Monday 8 December 2025
فن وثقافة

تطوان: مركز أبي الحسن الأشعري ومؤسسة محمد داود يحتفيان بكتاب "شيخ الأشاعرة"

تطوان: مركز أبي الحسن الأشعري ومؤسسة محمد داود يحتفيان بكتاب "شيخ الأشاعرة" من اليمين إلى اليسار : محمد الراضي، إسماعيل شارية، جمال علال البختي، يوسف احنانة، محمد أمين السقال، عبد الله التوراتي.
نظّم مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، بالتعاون مع مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة، لقاء علميا حول تقديم قراءات في كتاب "ردود أشاعرة الغرب الإسلامي على الفلسفة - صدمة الاختلاف-" لمؤلفه الدكتور يوسف احنانة، الذي حضر هذا اللقاء وأسهم في النقاش الدائر حوله.
وقد انعقد هذا اللقاء العلمي برحاب الخزانة الداودية يوم الجمعة 5 دجنبر 2025، بحضور نخبة من المثقفين والأساتذة والباحثين والطلبة.
افتتح الدكتور إسماعيل شارية، الكاتب العام للمؤسسة المحتضنة، أشغال اللقاء، مؤكدا تميزه من حيث منطلقه وموضوعه وأهدافه وغاياته. وأوضح أن هذا اللقاء يندرج ضمن إطار التعاون القائم بين المركز والمؤسسة اللذين يجمعهما الحرص على الإسهام في إغناء الساحة العلمية وإثراء الثقافة الهادفة.
وأشار أن هذا النشاط يأتي للاحتفاء بقامة علمية بارزة في مجال الفكر والبحث والتأصيل، بعالم رسخ اسمه بقوة في سجل المفكرين والباحثين المهتمين بالكشف عن الوظائف الأساسية للعقيدة الأشعرية في الغرب الإسلامي، حتى لُقب – وفق تعبيره- ب"شيخ الأشاعرة".
وأبرز رئيس المركز المنظم للقاء، الدكتور جمال علال البختي، الذي أدار الجلسة، أن هذا الوصف الموجه للدكتور يوسف احنانة يستند إلى سبقه في البحث بالدرس الأشعري وسبقه في الخوض فيه. وأوضح أن اسم الأستاذ احنانة يفرض نفسه على كل مشتغل بعلم الكلام الأشعري، لكونه من أوائل الباحثين الذين انصرفوا إلى دراسة هذا المجال بجد واجتهاد.
وأكد الدكتور البختي أنه لا يكاد يوجد باحث مغربي، قديما أو حديثا ـ باستثناء بعض الباحثين الذين ظهروا حديثا ـ اطلع على ما اطلع عليه الدكتور احنانة من مخطوطات ومصادر. وأشار إلى أنه حين بدأ اهتمامه العلمي بالأشعرية، تواصل بشيخ الأشاعرة آنذاك (احنانة)، فوجد لديه من المادة العلمية ما لم يعثر عليه لدى غيره في ذلك الوقت.
أوضح الدكتور البختي أن هذا الكتاب هو نتاج أطروحة علمية نال بها الكاتب شهادة الدكتوراه، مشيرا إلى أن الأطروحة دراسة تتبعت واستقرأت نوعية ردود أشاعرة الغرب الإسلامي على الفلسفة من القرن الخامس الهجري إلى مرحلة الاستعمار للفضاء المغربي. وأبرز أن الأطروحة استحضرت ـ وفق تعبيره ـ نصوصا مهملة وأخرى غميسة من تاريخ الفكر العقدي لهذه المنطقة، مبرزا المجهود الكبير لصاحبها في الاستقصاء والتفتح البصير على المكتوب مغربيا، من رد الأشاعرة على ما صدر عن فلاسفة اليونان ومتفلسفة المشرق والمغرب.
وأكد الدكتور البختي على الإفادة الكبيرة من الكتاب، خاصة للمهتمين بالدرس الأشعري. كما شدد على أن هذا العمل يفتح فصولا جديدة لتعميق البحث في علاقة الفلسفة بالكلام الأشعري.
ومن جانبه، أكد الدكتور عبد الله التوراتي في مداخلته، أن ما ذكره الدكتور البختي عن الأستاذ احنانة صحيح جملة وتفصيلا، مشيرا إلى أن احنانة اشتغل بالمذهب الأشعري مبكرا، في وقت لم يكن فيه أحد بالمغرب يفكر في الاشتغال به، قبل أن يصبح البحث فيه موضة. وأوضح أن الكتاب المحتفى به جاء محملا بنصوص جديدة، إذ – في نظره – فتح أبوابا من النظر في علم الكلام وأثار أسئلة هامة حول الدرس الأشعري.
وأضاف الدكتور التوراتي أن الكتاب، فضلا عن رصده لتطور الفكر الأشعري، يرصد أيضا تطور الفكر الفلسفي في الغرب الإسلامي. وعلى هذا الأساس، أشار إلى أن شيخ الأشاعرة(احنانة) قد يخرج كتابا آخر يرصد فيه تطور الفكر الفلسفي في الغرب الإسلامي. كما شدد على أن هذا الكتاب يحتوي على مصادر جليلة في علم الكلام، وإضافات نوعية، فاتحا أبوابا جديدة للبحث والقول والنقد.
رئيسة مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة، حسناء داود، تقدم شهادة تقديرية للمحتفى به، الكاتب يوسف احنانة.
 
