 4 في المائة إلى 5.61 في المائة.
*كيف تنظر لبعض التحليلات السطحية التي تسلط الضوء أكثر على مشاكل المواطنين بالعالم القروي، في حين أن العديد من المواطنين بهوامش المدن وبمدن الصفيح يعانون من مشاكل تفوق بكثير نظرائهم بالعالم القروي، وماذا عن طبيعة تعامل الأحزاب مع العالمين الحضري والقروي خلال الاستحقاقات الانتخابية؟
** أتفق معك.. فالتهميش يطال بنفس الدرجة وبنفس الحدة المواطن في العالم القروي وأيضا في العالم الحضري. وما يجعل تعامل الأحزاب مختلفا مع العالم القروي هو الإحتياجات الخاصة بالعالم القروي والانتظارات الكبيرة في العالم القروي في ما يخص تدخل الدولة وتدخل الجماعات وغيرها. وبالتالي هذه الانتظارات هي التي تفرض التدخل القوي للدولة والجماعات المحلية. أما في ما يخص المواطن في العالم الحضري فرغم الفقر والتهميش فله من الوسائل والطرق التي تمكنه من التخفيف من وطأة الوضع. فالمجتمع المدني مثلا يمكنه تعويض حضور الدولة وحضور المؤسسات أحيانا، والفقر والتهميش يبقى وصمة عار في جبين الدولة والمؤسسات والجماعات الترابية التي تحاول التخفيف من الوضع حسب قدراتها والإمكانات المتاحة لديها، وهذا ما يجعل المواطن في العالم القروي والمواطن في الحاضرة يختلفان في ما يخص انتظاراتهما، ومن حيث خضوع هذه الاحتياجات للتدخل من طرف المؤسسات الرسمية. وبالتالي فالتعامل مع العملية الانتخابية يكون متغيرا. فالأحزاب الكبرى التي حققت نتائج هامة على المستوى الوطني، وعلى سبيل المثال حزب الأصالة والمعاصرة، لها سهولة في التعامل مع القروي من خلال نظام الأعيان الذي يعتبر وسيطا بين الدولة وبين المواطن ويعوض ما تقوم به جمعيات المجتمع المدني في الحواضر. إذن فخلال العملية الانتخابية نظام الأعيان المحليين هو الذي يتناول بطبيعة الحال عملية التأطير الانتخابي، وهو الذي يعتبر مشتلا للأحزاب الكبرى وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة الذي يستطيع بسهولة اختراق العالم القروي بناء على هذه المعطيات، علما أنه شبه مغيب في المناطق الحضرية. أما حزب الاستقلال الذي كان ينأى عن التعامل مع نظام الأعيان في وقت معين، وكان يطالب بنظام الإقتراع النسبي باللائحة في بداية الإستقلال أصبح في نهاية المطاف يطالب بنظام الإقتراع الأغلبي عبر دورتين بناء على وجوده وتواجده في العالم القروي وتعامله مع السهل مع نظام الأعيان، والاكتساح الذي حققه حزب الإستقلال بالمناطق القروية بتاونات وبالمناطق القروية عموما على عكس تماما ما وقع في فاس هي تأكيد واضح لما أقوله الآن، والتناقض الحاصل بين النتائج النهائية التي حققتها الأحزاب ونتائجها بالحواضر الكبرى يؤكد ما أنا بصدده الآن، أي أن اختراق العالم القروي يعطي للحزب الذي استطاع ذلك تقدما ملحوظا وبارزا على مستوى النتائج النهائية، ولو أن حزب العدالة والتنمية بالنتيجة التي حققها كانت له القدرة على اختراق العالم القروي لكانت النتيجة أكثر من التي حققها الآن، ولابد من التذكير بأن حزب العدالة والتنمية هو شبه غائب في العالم القروي، حيث أن ما قيل في الاستحقاقات الانتخابية لعام 2002 بأن حزب العدالة والتنمية قدم ترشيحات محدودة لأنه لم يرد أن يحقق الاكتساح مجرد ادعاء. فحزب العدالة والتنمية لم يكن له في ذلك الوقت أي وجود في العالم القروي. فلقد قمت بدراسة في علم الإجتماع الإنتخابي بعمالة زواغة مولاي يعقوب ولاحظت أن حزب العدالة والتنمية في منطقة تبعد بست أو سبع كيلومترات عن فاس لم يحقق أي نتيجة انتخابية، حيث أن مرشح العدالة والتنمية حصل على صوته وصوت زوجته.
* هناك الآن حديث عن السيناريوهات الممكنة بعد اكتساح «البيجيدي» لجهة فاس - مكناس، فما رأيك بهذا الخصوص؟
**في ما يخص الإنتخابات الجماعية فالمسألة محسومة، فحزب العدالة والتنمية ليس في حاجة إلى أي تحالف سواء في مدينة فاس أو في مدينة مكناس، لكن تبقى السيناريوهات مطروحة بالنسبة لمجلس جهة فاس- مكناس، فقد يريد حزب العدالة والتنمية إرضاء بعض حلفائه في إطار الحكومة ومنحهم جزءا من الرصيد الذي حققه، وقد قرأت عن وجود ضغط من العسالي على الأمين العام للحركة الشعبية من أجل تولي محمد أوزين لمنصب رئيس جهة فاس- مكناس، وإذا وقع هذا فسيكون كارثة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، فملف أوزين وإن طوي بالطريقة التي طوي بها وكتمت أنفاس الكثير من التساؤلات التي حامت حول تدبيره للشأن العام كوزير سابق للشباب والرياضة، وفي جميع الديمقراطيات التي نتحدث عنها الشخص الذي يفشل في تدبير العملية الإنتخابية ولا يحصل حتى على مقعده على مستوى جماعة قروية نائية، فكيف تكون له شرعية لتدبير شؤون جهة كبرى من حجم جهة فاس- مكناس!! (الحوار أجري يوم 6 شتنبر - المحرر) أما في ما يخص أشخاصا آخرين وعلى رأسهم الأمين العام للحركة الشعبية، فإذا استطاع حزب العدالة والتنمية أن يقنع مناضليه بتولي هذا الشخص لمنصب رئيس الجهة، فشخصيا لا أرى أي مانع من توليه لهذه المسؤولية ما دام القانون لا يمنع ذلك، وبالتالي فحفاظا على التحالفات داخل الحكومة فقد يكون لحزب العدالة والتنمية كرم وأيضا شرف تقاسم النتائج الانتخابية مع حلفائه كتصرف ديمقراطي.
