في ظرف 20 سنة، تمكنت ثلاث عائلات كورية كبرى ذات ثروة هائلة، من أن تنقل كوريا من دولة تتلقى المساعدات الدولية، إلى دولة تقدم المساعدات إلى باقي دول العالم الثالث، وتمكنت من أن تنقل كوريا من دولة كان ناتجها الداخلي الخام أقل من المغرب في مطلع السبعينيات إلى دولة يصنف اقتصادها اليوم في الرتبة 13 عالميا والثامن عالميا من حيث التصدير.
في ظرف 20 سنة، استطاعت هذه العائلات الكورية الثلاث الثرية، أن تطيح باليابان من عرش الصناعة البحرية، وتتوج كوريا بتاج صناعة السفن على المستوى العالمي.
في ظرف 20 سنة، قامت هذه العائلات الكورية الثلاث الثرية، من تحقيق معجزة، جعلت كوريا تستحوذ اليوم على 48 % من الطلبيات عالميا لإنتاج وتصنيع المحطات العائمة للغاز الطبيعي المسال ولسفن الحاويات ولمنصات النفط العائمة في "أوفشور"، بعد أن كانت كوريا تنتظر في الخمسينات والستينات، على أحر من الجمر أن ترسو سفينة أمريكية بأحد موانئ كوريا لتزويدها بكيس دقيق أو بمعلبات غذائية أوبخردة أو قطعة حديدية من «لافيراي».
هذه العائلات الكورية هي:
أولا: Chung Ju- Yong مؤسس شركة هيونداي Hyundai
ثانيا: Kim Woo-Choong مؤسس شركة دايوو DAEWOO
ثالثا: Lee Byung -Chul مؤسس شركة سامسونغ Samsung .
ثانيا: Kim Woo-Choong مؤسس شركة دايوو DAEWOO
ثالثا: Lee Byung -Chul مؤسس شركة سامسونغ Samsung .
فإلى حدود 1973، كانت الدول الغربية هي المهيمنة على صناعة السفن في العالم، لكن بعد الصدمة النفطية، انتبهت بعض دول آسيا لمخاطر رهن سيادتها بالخارج لنقل وتصدير منتوجاتها فصممت أن تدخل غمار التصنيع من بابه الواسع. وكانت أول دولة مبادرة هي اليابان، قبل أن تزيحها كوريا من البوديوم الكوني في أواسط التسعينيات من القرن الماضي.
ذلك أن كوريا فطنت في منتصف السبعينيات من القرن 20، لأهمية التوفر على أوراش بحرية لصناعة السفن، ونادت حكومة Park Chung-hec (وهو الجنيرال الذي حكم كوريا بقبضة من حديد من 1961 إلى 1979)، على رجال الأعمال الكبار في البلد ليجروا التصنيع بكوريا إلى العالمية. فولدت من رحم الفكرة ثلاث شركات كورية كبرى مختصة في تصنيع السفن والأوراش البحرية، وهي:
1 - Hyunday Heavy Industries
2 - Daewoo Shipbuilding
3 - Samsung Heavy Industries
2 - Daewoo Shipbuilding
3 - Samsung Heavy Industries
هذه العائلات الكورية الثلاث غامرت بأموالها وباستثماراتها، لتقعيد أسس الصناعة البحرية بالبلد، بحكم أن هذا النوع من التصنيع يتطلب استثمارات مهمة وضخمة في التجهيز والمعدات من جهة، ويستدعي توظيف المهارات البشرية ذات التكوين التقني والمالي والتسويقي العالي والمدربة من جهة ثانية، ويفرض المغامرة في الاستثمار في البحث العلمي من جهة ثالثة. علما أن هذه المخاطرة الكورية تميزت في أواخر السبعينيات بـ «الانتحار»، لكون الطلب الدولي على السفن عرف انكماشا، وهي الأزمة التي أدت إلى توقف عدد من الأوراش البحرية في العالم.
