في إطار الدينامية التربوية التي تشهدها جمعية الشعلة للتربية والثقافة، وفي سياق تعزيز قدرات المؤطرين الشباب وتطوير مهاراتهم بما يستجيب للتحولات المتسارعة داخل المجتمع المغربي، تنظم جمعية الشعلة فرع الرباط التقدم بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل - قطاع الشباب - الدورة التكوينية الخاصة بمجال الإدارة الجمعوية، من 9 إلى 11 دجنبر 2025 بمركز التخييم سيدي الطيبي، وهي محطة تكوينية تهدف إلى الارتقاء بمهارات الأطر الشبابية وتمكينها من آليات التدبير والتسيير والتنشيط داخل مختلف الفضاءات التربوية.
وقد افتتحت هذه الدورة صبيحة يوم الثلاثاء 9 دجنبر 2025 بكلمة رئيس الجمعية سعيد العزوزي، الذي أكد في مداخلته على الأهمية الإستراتيجية التي يكتسيها هذا التكوين داخل مسار تعزيز العمل التربوي، مشددًا على أن الشعلة، ومنذ تأسيسها، كانت وما تزال فضاءً لتكوين القيادات الشابة، وإعداد الطفولة، وصناعة الوعي الجماعي، وأنها اليوم تجدد التزامها بتطوير كفاءات أطرها، ومواكبة المستجدات البيداغوجية التي من شأنها الرفع من جودة التأطير، ومن نجاعة البرامج الموجهة للأطفال واليافعين.
وأوضح رئيس الجمعية أن الرهان الأكبر الذي تشتغل عليه الشعلة يهدف إلى بناء شخصيات شابة قادرة على الفعل، مؤهلة للقيادة، وواعية بمسؤوليتها تجاه المجتمع، معتبرا أن الاستثمار في الإنسان هو الإستثمار الأعمق والأبقى، وأن أي مشروع تربوي جاد يبدأ بتقوية الأطر المشرفة على هذا العمل وتنمية مهاراتهم في التخطيط والبرمجة والتسيير الإداري والتدبير المالي.
في سياق متصل أشاد ممثل وزارة الشباب والثقافة والتواصل والإطار بالمديرية الإقليمية للقنيطرة عبد الجبار العلمي، بالدور المحوري الذي تلعبه جمعية الشعلة باعتبارها واحدة من أبرز المنظمات الوطنية العاملة في مجال تربية الطفولة وتكوين الشباب، منوها بالمجهودات المتواصلة التي تبذلها الشعلة في تطوير البرامج التربوية وتنويع المبادرات التي تستهدف مختلف الفئات العمرية داخل المجتمع المغربي. واعتبر ممثل الوزارة أن هذه الشراكة تؤكد على التعاون المثمر، المبني على علاقة مستمرة أساسها الثقة، وعلى إدراك المؤسسات العمومية لأهمية الحضور النوعي للشعلة داخل الحقل التربوي الجمعوي، مؤكدا في نفس الوقت على أن الوزارة تثمن عطاء هذه المنظمة الرائدة وتدعم كل أشكال التعاون التي تعود بالنفع على الطفولة والشباب.
وألقى مندوب الفرع عثمان العزوزي كلمة ترحيبية عبر فيها عن اعتزازه بانطلاق هذه الدورة، مؤكدا أن هذا اللقاء يأتي لتعزيز حضور الفرع داخل محيطه المجتمعي ودعم مساره التربوي، وداعيا جميع المشاركين إلى الاستفادة القصوى من هذه المحطة التكوينية التي تجمع بين البعد العلمي والبعد العملي، وتفتح المجال أمام الشباب لتطوير أدوات اشتغالهم داخل الفرع والمخيمات.
وفي سياق هذه الدورة التكوينية، واحتفاء بأيام الشعلة للطفل التي اختارت هذا العام محور “الطفل والذكاء الاجتماعي”، احتضن مركز التخييم سيدي الطيبي ورشة تربوية متميزة بعنوان “الطفل والذكاء الاجتماعي” من تأطير الأخصائي الاجتماعي والباحث في علم النفس الأستاذ محمد حبيب، الذي قدم عرضا نوعيا جمع بين العمق العلمي والوضوح البيداغوجي والتفاعل الميداني، وهو ما جعل هذه الورشة لحظة أساسية في انطلاق البرنامج التربوي للدورة. وقد استهل الأستاذ محمد حبيب مداخلته بتحديد مفهوم الذكاء الاجتماعي عند الطفل، موضحا أنه ليس مجرد مهارة ثانوية بل هو عنصر أساسي في بناء شخصية الطفل وتوازنه النفسي وقدرته على التواصل والتفاعل والاندماج داخل محيطه. وأشار إلى أن الطفل المعاصر يواجه تحديات جديدة فرضتها التحولات الرقمية والاجتماعية، مما يجعل من الضروري إعادة التفكير في أساليب التعامل معه داخل الفضاءات التربوية.