* وماذا عن سيناريو قيادة جهة فاس- مكناس من طرف حزب المصباح في شخص الأزمي؟
** الأزمي كان هو وكيل لائحة المصباح بفاس. وبالتالي فاسمه يبقى واردا ضمن السيناريوهات المطروحة، فهو الذي قاد العملية الانتخابية وقدم الوعود للناخبين، وهو من وضع البرنامج الانتخابي، كما أنه ابن مدينة تاونات الذي يفتخر دائما بانتمائه لمدينة فاس وبكونه درس بكلية الحقوق بفاس، وهو يزور دائما هذه الكلية في إطار ندوات وأعمال علمية من ذات تخصصه في وزارة المالية، وأنا أعتقد بناء على النتائج التي حصل عليها الحزب هو المؤهل لرئاسة مجلس مدينة فاس وأيضا رئاسة مجلس جهة فاس- مكناس. لكن السؤال الذي يطرح هو هل بإمكانه القيام بكل هذا، خاصة ونحن على أعتاب منظومة جهوية جديدة وبثقلها وبالاختصاصات التي حصلت عليها الجهة، والإمكانيات المالية الضخمة التي نرجو أن تكون بناء على ماورد في القانون التنظيمي للجهة؟ وبالتالي فالشخص الذي سيدبر شؤون الجهة ينبغي أن يكون حاضرا ومراقبا ومتتبعا بطريقة تكاد تكون يومية، لأن رئيس الجهة هو الآمر بالصرف الآن. وأعتقد أن تولي الأزمي لشؤون جهة فاس- مكناس يفرض عليه تقديم استقالته من مهامه المركزية.
بعد طرده من معاقله واستنجاده بـ«الأعيان» و«الحربائيين» إدريس لشكر يحول الاتحاد الاشتراكي إلى حزب «فلول» و«أشباح»
إدريس لشكر
ترتيب الاتحاد لاشتراكي سادسا في قائمة الفائزين في انتخابات رابع شتنبر لا يعني شيئا بالنسبة لمسلسل التصدع الذي دخله الحزب منذ المؤتمر السادس (2001) وعمقه المؤتمر الأخير (2012). ذلك أن الاتحاد قد عودنا دائما على احتلال نفس المنطقة تقريبا كلما تعلق الأمر باستحقاق جماعي. لكن المعطيات التي تقول كل شيء بالنسبة لحاضر الحزب ومستقبله تهم الحقائق التالية:
الأولى: تأكد اندحاره في أكبر المدن التي كان يحكمها الاتحاد منذ بدء المسلسل الانتخابي سنة 1976ـ 1977، فالنتائج الحالية طردته من مدن تطوان والدارالبيضاء وأكادير وفاس ومكناس والرباط ووجدة، بعد أن كان مطرودا أصلا وبنسبة عالية من البوادي. وهي التي كانت معاقله الرئيسية مع ما يعنيه ذلك من خسران الاتحاديين لقطاعات واسعة من المواطنين الشبان، ومن مكونات الطبقة الوسطى.
الحقيقة الثانية تؤكد فشل أطروحة «أغينة» الحزب (نسبة للأعيان) التي انخرط فيها الاتحاد من خلال استجلاب رموز المال والحظوة إلى لعبة التنافس الانتخابي. والمأساوي في تبني هذه الأطروحة يتمثل في كون اختيار «الأعينة» يعني قبول «سيدي علي بوغالب بقلالشو». الأعيان ليسوا بطبيعتهم منضبطين للقرارات المركزية للحزب، إنهم الكائنات المدللة التي لا تؤمن بالمركزية الديمقراطية، أو بتدرج القرار الحزبي لأنها مخلوقات حربائية تتمتع بالقدرة على الاكتساء بكل الألوان دفعة واحدة. هذا ما يفسر مثلا لماذا يأتي شباعتو من الحركة الشعبية، ثم يعود إليها أو إلى غيرها، ولماذا يأتي الدرهم من الأحرار ليعود إليهم، وقس على ذلك. وتصبح «الأغينة» أمرا كارثيا حين يزكي الحزب أسماء لا يمكن أن يقبلها العقل الاتحادي مهما كانت قيمة المقاعد واستراتيجيها الانتخابية. ومقابل ذلك نسجل عجز الحزب عن إيجاد إمكانيات مبتكرة لخلق نخب جديدة في المدن والقرى.
