الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
فن وثقافة

رجاء أعيدوا لنا تلفزيون الحسن الثاني لسويعة في رمضان

رجاء أعيدوا لنا تلفزيون الحسن الثاني لسويعة في رمضان

حين يجلس المغاربة إلى مائدة فطورهم، لا مناص لهم من محاولة الفرار بجلدهم من كل القرف الذي يرمى على عيونهم من خلال ما تبثه القنوات التلفزيونية الوطنية. فلا شيء يساعدهم- إلا في ما ندر- على التعرف على صورتهم من خلال الفن الدرامي والفكاهي الذي صرفت عليه ملايين الدراهم هباء منثورا. برامج أقل ما يقال عنها أنها تستغبي المشاهدين وتستبلد أحاسيسهم وتجعلهم فعلا في حيرة من أمرهم. لماذا لم يستطع المتدخلون في الإنتاج التلفزيوني فرض معيار الجودة في هذه الأعمال؟ لماذا تتكرر السطحية نفسها؟ لماذا تتكرر الأخطاء والأسماء نفسها؟ لماذا التركيز مثلا على ممثلة بعينها في أغلب الأعمال، وفي القالب نفسه والنبرة نفسها (دنيا بوطازوت نموذجا)؟ لماذا تبدو بعض الأسماء التي أثبتت علو كعبها في أعمال أخرى تائهة وتتحرك أمام الكاميرا كيفما اتفق وعلى وجه يدعو إلى الرثاء؟ لماذا اختار مسؤولو البرمجة أن يمطروا أنظار المشاهدين بأغاني الياجور والبوصلانة، ومحاولة تسخير إيقاعات أغان ناجحة "جماهيريا" وساقطة فنيا، من أجل التأثير والتنافس على التأثير بشكل يذكرنا بمعارك النساء قديما في الأحياء الشعبية؟ لماذا الخواسر والدواسر والباروديات الفاشلة القائمة على التهريج الخالي من كل إلمام بطرق الترفيه استراتيجياته وسياقاته؟ لماذا استدعاء التاريخ وتقديمه خاليا من الرؤيا الفنية اللازمة لأي فن درامي؟

إن ما تقدمه القنوات التلفزيونية الوطنية يبعث على الرثاء ويجعلنا فعلا نحن إلى تلفزيون الحسن الثاني رغم اختلاف السياق. ففي ذلك العهد ورغم الطابع الاستبدادي المنغلق للتلفزيون كنا على الأقل أمام أعمال تشبهنا وتشبه خطواتنا الأولى في التلفزيون. وكان الفنانون رغم ندرتهم وقلة إمكاناتهم بارعون في انتزاع ضحكاتنا وجعلنا نصطف أمام الشاشة لعلنا نظفر بما يهذب أذواقنا ويحقق انشراحنا ويجعلنا نعاود الكرة كلما تقدم شهر الصيام. أما اليوم، وفي مرحلة دفتر التحملات وشعارات الإبداع والفن والجودة، نصطدم بغياب المهارة الفنية على مستوى النص والأداء، حتى لكأننا أمام محاولات يائسة للإضحاك القسري، وأمام تحد يائس لصنع الجودة في دائرة زمنية قد تستغرق بضعة أسابيع (هناك أعمال ما زالت تصور لحد الآن). إن ما يطغى على أغلب هذه الأعمال هو حجم مبلغ التعاقد والتنافس على دفع الكاشيات للممثلين والمخرجين. وبإيجاز واضح وكبير، إنهم يتنافسون من خلال جلب الوصلات الإشهارية وليس من خلال الاستجابة لحاجيات المواطنين. نعم صحيح أن الفن، في العمق، يقع في مساحة مغايرة أرقى. لكن الترفيه التلفزيوني الذي يخاطب ملايين المشاهدين ينبغي أن يؤدي رسالته في الارتقاء بالذوق العام بالشكل الذي يليق، وبالشكل الذي يجعل التصورات المنغلقة تندحر. إن التلفزيون تربية وترفيه وتثقيف، وليس قولبة وتدجين وتسطيح وتبشيع. فأنقذونا من هذا التلفزيون وأعيدوا لنا  الزمن التلفزي الجميل في رمضان في عهد المرحوم الحسن الثاني. أعيدوا لنا السكيتشات الهزلية الجميلة وذات الطبيعة الرسالية التي لا تمج الذوق العام. أعيدوا لنا روح الزعري والداسوكين ونور الدين بكر وميلود الحبشي وعزيز سعد الله وحبيبة المذكوري وصفية الزياني وعبد اللطيف هلال ومصطفى تاه تاه ونعيمة المشرقي وأنور الجندي، والعربي الدغمي ومحمد الجم .. والقائمة طويلة. أعيدوا لنا طرب الآلة والغرناطي والملحون وقصائد السماع والمديح الراقي ، أعيدوا لنا الفلكلور المغربي الذي هذب أذواقنا.. أعيدوا لنا صورتنا عوض هذا القرف الغزير الذي يتسلل يوميا إلى بيوتنا.

سرقتم الوطن ، سرقتم الأحزاب، سرقتم المدرسة العمومية، سرقتم الجامعة، سرقتم النخب، سرقتم التلفزيون خلال العام، سرقتم كل وسائط التنشئة الاجتماعية. فرجاء: أريحونا من "الزابينغ" واتركونا ننعم بإشراقة تلفزيونية مغربية  ولو مرة فر العام ولاتسرقوا منا سويعة مع الأولاد والأحباب في مائدة رمضان..