واعتمد المؤطر في شرحه على مجموعة من النظريات النفسية الحديثة، أبرزها نظرية إريكسون في النمو النفسي– الاجتماعي، التي تؤكد أن شخصية الطفل تتشكل عبر مراحل تراكمية تقتضي من الراشدين توفير بيئة سليمة وداعمة تؤسس للتوازن العاطفي، وتُنمي الشعور بالثقة والقدرة على المبادرة، ثم القدرة على بناء العلاقات الإيجابية واحترام الآخر. كما تناول الأستاذ مبادئ التعلم السلوكي التي تؤكد أهمية التجارب المتكررة في ترسيخ السلوكيات الإيجابية أو السلبية، موضحا أن الطفل يتعلم من محيطه أكثر مما يتعلم من التوجيه المباشر، وأن النموذج السلوكي للمنشط أو المربي له تأثير كبير على تشكيل شخصية الطفل. وتوقف العرض عند أبرز التحديات التي تعيق نمو الذكاء الاجتماعي لدى الأطفال اليوم، وعلى رأسها العنف التربوي الذي ما زال يحضر بصيغ مختلفة داخل الأسر ومحيط المدرسة، سواء كان عنفا لفظيا أو نفسيا أو جسديا، إلى جانب الاستعمال المفرط للشاشات والأجهزة الإلكترونية التي أدت إلى تراجع التفاعل الإنساني المباشر، وإضعاف مهارات التواصل لدى الأطفال، وخلق نوع من الانعزال الاجتماعي غير المسبوق.
كما أشار إلى ضعف الحوار داخل العديد من الأسر، حيث يغيب الإصغاء ويحل محله التوجيه السلطوي أو الانتقاد المتواصل، إضافة إلى ظاهرة السخرية والمقارنة التي تؤدي إلى تراجع الثقة بالنفس، وإلى الانسحاب أو العناد، حسب شخصية الطفل، وإلى تقلص فرص اللعب الجماعي التي كانت تشكل في الماضي مدرسة طبيعية لتعلم التعاون وحل الخلافات والتواصل. وفي مقابل هذه التحديات، قدم المؤطر مجموعة من الأدوات العملية التي يمكن أن يعتمدها المنشطون داخل الفضاءات الجمعوية والمخيمات، مؤكدا أن بناء الذكاء الاجتماعي يبدأ من البساطة: تنظيم ألعاب جماعية تعتمد التعاون بدل التنافس الشرس، خلق فضاءات للتعبير العاطفي تجعل الطفل قادرا على وصف مشاعره دون خوف أو خجل، تدريب الأطفال على مهارات الإصغاء من خلال أنشطة تشجعهم على احترام الدور وبناء مجموعات صغيرة للعمل المشترك، تعزيز الثقة بالنفس عبر الأنشطة التقديرية، وترسيخ قيم التعاون والتسامح داخل مجموعات اللعب والورشات. وقدم الأستاذ أمثلة عملية حول كيفية تدبير الخلافات بين الأطفال بطريقة تربوية، وكيفية تحويل النزاع إلى فرصة للتعلم، معتبرًا أن الذكاء الاجتماعي ليس معطى فطريا فحسب بل هو مهارة قابلة للتعلم عبر التكرار والمرافقة والتوجيه.
وقد تفاعل المشاركون الشباب مع هذا العرض بشكل لافت، حيث عبروا عن استفادتهم الكبيرة مما قدمه المؤطر من أدوات وتقنيات جديدة تساعدهم على تطوير أدائهم داخل الأنشطة التربوية، معتبرين أن هذه الورشة شكلت قيمة مضافة حقيقية في مسارهم الجمعوي، وأنها مكنتهم من فهم أعمق لخصوصيات الطفل المعاصر، وكيفية التعامل معه وفق مقاربات حديثة تراعي الجوانب النفسية والاجتماعية والسلوكية.
وبرز خلال النقاش اهتمام واضح لدى المشاركين بقضايا الطفولة والحرص على تطوير العمل التربوي داخل فروعهم، مؤكدين أن مثل هذه التكوينات تساهم في تجديد رؤيتهم وتحسين أدوات اشتغالهم، وأنهم مستعدون لإدماج هذه المعارف المكتسبة في برامج المخيمات والأنشطة السنوية التي تنظمها جمعية الشعلة على المستوى المحلي والوطني. وهكذا تشكل هذه الدورة التكوينية خطوة نوعية جديدة في مسار جمعية الشعلة الرامي إلى الارتقاء بالعمل الجمعوي والتربوي، وإلى بناء جيل من الفاعلين الشباب القادرين على الإبداع والتجديد والتأثير داخل مجتمعهم، بما يعزز مكانة الشعلة كمنظمة رائدة في مجال تربية الطفولة وتمكين الشباب، ومستمرة في إشعال جذوة الوعي والمعرفة داخل الفضاءات التربوية المغربية.