الحقيقة الثالثة التي تكشفها النتائج الأخيرة تهم الترهل التنظيمي للاتحاد بعد عجزه عن تدبير ملفات خلافاته الداخلية. وستبدو الأخطاء قاتلة حين يقرر حزب إدريس لشكر التخلي عن طارق القباج وزملائه في تيار الانفتاح والديمقراطية. والنتائج تؤكد خطورة هذا القرار على الأداء الانتخابي للحزب الذي لم يعد له موطئ قدم في أكبر المدن المغربية. مثل هذا القرار لم يضيع فقط جزءا من روافد الحزب (تيار أحمد الزيدي)، لكنه دفع بقطاع واسع من أعضاء الحزب إلى البعد عن التنظيم، وإلى البعد عن دعم الحزب في حملته الانتخابية لأنه يرفض تحول حزب مبدئي إلى حزب انتخابي يعتمد الأعيان، ويحل خلافاته التنظيمية بالإقصاء والإلغاء. وإذا أضفنا إلى ذلك ضمور الحزب مذهبيا، وعجزه عن صياغة ملائمة لأطروحات المركزية للحزب بخصوص تجديد الخط الاشتراكي والديمقراطي الداخلية، وعجزه كذلك عن القيام باكتساح مناطق جديدة في النسيج الوطني، خاصة ما يهم مكونات المجتمع المدني، وقطاع المقاومين وجيش التحرير، وقطاع المثقفين والفنانين الذين كانوا دائما السند الأساسي لنشاط الحزب. وبدون شك فالنتائج الحالية ستعمق مشاعر التذمر والاستياء في وسط الاتحاديين. وقد برزت ملامح ذلك في إعلان عدد من قياديي الحزب محليا ووطنيا عن قرارات الاستقالة من مهامه، أو الاكتفاء بالدعوة إلى ممارسة النقد والنقد الذاتي عبر قراءة موضوعية للنتائج على ضوء الوضع التنظيمي والسياسي للحزب، عوض تعليق الفشل على مشجب الآخرين بالقول إن ذلك يعود إلى هيمنة المال، وإلى اعتماد حزب العدالة والتنمية خطاب الحقد والكراهية. فهل يعمل الاتحاد على تبني هذه القراءة كما يطالب بذلك أعضاؤه، أم أنه سيسير في اتجاه تكريس «سياسة النعامة»، وبذلك سيضاعف من خساراته ليجد نفسه في الاستحقاق البرلماني القادم رقما شبحيا في سلم الترتيب الحزبي والسياسي.
ذ.الحسين بكار السباعي، محامي وحقوقي
حزب العدالة والتنمية عاقب رؤوس الفساد بجهة سوس
ذ.الحسين بكار السباعي
تقويم حصيلة الانتخابات بجهة سوس ماسة يستدعي منا الحديث عما قبل الانتخابات، حيث أعطى الملك في خطابه إشارتين بدعوة المواطن للتصويت واختيار المرشح المناسب بكل مسؤولية. الدولة ادن من خلال الخطاب الملكي وضعت أسس تدبير الانتخابات بإعطاء المواطن حق تدبير شؤونه بشكل مستقل ووضعت خريطة طريق للاستحقاقات الانتخابية، والعدالة والتنمية التقط الإشارتين وعمل على الإعداد للانتخابات بجد ومسؤولية من خلال اختيار المرشحين ووضع استراتيجية للحملة الانتخابية.
الحملة الانتخابية بدورها كانت واجهة للتقييم، حيث كانت حملة العدالة والتنمية الانتخابية متميزة ، بينما الأحزاب الأخرى لم تتحرك إلا نسبيا وبشكل عشوائي.
فوز حزب المصباح بين أن خطاب الحزب وقوته التنظيمية كان منسجما مع طموحات الحزب في اكتساح عدد من المجالس بجهة سوس ماسة التي عشعش فيها الفساد وكانت تدبر من الأطراف الأعيان ونخب حزبية مهترئة، كما أن المواطن المغربي كان واعيا بضرورة التغيير، وعاقب العديد من الشخصيات السياسية التي عمرت طويلا في الجلوس على كراسي عدد من المجالس، مما دفعه لإعطاء أصواته لهذا الحزب.
هذه الحملة أعطت أكلها بجهة سوس كباقي جهات المملكة، لأن عمل العدالة والتنمية قبل الانتخابات وأثناءها أجاب عن طموحات العديد من الفئات الشعبية الطموحة للتغيير بعد سنوات من الركود السياسي في مجال تدبير الشأن المحلي. مما يؤكد بالملموس النضج الفكري والسياسي بالحواضر، رغم أن بعض البوادي بالجهة عرفت تكرار تجارب سابقة في الانتخابات من توزيع المال الحرم واستعمال أساليب عتيقة في الدعاية الانتخابية باعتماد القرابة والقبلية وترشيح الأعيان في استمالة أصوات الناخبين.
التجاني الهمزاوي، فاعل جمعوي وحقوقي
تطور حصيلة حزب العدالة والتنمية سببها قيادة الحزب للحكومة
التجاني الهمزاوي
بخصوص تقديم الترشيحات والحملة الانتخابية يمكن تسجيل استمرار نفس السلوكات ونفس الوضعية، بما في ذلك التوترات الداخلية بالأحزاب والترحال وترشيح الوافدين الجدد خاصة من الأعيان وتكرار نفس الوجوه، وكذلك نفس الوسائط في التواصل والتعبئة للتصويت الملصقات، (مجموعات المياومين، التجمعا...إلخ).
أما بخصوص النتائج فلا يمكن تقديم إلا ملاحظات أولية نظرا لغياب معطيات رقمية من قبيل عدد الأصوات لكل حزب ونسب المشاركة المحلية والأصوات الملغاة وغيرها من الأرقام التي تساعد في تكوين خلاصات رصينة.
ولكن يمكن تسجيل تطور قوي في حصيلة حزب العدالة والتنمية على غرار العديد من المناطق في الوطن، والتي يمكن إرجاعها لقيادة الحزب للحكومة، ناهيك عن حيوية مناضليه وجديتهم، وكذا التأثير القوي لزعيم الحزب أثناء الحملة في دفاعه عن حصيلة حزبه ومرشحيه وكذا في مهاجمة الخصوم.
ولكن يمكن كذلك تسجيل ملاحظات متناقضة خاصة بمنطقة سوس مثل حصد كل مقاعد جماعة بلفاع من طرف نفس المجموعة التي كانت في التسيير والتي يمكن قراءتها على أنه استمرار الثقة والقدرة على التعبئة، ولكن بشكل متناقض وغريب نجد تجربة أخرى في بلدية تزنيت تتراجع مع تنامي عدد مقاعد حزب العدالة والتنمية رغم أن تجربة تزنيت لم تكن تعرف مؤشرات قد تؤدي لهذا الوضع، وكذلك عرفت الجهة اختلافا بين الأحزاب المسيطرة على العالم القروي وتلك الحاضرة في المدن، وعودة الشباب المتعلم لخوض غمار الانتخابات في العالم القروي وغيرها من الملاحظات لم تكتمل بعد الرؤية بشأنها.
