قدّم عبد القادر الحافظ بريهما، المتابع لملف الصحراء المغربية قراءة نقدية لاذعة لمواقف البشير مصطفى السيد وقيادة جبهة البوليساريو، معتبرا أن خطابهم لم يعد سوى صدى لمرحلة تجاوزها التاريخ، تقوم على شعارات فقدت معناها وممارسات قائمة على التبعية للجزائر. وأبرز الكاتب المفارقة بين واقع الفشل والانقسام الذي يعيش فيه مخيم تندوف، وبين مسار التنمية والاستقرار الذي تشهده الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية منذ استرجاعها.
ما كتبه البشير مصطفى السيد لا يعدو أن يكون صرخة يائس فقد السيطرة على الواقع، يحاول من خلالها تبرير نصف قرن من الفشل والجمود بشعارات بالية فقدت معناها منذ زمن بعيد. لقد أصبح هذا الرجل وزمرته من القيادة القبلية الفاشلة والشوفينية رمزًا لخطاب ميت يعيش على فتات الماضي، متجاهلًا التحولات الكبرى التي يعرفها العالم والمملكة المغربية على السواء. فمنذ استرجاع الأقاليم الجنوبية إلى حضن الوطن، والمغرب يبني الإنسان قبل الأرض، ويُراكم المنجزات الاقتصادية والعمرانية والثقافية والاجتماعية، بينما لم تجنِ قيادة البشير سوى الخيبات والانقسامات، وراكمت سجلًا أسود من الانتهاكات في سجن الرشيد وگويرة بيلة.
القيادة التي يتحدث باسمها هذا الرجل فقدت أي شرعية أخلاقية أو سياسية، لأنها لم تقدّم لأبناء الصحراويات سوى الوهم والدموع. خمسون سنة من الادعاء بالنضال انتهت بمخيمات بائسة وبطون خاوية تنتظر المعونات الجزائرية، في الوقت الذي يعيش فيه أبناء القيادات في بحبوحة لندن ومدريد وباريس ونواكشوط. هذه الازدواجية الأخلاقية الفاضحة حوّلت جبهة البوليساريو إلى كيان قبلي مغلق، يتحرك بإشارة من المخابرات الجزائرية، لا يملك قراره في الحرب ولا في السلم، ويستمر في تجنيد "ولاد الصحراويات" في معارك خاسرة تحت شعارات زائفة لا تسمن ولا تغني من جوع.
المضحك المبكي أن البشير مصطفى السيد يتحدث اليوم عن المقاومة والتحرير وكأن التاريخ لم يفضح أكاذيبهم بعد. هو ومن معه يعلمون أن مشروعهم إنهار منذ أن انكشفت خيوط التبعية المطلقة للجزائر، وأن ترديد لغة الخشب لن يُعيد ثقة ضاعت إلى غير رجعة. في المقابل، قدّمت المملكة المغربية مشروع الحكم الذاتي بإشراف مباشر من جلالة الملك محمد السادس، كحل واقعي وشجاع ومدعوم دوليًا، يفتح أمام الصحراويين الحقيقيين وليس الصحراويين المستجلبين من شمال موريتاني ومالي وجنوب الجزائر أبواب الكرامة والمشاركة الفعلية في تدبير شؤونهم ضمن مؤسسات مغربية ديمقراطية أثبتت قدرتها على التنمية والاستقرار.
لقد سئم الصحراويون من خطاب التهديد والوعيد، ومن زجّ أبنائهم في مغامرات عبثية لا طائل من ورائها. ما يريده الناس اليوم هو الأمن، والكرامة، والتنمية، لا شعارات الحرب الباردة التي تجاوزها الزمن. ومن رحم هذه المعاناة الطويلة برزت حركة صحراويون من أجل السلام لتقول بصوت واضح: كفى عبثًا. إنها حركة نابعة من صميم المجتمع الصحراوي، واقعية في طرحها، صادقة في أهدافها، اختارت طريق العقل بدل طريق البندقية، وتؤمن بأن "السلام الناقص خير من الحرب العادلة". ولهذا السبب تحديدًا تخشاها القيادة البالية، لأنها كشفت زيف احتكارها للتمثيل وفضحت فسادها الأخلاقي والسياسي أمام العالم.
إن زمن المتاجرة بالشعارات قد انتهى إلى غير رجعة. من يتحدث اليوم باسم الصحراويين عليه أن يقدّم مشروعًا واقعيًا، لا خطبًا جوفاء. العالم تغيّر، والمغرب تغيّر، والواقع فرض منطقه. والأمم المتحدة اليوم باتت تُصغي إلى أصوات جديدة تنبع من عمق الصحراء نفسها، من أبناءها الحقيقيين الذين رفعوا راية الواقعية والسلام. حركة صحراويون من أجل السلام صدحت بصوتها داخل مقر الأمم المتحدة في نيويورك، لتؤكد أن القضية لم تعد رهينة لزمرة البشير مصطفى السيد، بل أصبحت قضية جيل جديد اختار الواقعية بدل الوهم، والبناء بدل الخراب، والسلام بدل الجنون.