من يقف اليوم على سقالة مرسى الصويرة ويتأمل الأفق قد يلمح بين تلاطم الأمواج جزيرة صغيرة تبدو كأنها لغز غارق في التاريخ، لا أحد يخبرك ما تخفيه صخورها، ولا أحد يروي لك حكاياتها القديمة، لكن من يقترب منها يدرك أنه أمام شاهد على زمن كانت فيه مدينة الصويرة بوابة الأطلسي ومسرحا لصراع الممالك والأساطيل.
هناك، وسط الموج والرياح، ما زالت الجزيرة الصغيرة تقاوم النسيان، وتمسك بذاكرة كادت أن تذوب، حاملة في طياتها أسرار البحارة والأحلام الضائعة التي عبرت هذه المياه منذ قرون.
البرتغاليون وبناء كاستيلو ريال
سنة 1506 شيد البرتغاليون فوق هذه الجزيرة قلعة محصنة أطلقوا عليها اسم كاستيلو ريال أي قصر الملك، وكانت القلعة آنذاك رمزا لقوة بحرية تسعى لمد نفوذها نحو الجنوب ومركزا استراتيجيا لمراقبة الممرات التجارية، لكن عزيمة السكان المحليين كانت أقوى من جدران الحجر، فبعد أربع سنوات فقط اضطر البرتغاليون إلى مغادرة القلعة سنة 1510 مكرهين، تاركين وراءهم أطلالا تشهد على مواجهة غير متكافئة بين الغزاة وأصحاب الأرض.
حياة جديدة في عهد السلطان محمد الثالث
ومع مرور العقود خيم الصمت على الجزيرة حتى جاء القرن الثامن عشر ليمنحها حياة جديدة في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله مؤسس مدينة موكادور سنة 1765، ضمن مشروعه لبناء مدينة بحرية مغربية ذات طابع عالمي، فأدرج الجزيرة في المنظومة الدفاعية إلى جانب سقالة الميناء وسقالة المدينة، فغدت امتدادا طبيعيا للأسوار التي تحمي المرسى من هجمات البحر، مستحضرة عبقرية مهندسيها وذكاء الاستراتيجيات التي صمدت أمام الزمن.
الذاكرة المفقودة والهوية البحرية
لكن البحر الذي كان درعا للمدينة تحول بمرور الزمن إلى خصم ينهش أطراف الجزيرة، والرياح المالحة والرطوبة العالية فعلت فعلها في الحجارة، والجدران القديمة بدأت تتهاوى قطعة بعد أخرى.
ورغم أن المدينة العتيقة نالت تصنيف التراث العالمي سنة 2001، ظلت الجزيرة خارج الاهتمام، لا يشملها أي مشروع ترميم ولا خطة حماية واضحة، وكأنها منسية على مقربة من قلب الصويرة النابض.
ومع ذلك، لا تزال الجزيرة حاضرة في وجدان الصويريين، فهي ليست صخرة في البحر هي ذاكرة متجسدة، تحكي عن مرحلة من المجد والمقاومة وعن علاقة الإنسان الصويري بالبحر الذي منحه الحياة وأرهقه في الوقت نفسه. كل موجة ترتطم بصخورها تعيد إلى الأذهان قصص الحراس والجنود والتجار الذين مروا من هنا وتركوا بصماتهم قبل أن يبتلعهم الزمن، وتذوب في ذاكرة المكان مثل همسات الماضي التي تتردد مع الرياح.
إنقاذ مآثر الجزيرة اليوم قضية هوية، فهي أول صفحة مكتوبة في سجل الوجود الأوروبي على الساحل الأطلسي وشاهد على عبقرية التخطيط المغربي الذي واجه البحر بالحجر والعقل.
ترميم مآثرها التاريخية سيعيد الحياة للجزيرة الصغيرة، ويمنح المدينة قطعة من ذاكرتها المفقودة، ويحولها إلى فضاء للتأمل والبحث والتاريخ.
قد تكون الجزيرة صغيرة في حجمها لكنها تختزن في صمتها حكاية أمة واجهت البحر بكل شموخ، وكاستيلو ريال التي تحدت الموج خمسمائة عام ما زالت تنتظر من ينتشل مآثرها من النسيان، ويعيد للجزيرة مكانتها كجوهرة نائمة على عتبة الأطلسي.