الأعيان والزعماء «ضحايا» تسونامي العدالة والتنمية بسوس
إعداد: لحسن باكريم
بمعقلهما التقليدي ببلدية أولاد تايمة بإقليم تارودانت، دفع المصباح بلائحتي محمد بودلال القيادي التجمعي وعبد الصمد قيوح الوزير السابق والمنسق الجهوي لحزب الميزان إلى الخلف، حيث فاز حزب العدالة والتنمية بـ22 مقعدا، بينما نال حزب الأحرار 7 مقاعد، متبوعا بحزب الاستقلال الذي حصل على 6 مقاعد، وبذلك بإمكانه رئاسة البلدية دون حاجة لحلفاء.
وغير بعيد عن هوارة مني القيادي في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي ووكيل لائحة الوردة بهزيمة قاسية أمام لائحة المصباح ببلدية تارودانت، وكان المصير ذاته حليف القيادي في حزب الجرار عبد اللطيف وهبي بالبلدية نفسها، حيث حصد العدالة والتنمية 24 مقعدا، واكتفى الاتحاد الاشتراكي بـ 8 مقاعد والأصالة والمعاصرة بـ 3 مقاعد.
وبتزنيت حصل الشيء نفسه حيث تقهقر الرئيس التقليدي لبلدية المدينة عبد اللطيف اعمو، القيادي في حزب الكتاب، إلى الخلف ولم يحصل إلا على 8 مقاعد مقابل 13 مقعدا للعدالة والتنمية.
وبأنزكان أيت ملول سقط محمد اومولود، وكيل لائحة الميزان ببلدية انزكان والحسين أضرضور وكيل لائحة الوردة ببلدية أيت ملول، أمام اكتساح المصباح لمقاعد البلديتين، حيث حصل العدالة والتنمية بأيت ملول على 30 مقعدا، والتقدم والاشتراكية على 6 مقاعد، والاتحاد الاشتراكي على 7 مقاعد.
وبأنزكان نال البيجيدي 26 مقعدا، والاستقلال 6 مقاعد، والأصالة والمعاصرة 4 مقاعد، والتجمع الوطني للأحرار 3 مقاعد.
رهانات جهة مراكش أسفي
المصباح ضمن عمودية مراكش والجرار ترأس الجهة ومجالس المقاطعات انقضت عليها «نخب» ضعيفة
أحمد فردوس
أحمد اخشيشن
هل بتدخل مافيا الانتخابات سواء بأسفي أو مراكش سيكتب للجهوية المتقدمة أن تبسط تمددها الاقتصادي والاجتماعي والتنموي، وتمتد نعمها وخيراتها إلى أعمق نقطة بالمجال القروي الذي يعشعش فيه الفقر والأمية والجهل؟ هل سيتقاسم المجال الجهوي ويستفيد من خيرات أسماك البحر وموارده الطبيعية، وهل سيصل نورها إلى جغرافيا الجبل والسهل؟ هل سينعكس المخطط الأخضر ليشمل منطقة أحمر المهمشة والغنية بفوسفاطها؟ وهل سيكتب كذلك لعاصمة السياحة أن تظل في الرتبة التي بوأها التاريخ والجغرافيا عالميا؟
هي أسئلة حارقة نتمنى أن يجيب عنها من يتسابق لرهان الفوز والتسيير بالوكالة لجهة مراكش أسفي.
وحول استحقاق الرابع من شتنبر صرح ذ.حميد لبيلتة لموقع «أنفاس بريس» قائلا «لقد عاشت مدينة مراكش كباقي المدن والقرى على إيقاع الانتخابات الجماعية والجهوية، لكن ميزة مراكش -كمدينة تاريخية وكقطب سياحي عالمي- أنها ابتليت بمنتخبين جماعيين في التجارب السابقة والحالية لا يشرفون هذه المدينة العريقة في التاريخ المغربي، حيث نجد في هذه الانتخابات لوائح تم تقديمها من طرف الأحزاب المتنافسة أغلبها ضعيفة من حيث الكفاءة والمصداقية والنزاهة. فبعض ممن تم ترشيحهم هم من الحالات التي مازالت ملفاتها أمام القضاء على خلفية الفساد وتبذير المال العام في التجربة الجماعية المنتهية صلاحيتها، كما تم إعداد لوائح موازية في الخفاء لبعض الأحزاب بتوجيه من أباطرة الانتخابات في حالة فوزها سيلجأ مرشحيها إلى الترحال المدفوع الثمن».
ولم يبتعد أحد نقابيي مدينة الفوسفاط عن هذا الطرح قائلا «أكيد أن مجلس جهة مراكش أسفي يغري ويسيل لعاب الكثير من ممتهني الانتخابات كمحطة لاكتساح صناديق اقتصاد الريع في البحر والبر والجبل والسهل، والدليل هو ما عشناه من حقائق صادمة خلال استحقاق الرابع من شتنبر الجماعي والجهوي. فقد تتبعنا تشكيل اللوائح المتنافسة على مجموع كراسي الجماعات الترابية والجهوية التي أغرقت بـ«أرانب السباق» بالمجال القروي الممولة بالمال والبلطجية ونفوذ الأعيان واستغلال الدين ومريدي العمل الاحساني والدجل والشعوذة وما يمتلكه قراصنة الصفقات من وسائل وإمكانات مهولة».
