الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
كتاب الرأي

ياسين يسني:من كأس العرب إلى كأس أفريقيا.. من "البياض الناعم" إلى "السواد الخشن"

ياسين يسني:من كأس العرب إلى كأس أفريقيا.. من "البياض الناعم" إلى "السواد الخشن" ياسين يسني
أنطلق في هذا المنشور من ملاحظة ما يتم نشره من فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تحاول المقارنة بين نوعية اللعب في كأس أفريقيا وكأس العرب. اتفقت أغلب هذه الفيديوهات أن المغرب سينتقل من عالم البياض المتميز باللعب "النظيف" و"الناعم" في مواجهة "الأشقاء العرب" إلى عالم السواد المتميز باللعب "الخشن" والعنيف" في مواجهة "الأفارقة". فقد سبق وأن قال أحد المحللين الرياضيين بالمغرب أنه لا مكان "للنية" في كأس أفريقيا التي تحتاج إعداد "الرية". فإذا كانت الرياضة ترتبط لدى البيض بالعقل والذكاء فالرياضة لدى الأفارقة السود مرتبطة بالقوة والعضلات. تنبه الدراسات المهتمة بالعنصرية إلى ضرورة عدم حصر ملاحظة الظاهرة التمييزية في التوصيم السلبي حيث تساهم الصور النمطية الإيجابية "stéréotypes positifs" التي تتحدث عن قوة السود وفحولتهم في إعادة بناء التراتبيات العرقية في المتخيل الاجتماعي من خلال تتبيث صورة الأسود المتوحش-الحيوان التي وللأسف الشديد ترسخها الألقاب القدحية التي تصف السود "بالماعز" و"سراق الزيت" و" القردة" وهي صور راسخة في المتخيل العربي يؤكد نادر كاظم أن :""تشبيه السود بالحيوانات كان ولا زال من أشد الصور صلابة وقوة في الثقافة العربية الإسلامية، ومن هذه الصورة الأم ستتناسل صور قدحية أخرى تتحدث عن شهيتهم الجنسية المفرطة وطول أجهزتهم التناسلية وقوتهم العضلية وعريهم". فابن خلدون مثلا يصف السود في مقدمته بالأقرب إلى الحيوان والأكثر استعدادا للإستعباد ويتهمهم بأكل لحوم البشر.
 حسب المؤرخ الفرنسي باسكال بلنشار سيكون الجسد الأسود في الثقافة الغربية موضوع أربع خطابات إيديولوجية. الخطاب الأول: صور الإنسان الأسود ككائن خاضع حامل لاستعداد طبيعي للاستعباد ومشيئة إلهية تجسد في اللعنة التي سلطها الله على حام وأحفاده.  الخطاب الثاني: تزامن مع القرن التاسع عشر حيث صور الجسد الأسود كجسد غرائبي، فقد حول الإنسان الأسود إلى إنسان حيوان سيتم وضعه فيما يسمى حدائق الحيوانات الإنسانية ليكون موضوع فرجة. الخطاب الثالث: في بداية القرن العشرين سيتحول الجسد الأسود إلى جسد عدواني ومحارب مدافع عن مصالح فرنسا الكولونيالية. الخطاب الرابع: في منتصف القرن العشرين سيتم تثبيت الجسد الأسود في صورة الجسد الأسود الرياضي، الذي سيغزو عالم الإعلانات التجارية.
التمييز القائم على لون البشرة هو ظاهرة اجتماعية كلية  Un Fait social total، أي أنه صور وبنيات تتغلغل في جميع جوانب المجتمع، ولا يستثنى من ذلك الرياضة. الرياضة تعكس وتضخم السلوكات التمييزية المنتشرة في مجتمع محدد، ولكنها أيضاً ساحة معركة حيث الرياضيون والمنظمات يستطيعون مناهضة كل أشكال التمييز. تزكي الرياضة "الجوار المجهض"، حسب ياسين عدنان، بين المغرب ودول جنوب الصحراء. يأخذ العبؤ الكولونيالي شكلا جغرافيا متخيلا يقسم القارة الأفريقية إلى شمال أبيض وجنوب أسود. تأخذ مباريات أفريقيا البيضاء(كما نعتها هيجل) المغرب-تونس الجزائر ضد أفريقيا السوداء-دول جنوب الصحراء، شكل صراع  بين "البيض" والسود". 