لكن إصرار الكوريين وعدم اعتمادهم على الريع والامتيازات المجانية من الدولة، سيؤتي أكله مع مطلع التسعينيات من القرن 20، ببروز الصين كقوة. وكانت المؤشرات تنبئ آنذاك بأنها ستكون عملاق العالم في المستقبل. فبرزت الآفاق الواعدة في هذا الباب، بالنظر إلى أن الصين أضحت هي «مصنع العالم». وهو ما جعل كوريا تستفيد من استثمارات شركاتها في قطاع الصناعة البحرية، فقادت صناعة السفن الاقتصاد الكوري نحو الأعلى. لدرجة أن قطاع السفن لوحده أضحى صناعة وطنية استراتيجية بكوريا بحوالي 10 % من مجموع صادرات البلاد، وبالتالي جعله يحتل المرتبة الرابعة أو الخامسة في أهمية التصدير حسب الأعوام وحجم الطلبيات.
وعلى عكس الصين واليابان اللتين اختارتا التركيز على السفن التقليدية الخاصة بالشحن، فإن كوريا اختارت التركيز على النوع المتوسط العالي (Le moyen - haut de gamme)، والتخصص أكثر في المحطات والمنصات العائمة الخاصة بالنفط في البحار أو بالطاقات المتجددة، خاصة وأن هذا النوع من التصنيع يتطلب في المعدل سنتين لإنجاز الطلب، عكس السفن التقليدية التي لا تتطلب سوى فترة بين 8 و10 أشهر للإنجاز، وهو ماسمح لكوريا بإدامة فرص الشغل بأوراشها البحرية.
وتحسبا من منافسة الجوار (خاصة الصين والهند والفيتنام)، اختارت الشركات الكورية الاستثمار في الابتكار والبحث العلمي وفي التجديد، مما قادها عام 2008 إلى تبني «استراتيجية تنمية المحيطات»، وهي استراتيجية لا تعتمد على بناء السفن والمنصات البحرية العائمة فقط، بل تمتد لتشمل كل مجالات التنمية البحرية والتمويل البحري، مما أدى بكوريا إلى تطوير منظومات من السفن الذكية ورقمنة السفن وإنتاج المحركات المتطورة غير المستهلكة للطاقة.
في المغرب، ورغم كون سواحلنا تصل إلى 3500 كلم، فإن قطاع السفن (نقول قطاع السفن مجازا، لأن أغلبه يعتمد صناعة القوارب الخشبية! بدون قيمة مضافة اقتصادية مهمة)، لم يخلق على امتداد 10 سنوات سوى رقم معاملات هزيل بقيمة 500 مليون درهم (أي بمعدل 50 مليون درهم كل سنة !)، ولم يخلق هذا القطاع سوى 700 منصب شغل خلال نفس الفترة (2013/2022)، وهو ما يمثل 70 منصب شغل كل عام ! أي منصب شغل واحد لكل 50 كيلومتر من السواحل كل عام! (للمقارنة الصناعة البحرية خلقت 140 ألف منصب شغل في كوريا!).
أضف إلى ذلك، أن المغرب، وبدل أن يتوفر على أسطول وطني يؤمن السيادة الاقتصادية للبلد، نجد المغرب تحت رحمة الشركات الأوربية الأجنبية لنقل سلعنا وصادراتنا ووارداتنا، بل ولنقل مغاربة العالم كل صيف. علما أن المغرب كان يتوفر في الثمانينيات من القرن الماضي على 73 سفينة، لينهار العدد اليوم إلى 16 سفينة متواضعة بالكاد، حسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
فلماذا التقطت المجموعات المالية الخاصة بكوريا، الإشارة من الدولة وغامرت باستثماراتها لتصنيع كوريا وتطوير البحث العلمي بهذه الدولة، بينما المجموعات المالية الكبرى بالمغرب ظلت عالة على البلد والمجتمع، تنتظر الغنائم والريع من الدولة، بدل أن تجر الاقتصاد المغربي نحو التنافسية العالمية، وتحصن المغرب بصناعة وبتكنولوجيا وببحث علمي متطور، ليدخل المغرب إلى نادي الدول المصنعة في أفق 10 أو 15 سنة!
السؤال مطروح على العائلات الكبرى ذات الثراء الفاحش بالمغرب، لتبادر وتقود ثورة صناعية بالمغرب، ليتسنى لبلدنا أن يصعد للبوديوم العالمي (على غرار كوريا) في المستقبل القريب، ولكي يتحرر المغرب من سطوة «البراني» الذي نهب كل مدخرات الخزينة العامة.
ولكم واسع النظر.