منتقدا نفس الوضع شدد فاعل جمعوي من مدينة أسفي على ضرورة «أن تتحمل الأحزاب السياسية التي حصلت على مقاعد متقدمة بالجهة تحالفاتها الطبيعية، وأن تحترم أصوات الناخبين وتقدر ذكاءهم وتحقق انتظاراتهم حتى لا تنفلت الأمور من عقالها وتتحول جهة مراكش أسفي إلى مجال ترابي يكرس التهميش والإقصاء وخزان لتفريخ المتطرفين والإرهاب بكل أشكاله». واستغرب محدثنا لسلوك حزب العدالة والتنمية الذي يتعامل بقناعين مع الواقع والمشهد السياسي وإفرازاته المرحلية معلقا على ذلك بقوله «إن منطق التحالفات الانتهازية التي يقوم بها اليوم علانية حزب المصباح كما هو الحال بمجلس مدينة أسفي بعد تحالفه الهجين مع الميزان يعكس الصورة الحقيقية لما يمكن أن يقع على مستوى مدينة مراكش».
وأوضح أحد الأطر بقطاع الفوسفاط بمدينة بن جرير أن اعتماد هذه الخرجات «المصباحية السحرية» يعزى إلى الوضع المريح لسياسيي العدالة والتنمية في تفويت رئاسة المجالس والمقاطعات والجهات وعدم الدخول في مواجهات مع متطلبات الساكنة ومشاكلها المستفحلة مطبقة سياسة «القنفذ الذي يحتمي بشوكه حين مباغتته بكلب الصيد»، حتى تحافظ على ماء وجهها والتفرغ لقضاء مآرب سهلة لطوابير المواطنين إداريا واجتماعيا وجمعويا، والعمل على إحراق أوراق رؤساء التدبير والتسيير وأكل الثوم بأفواههم».
وقال أحد المهتمين بالشأن السياسي المغربي على صعيد الجهة جملة اعتراضية على سلوك حزب بن كيران «إنهم يمارسون التدبير والتسيير بالوكالة ويتحكمون في مساره وتفاصيله، ينتقدون إخفاقاته ويطبلون ويزمرون لنجاحاته، ولعمري هذه انتكاسة للعمل السياسي الشريف والنبيل». وفي السياق نفسه صرح أحد الفعاليات بالمجلس الجهوي لحقوق الإنسان لـ «أنفاس بريس» قائلا «لقد حان الوقت لترسيم قوانين تفصل بين المسؤوليات وتنتصر لحالة التنافي بينها، فلا يعقل أن يترك الوزير منصبه الحكومي للتفرغ للحملات الانتخابية ولتدبير الشأن الجماعي، وما يستتبع ذلك من إهمال لمطالب المواطنين محليا وإرباك ملفات ذات طابع وطني»، مضيفا أنه «لا يمكن أن يستقيم تدبير الجهة من طرف رئيسها إن دخل غمار التشريعيات للظفر بمقعد بقبة البرلمان ويترك ملفات الجهة في رفوف مكتبه عرضة للنسيان، ويطبع مشواره بالترحال بين القبة والجهة لأن الفصل بينهما هو عين العقل في أفق إفراز نخب متخصصة كل في مجاله».
وأكد أحد رجال التعليم لـ «أنفاس بريس» أن رهانات وتحديات مجلس مراكش أسفي كثيرة وحاسمة سواء على مستوى البينة التحية أو المعمارية والبيئية حضاريا وقرويا، ولا يمكن التعجيل بمعالجتها بمثل هذه التحالفات الهجينة التي نسمع عنها لأن الجهة في أمس الحاجة لكفاءاتها النزيهة التي يمكن أن تعتكف على ملفاتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، ومشاكلها البنيوية العميقة بالعالم القروي الشاسع الأطراف الذي يحتاج لتدخل عاجل كما وصفته وشخصته أعلى سلطة في البلاد».
غير أن بعض الأخبار الأخرى -على سبيل الختم- تؤكد أن العدالة والتنمية ستتحمل مسؤوليتها في عمودية مراكش بناء على أغلبيتها بالمجلس، لكن الكارثة هي في المقاطعات، حيث أن «النخب» التي صعدت أغلبها من مستويات ضعيفة تعليميا مقارنة مع حجم الانتظارات التي باعها المرشحون للناخبين بمجالس المقاطعات. أما على صعيد الجهة فقد حسمت لحزب الاصالة والمعاصرة وتحديدا لوزير التعليم السابق أحمد اخشيشن.
أحمد بوستة، صحفي بيومية المساء
إخوان بنكيران أمام فوهة بركان لتسيير المدن الغارقة في المشاكل
أحمد بوستة
أظهرت الانتخابات الجماعية الأخيرة أن رغم تواجد 34 حزبا سياسا في الخريطة السياسية على المستوى الوطني، فإن الحروب الانتخابية تكون حامية الوطيس بين ثمانية أحزاب سياسية، وهي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأن التسابق لحصد أصوات الناخبين لن يخرج عن هذه الأحزاب، وهو ما يعني أن المغرب على بعد خطوات قليلة لوضع حد للبلقنة التي كانت تهيمن على المشهد السياسي على المستوى الوطني.
وأظهرت الاستحقاقات الجماعية الأولى في ظل دستور 2011 أن المواطن المغربي في العديد من الجماعات الترابية، وخاصة الحواضر منها، بات يؤمن أن الاختيار والتصويت مبني على أسس علمية ووفق اختيار للحزب وليس للأشخاص، كما كان سائدا في ظل التجارب الجماعية الأخيرة، وأن الاعتماد على اللوائح الانتخابية بدأ يعطي ثماره. فالأحزاب الكبرى التي حصلت على أرقام متقدمة في الانتخابات الجماعية والجهوية مدعوة بشكل كبير إلى الانخراط في الدينامية التي يعرفها الشأن السياسي على المستوى الوطني. فدور هذه الأحزاب لا يجب أن ينتهي بمجرد إسدال الستار عن الاستحقاقات الجماعية. فدورها مستمر في الزمان والمكان عبر الحضور اليومي في تأطير المواطنين والدفاع عن قيم الديمقراطية. فوزارة الداخلية التي كانت بمثابة «الحائط القصير» المتهم دائما بتزوير الانتخابات، أبانت عن حيادها وعن قدرتها في أن تكون في المسافة ذاتها بين جميع الأحزاب سواء المشاركة في الحكومة أو التي اختارت المعارضة. فالكرة الآن في مرمى الأحزاب لتخليق الحياة السياسية واختيار الأكفاء لتسيير الشأن العام المحلي والوطني.
