يدخل القانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 7437 بتاريخ 8 شتنبر 2025،حيّز التنفيذ ابتداء من 08 ديسمبر 2025، إيذانا بانتقال تشريعي بالغ الحساسية تتقاطع فيه أسئلة الفعالية الإجرائية مع هواجس الشرعية وضبط مسالك التأويل. ولا يتعلق الأمر بمجرد استبدال نصوص أو إعادة ترتيب قواعد الإثبات والتحقيق والمتابعة، بل نحن أمام لحظة عتبة تعيد رسم ملامح النسق الجنائي برمته، وتضع الفاعلين المؤسساتيين والمهن القانونية، وفي طليعتهم الدفاع، أمام مسؤوليات مباشرة في استيعاب هندسة الإصلاح على حقيقتها، بعيدا عن الخطاب التبسيطي أو النزعة الاحتفالية التي رافقت الإعلان عن دخول القانون حيّز التطبيق.
واذا كانت البنى القضائية، وفي طليعتها المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، قد بادرت إلى إصدار مناشير ودوريات تفسيرية، ترتيبا لانسجام الممارسة القضائية مع مضامين التعديل الجديد، فإن ما يثير الانتباه حقا هو الغياب شبه التام لمقاربة مهنية منظمة من جانب المؤسسات التمثيلية للمحامين، سواء عبر مذكرات تفسيرية موحدة أو أوراق تأطيرية موجهة لشرح الأثر المباشر لمقتضيات القانون على عمل الدفاع داخل مخافر الشرطة وقاعات التحقيق وقضاء الحكم. وهو غياب لا يمكن التعامل معه بوصفه مجرد مفارقة زمنية أو نقصا عابرا في التفاعل، بل يمثل ثغرة منهجية حقيقية بالنظر إلى حجم التحولات التي تطال مركز المحامي داخل المنظومة الإجرائية.
فدخول القانون حيّز التنفيذ بهذا الشكل المتسارع، دون سند مهني يضمن وحدة الفهم ووحدة السلوك، يفتح الباب أمام احتمالات واسعة من التأويلات المتنافرة داخل المحاكم ومخافر الشرطة، ويهدد بخلق مناطق رمادية تزيد من منسوب الاحتكاك بين الدفاع والنيابة العامة وقضاة الحكم، خصوصا في ظل بعض المقتضيات التي لا تخلو من غموض أو من قابلية لتعدد القراءات. ولا يتعلق الأمر بادعاء مسبق بوجود أو عدم وجود اختلالات في القانون الجديد، بقدر ما هو تنبيه إلى أن النصوص، مهما بلغت درجة دقتها، تظل رهينة شروط تنزيلها ووضوح آليات تفعيلها.
كما أن المراجعة النقدية للمسطرة الجنائية، وفق نسختها الجديدة، تكشف أن القانون لا يوسع بالضرورة دائرة الضمانات كما تم الترويج لذلك في الخطاب العمومي، ولا يعزز قرينة البراءة في جميع مواضعها، بل يعيد ترتيب مساحات السلطة التقديرية لدى أجهزة البحث ويمنح النيابة العامة أدوات إضافية في التتبع وتدبير مسار الدعوى العمومية. وهو ما يستدعي من المهنة، لا من التشريع وحده، أن تضبط حدود الأثر وأن تبلور الأدوات اللازمة لحماية الحقوق الأساسية للمتقاضين، خصوصا في المراحل الحساسة التي يبدأ فيها التفاوض الحقيقي حول مصير الحرية.
إن لحظة العتبة التي تعبرها المسطرة الجنائية ليست حدثا تقنيا، بل منعطفا معياريا يختبر صلابة البنية القانونية وقدرة مؤسسات المهنة على إنتاج خطاب تأويلي منظم يحصّن الممارسة ويحد من الانزياحات المحتملة خلال التطبيق الأولي للنصوص. كما أنها لحظة تفرض وعيا مهنيا جماعيا يتجاوز ردود الفعل الظرفية نحو بناء رؤية متماسكة تستحضر الحاجة إلى توحيد الفهم، وتضبط العلاقة بين سلطة النص وسلطة التأويل، وتمنع ارتباكات البدايات التي غالبا ما تُلقي بظلالها على استقرار الاجتهاد اللاحق.
ولعل أهم ما تكشفه هذه المرحلة هو أن غياب التأطير المهني لا يضعف فقط موقع الدفاع داخل سير الدعوى، بل ينعكس مباشرة على ضمانات المحاكمة العادلة، لأن المحامي ليس متلقيا سلبيا للقانون، بل فاعل رئيسي في إنتاج تفسيره وتحديد أفقه وحدوده. ومن ثم فإن أي تردد في الاضطلاع بهذا الدور يترك فراغا قد يملؤه غيره، بما في ذلك منطق السلطة الإجرائية الذي لا يخلو بطبيعته من نزعة توسعية ما لم يتم تقييده بقراءة حقوقية يقظة.
إن دخول القانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، حيّز التنفيذ ابتداءً من 08 دجنبر 2025، يجب أن يشكل مناسبة لإعادة ترتيب المشهد المهني، والتأسيس لوعي جماعي يواجه رهانات النفاذ بروح نقدية لا تكتفي بما يرد في الخطاب الرسمي من وصف إصلاحي. فاليقظة المهنية لم تعد ترفا، بل أصبحت شرطا بنيويا لضمان التوازن داخل الدعوى الجنائية، ومنع أي ميل نحو القراءة الضيقة للنصوص أو جعلها ذريعة لتوسيع السلطة على حساب جوهر المحاكمة العادلة.
