الجمعة 26 إبريل 2024
مجتمع

هل ستتخلى خديجة الرياضي عن الريع الوظيفي في إدارة الضرائب؟

هل ستتخلى خديجة الرياضي عن الريع الوظيفي في إدارة الضرائب؟

تشهد فرنسا نقاشا حيويا يهم مشروع الزيادة في ساعات العمل،والتخلي عن طقس الراحة أيام الآحاد من أجل مواجهة الانحسار الاقتصادي، وتطويق آثار الأزمة المالية التي تعيشها أوروبا بشكل عام. على ضوء ذلك استحضرت بعض مظاهر السلوك السياسي لدى بعض نخبنا ونشطائنا المدنيين والطموح المعلن من أجل إنقاذ السياسة من العبث، وتمتيعها بالمصداقية اللازمة وهو الأمر الذي لا يعني فقط الاستمرار في نفح الخطاب بالشعارات الكبرى من قبيل محاربة الاستبداد وإسقاط الفساد وتقعيد المواطنة وتحقيق العدالة الاجتماعية. بل يلزم كذلك أن نختبر هذه الشعارات، التي هي مطلب شعبي عادل ونبيل، على محك الواقع، وعلى ضوء سلوك منتجي هذا الخطاب أنفسهم، خاصة منهم من ينتمي إلى تيار اليسار والتيار الحقوقي الذين يقدمون أنفسهم كنموذج للطهرانية التي لا يأتيها التلوث من الأمام أو من الخلف.

إن حالة خديجة الرياضي، الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تمثل أفضل نموذج لإجراء هذا الاختبار في نظر المراقبين، وذلك بالنظر إلى دورها في الحياة السياسية الوطنية، وإلى الصورة التي أحيطت بها كمناصرة أممية لحقوق الإنسان في المغرب والعالم. خديجة تشتغل كإطار في إدارة الضرائب بوزارة المالية، وتتقاضى مقابل ذلك راتبا شهريا محترما وتحصل على منح وعلاوات. لكن معلوماتنا تؤكد أن المعنية بالأمر مجرد موظفة شبح بشهادة زملائها الذين لا يرونها في "الميدان" إلا قليلا قليلا. وهو السلوك الذين يجعل هؤلاء الزملاء يستاؤون من هذا المظهر الشبحي لسيدة لا تعمل أساسا ليكون لها نفس الامتياز لموظفين يعملون كاملا من أجل جعل الراتب حلالا مستحقا. وفي ذلك إهانة للوظيفة العمومية، ولزملائها في إدارة الضرائب، ولقيمة العمل الذي هو بمثابة العبادة.

إن مثل هذا السلوك لا يمكن إلا اعتباره استفادة مباشرة من أخطبوط الريع، وإلا كيف نقبل من مناضلة "أممية" بشعاراتها المناوئة للفساد والاستبداد والريع أن تقتات من المال العمومي دون أن تعرق فيها أو تنشف. وإذا كانت خديجة " تفرع" رؤوسنا دائما باستدعاء نموذج الترشيد ومحاربة الريع والعقلية الانتاجبة في المجتمعات الديمقراطية، فلا بأس أن تستخلص الرياضي، على سبيل الاستئناس، رسائل نموذج فرنسا المشار إليه أعلاه . فهل تستوعب السيدة خديجة الرياضي هذا النموذج ودلالاته في سياق مطالبتها بالترشيد والقطع مع الريع، وبالمبادئ المصاحبة من قبيل تنزيل مطلب ربط المسؤولية بالمحاسبة.

هذا المطلب الذي لا يعني فقط مراقبة مسؤولي السياسات العمومية في إطارها العام، ولكن أيضا إخضاع كل موظفي القطاعات المهنية العامة والخاصة إلى مبدأ المحاسبة ذاته. إذا كانت الديمقراطية لا تتحقق بدون الديمقراطيين، فإن الفساد لا يمكن كذلك أن يحارَب بمن يلعب على الحبال، ويعيث في الأرض ادعاء وفسادا. إن المغرب الذي يخوض معركة الدمقرطة منذ سنوات، بما تكلفه من تضحيات اليسار الحقيقي، لا يمكن أن يقبل باستمرار وجود أشخاص يتحركون على أرضه بقناع مزدوج: راديكالية الخطاب مقابل فساد السلوك وتهافته وانتهازيته، مثلما لا يقبل أن يكون على أرضه أشخاص "استثنائيون" يأكلون "الغلة ويسبون الملة"، ويجعلون السياسة مجرد ذريعة للابتزاز، ولإدامه فلسفة الريع ولاقتسام غنيمة الفشل المجتمعي.