وإذا كانت الانتخابات الجماعية والجهوية أعطت المرتبة الأولى للعدالة والتنمية وللأصالة والمعاصرة، فإن هذه المرتبة ليست تشريفا ولكن تكليفا، فأن يحتل إخوان بنكيران الصف الأول في الدارالبيضاء مثلا، فهذا في حد ذاته امتحان صعب. صحيح أن العدالة والتنمية خبرت على طيلة عشر سنوات طريقة التسيير بوجودها في الأغلبية المسيرة لمجلس المدينة، إلا أنه حاليا سيكون أعضاؤها أمام فوهة بركان، فخلال التجربتين السابقتين كان الانتقاد منصبا فقط على العمدة محمد ساجد ولم تكن حرارة هذه الانتقادات تصل إلى أعضاء حزب العدالة والتنمية، عكس ما سيجري مستقبلا. فالمصوتون في العاصمة الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية ينتظرون قفزة نوعية في المدينة وإصلاح الأعطاب الكثيرة التي تعرفها. المهمة لن تكون سهلة لا لحزب العدالة والتنمية الذي احتل المرتبة الأولى في الانتخابات الجهوية، ولا لحزب الأصالة والمعاصرة الذي يوجد على رأس الأحزاب في الانتخابات الجماعية. فالحزبان سيكونان تحت الأضواء وإنجازاتها وحدها هي التي سترجح كفتهما في الاستحقاقات البرلمانية المقبلة دون نسيان باقي الأحزاب الكبرى التي لن تقف موقف المتفرج وستحاول جاهدة إعادة مكانتها وطنيا أو جهويا. فأن يحصل أي حزب على المرتبة الأولى فذلك ليس نهاية العالم، لأن صناديق الاقتراع «مرة ليك ومرة عليك»، و«دوام الحال من المحال».
الصافي الناصري، صحافي
اليوم ليس كالأمس
الصافي الناصري
ذكرتني انتخابات الرابع من شتنبر بانتخابات يونيو 1983، حينما تمكن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من اكتساح المدن، لكن ما جرى يومها، هو أن إدريس البصري تكفل ليلة اعلان النتائج «بإعادة الأمور إلى نصابها«، إذ في الصباح طلعت نتائج مغايرة لتلك التي أعلن عنها في المساء السابق.
انتخابات يونيو 1983 كان قد تم تنظيمها بعد أزمة سياسة عاصفة كان قد عاشها المغرب، إذ قاد الإضراب العام الذي خاضته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وبدعم من الاتحاد الاشتراكي وما أعقب ذلك من أحداث بالدارالبيضاء إلى اعتقال المئات من الأطر الحزبية والنقابية، ثم بعد ذلك تم اعتقال عبد الرحيم بوعبيد وقادة آخرين إثر بلاغ المكتب السياسي حول الاستفتاء. الناخبون بعد هذه الأزمة صوتوا للاتحاد الاشتراكي ومنحوه تدبير أهم المدن، إلا أن إدريس البصري كان له رأي آخر، وبذلك أعطى أو أعاد إعطاء الاتحاد الدستوري ما منحه الناخبون للاتحاد الاشتراكي.
انتخابات الرابع من شتنبر جاءت في سياق سياسي مختلف، فالمغرب منذ 1983 قطع أشواطا على مستوى الدمقرطة، مخاض التسعينات أعطى حكومة التناوب التوافقي بقيادة عبد الرحمن اليوسفي وحركة 20 فبراير وما أعقبها من تفاعلات وطنية أعطت دستورا جديدا وأجواء سياسية أوصلت حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة، وبذلك فإن هذه الاستحقاقات تندرج ضمن هذه الدينامية.
لكن ما يجب التوقف عنده في انتخابات الرابع من شتنبر هو كيف لم تضعف أربع سنوات من التدبير الحكومي وإكراهاته العدالة والتنمية؟ عبد الرحمن اليوسفي ورغم ما بذله من جهود على المستوى الاجتماعي لم يتمكن من تحقيق فوز انتخابي واضح في استحقاقات 2002.
الناخبون هذه المرة وتحديدا في المدن بتصويتهم لحزب العدالة والتنمية أرادوا القول بضرورة التمديد لعبد الإله بنكيران وإفساح المجال أمام حكومته.
العربي رياض، صحافي بجريدة الاتحاد الاشتراكي
الأحرار هو الفائز الأكبر بالدار البيضاء
العربي رياض
في قراءة لنتائج صناديق الاقتراع البيضاوية، لا جديد على مستوى التركيبة الانتخابية بالعاصمة الاقتصادية، ما دمنا أمام عودة نفس الوجوه السابقة. فعلى مستوى الأرقام اليوم حزب العدالة والتنمية أصبح مكشوفا أكثر للبيضاويين، بحكم أنه يتوفر على أغلبية عددية «تجبره» على تحمل تدبير شؤون الدار البيضاء بشكل مباشر، عوضا عن تدبيرها بواسطة الوكالة عندما كان في الولايتين السابقتين يدير شؤون الدار البيضاء عبر محمد ساجد.
فإذا كان البيضاويون قد صوتوا فعلا للتغيير، فعلى حزب العدالة والتنمية أن يغير نمط التدبير الحالي (الذي كان جزءا منه)، في اتجاه الاقتراب أكثر من هموم المواطنين، مما قد ينذر بمشاكل منتظرة مع شركاء المرحلة السابقة، خصوصا وأن المخطط التنموي للدار البيضاء برسم الولاية القادمة قد سطره الوالي بآلياته التدبيرية، المتمثلة في شركات التنمية المحلية. وأظن أن مقياس اختبار قدرة العدالة والتنمية على التغيير سيكون على هدا المستوى، علما وللتذكير دائما، أن المجالس الإدارية للشركات المذكورة يترأسها الوالي.