وبذلك، فإن لحظة العتبة التي نعيشها اليوم ليست مجرد تاريخ يضاف إلى رزنامة التطبيق، بل هي اختبار لمدى قدرة الفاعلين المهنيين على تحويل النص إلى ممارسة منضبطة وواعية، وعلى حماية المعنى الحقيقي للمسؤولية القانونية، بما يجعل الدخول التشريعي الجديد مناسبة لتعزيز الأمن القانوني لا لإرباكه، ولتوسيع منسوب الثقة في العدالة لا لخلق شروخ في بنيتها.
واذا كانت البنى القضائية، وفي طليعتها المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، قد بادرت إلى إصدار مناشير ودوريات تفسيرية، ترتيبا لانسجام الممارسة القضائية مع مضامين التعديل الجديد، فإن ما يثير الانتباه حقا هو الغياب شبه التام لمقاربة مهنية منظمة من جانب المؤسسات التمثيلية للمحامين، سواء عبر مذكرات تفسيرية موحدة أو أوراق تأطيرية موجهة لشرح الأثر المباشر لمقتضيات القانون على عمل الدفاع داخل مخافر الشرطة وقاعات التحقيق وقضاء الحكم. وهو غياب لا يمكن التعامل معه بوصفه مجرد مفارقة زمنية أو نقصا عابرا في التفاعل، بل يمثل ثغرة منهجية حقيقية بالنظر إلى حجم التحولات التي تطال مركز المحامي داخل المنظومة الإجرائية.
فدخول القانون حيّز التنفيذ بهذا الشكل المتسارع، دون سند مهني يضمن وحدة الفهم ووحدة السلوك، يفتح الباب أمام احتمالات واسعة من التأويلات المتنافرة داخل المحاكم ومخافر الشرطة، ويهدد بخلق مناطق رمادية تزيد من منسوب الاحتكاك بين الدفاع والنيابة العامة وقضاة الحكم، خصوصا في ظل بعض المقتضيات التي لا تخلو من غموض أو من قابلية لتعدد القراءات. ولا يتعلق الأمر بادعاء مسبق بوجود أو عدم وجود اختلالات في القانون الجديد، بقدر ما هو تنبيه إلى أن النصوص، مهما بلغت درجة دقتها، تظل رهينة شروط تنزيلها ووضوح آليات تفعيلها.
كما أن المراجعة النقدية للمسطرة الجنائية، وفق نسختها الجديدة، تكشف أن القانون لا يوسع بالضرورة دائرة الضمانات كما تم الترويج لذلك في الخطاب العمومي، ولا يعزز قرينة البراءة في جميع مواضعها، بل يعيد ترتيب مساحات السلطة التقديرية لدى أجهزة البحث ويمنح النيابة العامة أدوات إضافية في التتبع وتدبير مسار الدعوى العمومية. وهو ما يستدعي من المهنة، لا من التشريع وحده، أن تضبط حدود الأثر وأن تبلور الأدوات اللازمة لحماية الحقوق الأساسية للمتقاضين، خصوصا في المراحل الحساسة التي يبدأ فيها التفاوض الحقيقي حول مصير الحرية.
إن لحظة العتبة التي تعبرها المسطرة الجنائية ليست حدثا تقنيا، بل منعطفا معياريا يختبر صلابة البنية القانونية وقدرة مؤسسات المهنة على إنتاج خطاب تأويلي منظم يحصّن الممارسة ويحد من الانزياحات المحتملة خلال التطبيق الأولي للنصوص. كما أنها لحظة تفرض وعيا مهنيا جماعيا يتجاوز ردود الفعل الظرفية نحو بناء رؤية متماسكة تستحضر الحاجة إلى توحيد الفهم، وتضبط العلاقة بين سلطة النص وسلطة التأويل، وتمنع ارتباكات البدايات التي غالبا ما تُلقي بظلالها على استقرار الاجتهاد اللاحق.
ولعل أهم ما تكشفه هذه المرحلة هو أن غياب التأطير المهني لا يضعف فقط موقع الدفاع داخل سير الدعوى، بل ينعكس مباشرة على ضمانات المحاكمة العادلة، لأن المحامي ليس متلقيا سلبيا للقانون، بل فاعل رئيسي في إنتاج تفسيره وتحديد أفقه وحدوده. ومن ثم فإن أي تردد في الاضطلاع بهذا الدور يترك فراغا قد يملؤه غيره، بما في ذلك منطق السلطة الإجرائية الذي لا يخلو بطبيعته من نزعة توسعية ما لم يتم تقييده بقراءة حقوقية يقظة.
إن دخول القانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، حيّز التنفيذ ابتداءً من 08 دجنبر 2025، يجب أن يشكل مناسبة لإعادة ترتيب المشهد المهني، والتأسيس لوعي جماعي يواجه رهانات النفاذ بروح نقدية لا تكتفي بما يرد في الخطاب الرسمي من وصف إصلاحي. فاليقظة المهنية لم تعد ترفا، بل أصبحت شرطا بنيويا لضمان التوازن داخل الدعوى الجنائية، ومنع أي ميل نحو القراءة الضيقة للنصوص أو جعلها ذريعة لتوسيع السلطة على حساب جوهر المحاكمة العادلة.
وبذلك، فإن لحظة العتبة التي نعيشها اليوم ليست مجرد تاريخ يضاف إلى رزنامة التطبيق، بل هي اختبار لمدى قدرة الفاعلين المهنيين على تحويل النص إلى ممارسة منضبطة وواعية، وعلى حماية المعنى الحقيقي للمسؤولية القانونية، بما يجعل الدخول التشريعي الجديد مناسبة لتعزيز الأمن القانوني لا لإرباكه، ولتوسيع منسوب الثقة في العدالة لا لخلق شروخ في بنيتها.