ومن جهته، أشار الدكتور محمد أمين السقال في مداخلته، أن الكتاب ثمرة تضاف إلى مجموعة من الأعمال الجادة التي لها قيمة كبرى، تبعا لقيمة موضوعه وصاحبه، مشيرا إلى أهمية مكانة الأستاذ احنانة في مجال البحث الكلامي عموما، وفي علم الكلام الأشعري في الغرب الإسلامي خصوصا. كما أبرز أهمية الكتاب لكونه فتح بابا واسعا أمام الباحثين المتخصصين في الفلسفة، ولا سيما في علم الكلام، معترفا للأستاذ احنانة بالفضل في السبق بطرح الموضوع. وأضاف أن الكتاب يزخر بالنصوص والمخطوطات والمعلومات النفيسة والمعطيات الثمينة، التي يصعب الوصول إليها بالنسبة لغالبية المتخصصين. وهذا، وفق قوله، يمنح كتاباته عموما، والكتاب المحتفى به خصوصا، هذه القيمة المضافة والنوعية. كما أكد الباحث محمد الراضي أن كتاب الدكتور احنانة أثار الكثير من الإشكالات التي يقتضي معاودة النظر فيها، خاصة تلك التي تتعلق بالعلاقة بين علم الكلام والفلسفة.
وقد أوضح صاحب الكتاب الدكتور احنانة، أن إشكالية هذا الكتاب تتحدد من حيث مضمونها وجغرافيتها وأهدافها، ضمن سياق زمني ومكاني محدد، مبرزا صراع المنظومة الكلامية والفلسفية منذ بروز علم الكلام. وهذا الصراع -وفق تصوره- صراع من أجل امتلاك الحق والهيمنة، إذ يعتبر الأشاعرة أنفسهم أصحاب هذا الحق، على اعتبار أن موضوع الإلهيات هو من صميم العقيدة، وليس موضوع الفلسفة. وأضاف أن الحضور الفلسفي وعلوم الأوائل في الغرب الإسلامي لم يكن الموضوع المركزي الذي يحرك الإشكالية، بل كان مدخلا بسيطا لإبراز كيفية حضور المتن الفلسفي في الغرب الإسلامي.
جانب من الحضور
 
وأشار إلى أن التركيز في عمله كان على المذاهب العقدية التي عرفت حضورها في الغرب الإسلامي، موضحا أن الأشاعرة هم الذين تصدوا للخطاب الفلسفي أكثر من غيرهم، وكان الرد موجها إلى الفلسفة نفسها لا إلى الفلاسفة، على اعتبار أن الفلسفة لم تمت في الغرب الإسلامي بموت ابن رشد، بل بقيت تُدرس بطريقة سرية. كما بين أن الفلسفة بكونها مبحثا عقلانيا، وجدت من يستوعبها ويستبطنها داخل الخطاب الصوفي.
وختم بالإشارة إلى أن أهمية هذا الكتاب تتجلى في خلخلة بعض الأطروحات التي اعتقد الباحثون المحنكون أن ابن رشد ما كُتب من ردود عليه محدودة.
واختتم اللقاء بكلمة رئيسة المؤسسة، الدكتورة حسناء داود، حيث عبّرت عن شكرها الجزيل للدكتور احنانة، مؤكدة على اللقب الذي أصبح مرتبطا به، وهو "شيخ الأشاعرة". وشكرت المتدخلين وكل الحاضرين الذين ساهموا في إنجاح هذا اللقاء، قبل تسليم الشهادات التقديرية للمشاركين في اللقاء.
 
إلياس التاغي، منسق نادي اللغات والتواصل الحضاري بكلية أصول الدين/تطوان