وعلى مستوى الجانب الآخر، فإن مجلس مدينة الدار البيضاء سيتعزز بمعارضة أيضا عددية وبأسماء قيادية على مستوى أحزابها، مما قد يعطي للمجلس رونقا سياسيا افتقدناه خلال الولاية الأخيرة.
وعلى مستوى المقاطعات التي اكتسحتها العدالة والتنمية باستثناء مقاطعة ابن مسيك، أعتقد أن التحالفات ستأخذ شكلا عموديا وآخر أفقيا، من خلال حسم تدبير بعض المقاطعات بتعليمات حزبية مركزية لوجود أغلبية حكومية مريحة، وسيتم حسم مقاطعات أخرى في إطار داخلي محلي ن بسبب وجود علاقات وتحالفات قديمة لا تخلق جدلا أو صراعا سياسيا.
وكتقييم عام للنتائج وتداعياتها، يبدو أن الرابح الأكبر منها هو حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي حافظ على موقعه في الأغلبية لثلاث ولايات متتالية، منذ إحداث نظام وحدة المدينة، إذ من المنتظر أن يظفر بمقاعد نواب العمدة ثم العضوية في المكتب بمجموعة من المقاطعات، بحكم تحالفه الاستراتيجي مع حزب العدالة والتنمية، وضعف الحليفين الآخرين أي التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية.
عمر أوشن، صحفي
الصحف الالكترونية والفايسبوك ينتصرون بالسبق الصحفي والضربة القاضية
عمر أوشن
الفايسبوك ومواقع التواصل والصفحات الالكترونية خلقت ثورة في المتابعة ولم يسبق لانتخابات ان أعلنت نتائج العديد من الدوائر والجماعات بهذه السرعة والتفصيل مع الصور والفيديو وتعاليق المتابعين من السياسيين والقراء والنخبة وعامة الناس. الجميع ركب قطارا واحدا يختلط فيه الركاب من جميع المستويات..
رأينا ندوات وحلقات نقاش مباشرة ساخنة و برامج نقاش سياسي موسعة في الفايسبوك قبل أن نراها على التلفزيون أو نسمعها في الراديو..
الفايسبوك ينتصر بالضربة القاضية والسبق الصحفي على وكالات الأنباء والفضائيات والصحف الورقية تبقى متأخرة زمنيا و تنشر أخبار الأمس و أول أمس .. وهي الحالة التي جعلت الرأي والتحليل والتعليق ضرورة مهنية أساسية في الصحافة الورقية في اللحظة الراهنة..
الخبر لا يمكن أن يكون موضوع منافسة مع الفايسبوك وتويتر والمواقع الألكترونية ..رأينا تصريحات لوزراء ومرشحين وزعماء أحزاب من خلال صفحاتهم على الفايسبوك قبل أن نراها في أي مكان أخر..
في هذه الانتخابات رأينا صحافيين وصحافيات من مختلف الألوان والتوجهات تنخرطون في الدعوة إلى المشاركة من اجل خلق خارطة سياسية تعكس تطلعات المجتمع ولمواجهة شهية الإسلاميين للسلطة المتزايدة.. لكن فئة أخرى من الصحافيين ظلوا صامتين يتفرجون على ما يجري في الملعب فيما فريق آخر أقلية دعا إلى المقاطعة..
في فترة سابقة من الحياة الانتخابية المغربية كانت وزارة الداخلية ومقرات الأحزاب هي من يملك الخبر ويوزعه ويعلن عن النتائج ويقول هذا فاز وهذا لم يفز..
اليوم لم تعد هذه السلطة وهذا الامتياز حكرا على الداخلية أو الأحزاب المشاركة.. الفايسبوك وتوتير والصحف الالكترونية أعلنت ونشرت نتائج كثير من الدوائر والجماعات والمدن ومع بعض التفاصيل دون حاجة إلى بيانات أم الوزارات كما كانت تسمى في عهد سابق..
أم الوزارات اليوم لها ضرة تنافسها منافسة شرسة في الانتخابات وهي تكنولوجيا الاتصال التي زعزعت ثوابت وغيرت خرائط وأسلوب و نمط تفكيرنا.. الصحافة الإلكترونية كانت أقوى وأسرع أسبق إلى الخبر والتعاليق والصور والفيديوهات. لكن في بعض اللحظات وسط هذه عجاجة الحملة وهذه المنافسة والإيقاع السريع وقعت بعض الأخطاء ونشرت بعض الصحف الالكترونية التي ما زالت تمارس الهواية ودخلت الصحافة بالسنطيحة فقط أخبارا عارية من الصحة والحقيقة وبلا معنى ولا جدوى خارج السياق..
الفايسبوك و الصحف الالكترونية.. مرحبا بكما لتحصدا حصة الأسد في المتابعة لكن الرجاء كل الرجاء الحرص على أكبر قدر من المهنية والمصداقية.
لحسن وريغ، صحفي بيومية «الأحداث المغربية»
تأملات ناخب!!