اللعب ضد بلد إفريقي من جنوب الصحراء يعبر عنه من خلال لفظ سنلعب ضد "عزاوة" أو "الأفارقة. يتم تمثيل اللاعب الافريقي الأسود سواء في كرة القدم أو ألعاب القوى كلاعب "ماكر" و"عنيف" و"مخادع". يتحدث بعض الصحفيين والمعلقين الرياضيين عن رحلة الفريق الوطني المغربي نحو بعض بلدان افريقيا جنوب الصحراء كرحلة إلى "الأدغال الافريقية"  لمنازلة "كائنات  رياضية شرسة و ماكرة". يتحدث بنعيسى بوحمالة عن مكر الجغرافيا، فبقدر قربنا الجغرافي من دول إفريقيا بقدر ابتعادنا الهوياتي عنها". يقول رشيد بلنباه: " أقدام المغاربة وأجسادهم في افريقيا لكن عقولهم وروحهم في الشمال-أوروبا. هوس الشمال أنسى المغاربة في "افريقيتهم" وانتمائهم الجغرافي"."
يتحدث الأنتربولوجي الإسباني جوزيف لويس ماتيو دياست عن مفارقة العبودية حيث استطاع الكثير من العبيد أثناء عبوديتهم مراكمة الكثير من الخبرات والكفايات المادية والرمزية التي استطاعوا استثمارها وتحويلها إلى أعمال مدرة للدخل كالطبخ والفن والبركة والرياضة.  بالنسبة لإليس كاشمور دور الرياضي والمسلي هي أدوار فرضت على سود البشرة. فالمهيمن كان في حاجة دائما إلى من يحفظ استمراره ومن يحفظ ذاكرته وأيضا إلى من يسليه. كان "الزنجي-الأسود" في المتخيل العربي الوسيط مرادفا للطرب واللهو والرقص والغناء". يقول أبي بطلان: "لو وقع الزنجي من السماء إلى الأرض ما وقع إلا بإيقاع".  
ولتفسير هذه الممارسات الثقافية تم ربطها بما هو طبيعي "حرارة دم القلب" –"الروح الحيوانية"-"الحرارة الغريزية"-وفساد الدماغ".  حسب الفاعل الحقوقي لليان تورام، اللاعب الفرنسي الدولي السابق، لا زال ينتظر من السود أن يكونوا الفاعلين الأساسيين في الرقص والرياضة والموسيقى، أما البيض فمكانهم الطبيعي هو الثقافي والسياسي والقانوني والطب وعلوم الهندسة.  بالنسبة للمؤرخ الفرنسي باب ندياي الحضور القوي للسود في مجموعة من الرياضيات الشعبية لا يمكن تفسيره من خلال خصائص طبيعية مرتبطة بالجسد الأسود، بل هي ثمرة بناء سوسيو-تاريخي: العامل الأول: مرتبط بالطبقة والهجرة، فمن الواضح أن الرياضة هي وسيلة ارتقاء اجتماعي بالنسبة للمجموعات البشرية المهيمن عليها. العامل الثاني: توجيه السود نحو الرياضة كفضاء دامج ومنسجم مع قدراتهم الطبيعية المفترضة. أما العامل الثالث: فمرتبط باختيارات السود أنفسهم، فهم من يتوجهون نحو مجموعة من الرياضات التي يبرز فيها السود بقوة.  مشاهير السود الرياضيين يمثلون بالنسبة للسود أفضل مثال يحتذى به فيما يخص الارتقاء الاجتماعي.
كأس إفريقيا المنظمة في المغرب ستعطي مرئية مهمة للمكون الأسود الأجنبي كمشجعين وسائحين ومتجولين في المجال العام المغربي الذي وللأسف الشديد يعرف الكثير من السلوكات التمييزية اتجاه سود البشرة وخاصة من مهاجري جنوب الصحراء. كما ذكرتنا المباراة الافتتاحية بوجود دول عربية سوداء كجزر القمر والسودان المكلومة التي ينتفي فيها شرط البياض لنضعها في أجندة تضامننا مع إخواننا العرب والمسلمين. نتمنى أن يكون هذا الحدث الرياضي فرصة لإعادة النظر في  هذه السلوكات ولون هويتنا واكتشاف أفريقيتنا المفقودة واستعادتها كمكون أساسي من مكونات الهوية المغربية.
ياسين يسني، باحث في علم الاجتماع