شكلت الانتخابات الجماعية والجهوية التي جرت يوم 4 شتنبر 2015، محطة أساسية في مسار التجربة الديموقراطية ببلادنا، لأنها جرت في مرحلة حساسة جدا، نظرا لما تعرفه المنطقة العربية عامة والمغاربية خاصة من توترات تجعل تنظيم مثل هذه الاستحقاقات من باب المستحيل...! لقد كشفت هذه الانتخابات، منذ الاستعدادات الأولى لها حتى الإعلان عن النتائج، أن بلادنا قادرة على تنظيم أي استفتاء أو انتخابات، في جو من المسؤولية والانضباط، خاصة أن وزارة الداخلية تحملت، مرة أخرى، مسؤولية الإشراف على ذلك، في انتظار اليوم الذي تسند فيه هذه المهمة إلى لجنة خاصة وتريح أم الوزارات من عناء ومتاعب «صناديق الاقتراع و مستلزماتها». ويمكن من منطلق المتتبع للشأن الانتخابي ببلادنا أن أشارك بهذه التأملات في ما أسفرت عنه الانتخابات الجماعية والجهوية ليوم الرابع من شهر شتنبر، وذلك من خلال النقط التالية: أولا: بداية، لا بد من الإشارة إلى أن نسبة المشاركة التي حددها بلاغ وزارة الداخلية في 53,67 في المائة، يبقى رقما مقبولا في ظل السياق العام الذي جرت فيه هذه الانتخابات. فقبل أشهر قليلة، كانت لغة الشك والتشكيك في مصداقية العملية ككل، تعطيك انطباعا بأن الناخب المغربي لن يتوجه إلى مكاتب التصويت أبدا، غير أنه مع مرور الأيام وبداية العد العكسي ليوم التصويت، اتضح أن لسان الليل تكذبه أقدام النهار..!!، فظهر بالملموس أن هذه الانتخابات لم تختلف عن سابقاتها، وأن الناخب استجاب للحملات الانتخابية (الداخلية والأحزاب) التي شجعته على التوجه إلى أقرب مكتب للتصويت من أجل ممارسة واحد من أهم الواجبات والحقوق الوطنية.
لحسن وريغ
إن نسبة 53,67 في المائة، تطرح عددا من الأسئلة التي يجب طرحها بكثير من الموضوعية وإيجاد حلول لها، خاصة ونحن مقبلون على استحقاقات انتخابية أخرى في غضون السنوات القادمة.
ثانيا: أفرزت هذه الانتخابات نتائج لم تكن مفاجئة بالنسبة للعارفين والمتتبعين للشأن السياسي والحزبي ببلادنا؛ فها هي الأحزاب الثمانية المكونة للأغلبية والمعارضة، تخرج من استحقاقات الرابع من شتنبر بانتصارات وخسائر، تفرض عليها إعادة النظر في علاقتها بالناخب، سواء ذلك الذي صوت لصالحها أو من صوت ضدها.
فإذا تأملنا جيدا النتائج الشبه نهائية، نجد أن حزب الأصالة والمعاصرة يسير بخطى ثابتة نحو لعب دور أساسي في بلادنا رغم حداثة سنه في المشهد الحزبي الوطني، ثم هناك حزب العدالة والتنمية الذي استطاع التأكيد على أنه قادر على مواصلة ريادته على المستوى الجماعي والجهوي والحكومي. وهذه النتيجة تجعل المنافسة قوية جدا بين هذين الحزبين (البام والبيجيدي) في قادم الأيام، لأن الأحزاب التقليدية تسير نحو الوراء بخطى سريعة. وهذا ينطبق أساسا على حزب الاتحاد الاشتراكي الذي فقد كثيرا من مصداقيته لدى الناخب المغربي داخل المدينة والبادية، شأنه شأن حزب الاتحاد الدستوري التي تراجع بشكل كبير كما لو أنه فقد بوصلته ولم يعد يعرف أين المفر..؟!!
ثالثا: هذه النتائج المحصل عليها جماعيا، تعكس إلى حد كبير نفس الخريطة التي عبرت عنها نتائج الجهات. فهنا نجد حزب العدالة والتنمية على رأس القائمة ويليه حزب الأصالة والمعاصرة ثم حزب الاستقلال الذي جاء في الصف الثاني جماعيا بينما حزب التجمع الوطني للأحرار ظل وفيا لمرتبته الرابعة جماعيا وجهويا، شأنه في ذلك شأن حزب الاتحاد الاشتراكي الوفي لمرتبته السادسة. من هنا، وجبت الإشارة إلى أن الخريطة العامة لهذه الانتخابات لم تكن مفاجئة واستثنائية، غير أن الساعات القادمة ستكون ذات نبضات أخرى بفعل قوة التحالفات بين هذه القوى الحزبية المتعددة والمختلفة، مما يعني أن مسلسل هذه الانتخابات لن تكون حلقته الأخيرة هو يوم الرابع من شتنبر.
رابعا: أعتقد شخصيا أن ما كشفت عنه هذه الانتخابات ، يجعل المرء يتساءل في قرارة نفسه عن فحوى وجود هذا الكم من الأحزاب السياسية في بلادنا. فهناك عدد من الأحزاب التي انتهت مدة صلاحيتها منذ زمن بعيد، وأن أحزاب أخرى في الطريق إلى إعلان حالة الإفلاس، ولذلك آن الأوان لهذه التنظيمات الحزبية أن تبادر إلى اتخاذ قرارات حاسمة في مصيرها قبل أن تجد نفسها تردد مع الراحل عبد الحليم حافظ: «لو كنت أعرف خاتمي ما كنت بدأت»، أو أنها، بلغة الرياضيين، تتوقف عن لعب دور »أرانب السباق«…!!!
خامسا: هل سيتغير وجه جماعتي بعد هذه الانتخابات..؟، هل ستصبح مدينتي في المستوى الذي أطمح إليه؟.. هل يمكن لجهتي أن تتبوأ المكانة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية التي تجعلني أعيش حياة الأمل والأمان…؟، أسئلة قد تكون سابقة لأوانها، لكنها تسكن كل ناخب وطني سواء كان مناصرا لأحزاب الأغلبية أو أحزاب المعارضة أو من العدميين الذين لا يؤمنون لا بالشر ولا بالخير… ولذلك، عندما قررت المشاركة في هذه الانتخابات والذهاب في الصباح الباكر إلى مكتب التصويت القريب عنوان إقامتي، فإنني قمت بذلك، لأنه أول وأخيرا، حق من حقوق مواطنتي وليس دفاعا عن هذا الحزب أو ذلك. فطيلة أيام الحملة الانتخابية لم ألتق بأي مرشح من المرشحين الذين اختاروا تغيير وجه جماعتي.. فقط الكائنات الورقية التي كانت تجتاح منزلي من تحت الباب مثلما حدث وظل يحدث منذ الاستحقاقات الانتخابية السابقة.