الاثنين 22 ديسمبر 2025
كتاب الرأي

أنور الشرقاوي: مؤسسات الخدمة الصحية و شركات الأدوية والأجهزة الطبية داخل إطار جمعوي واحد .. هل توجد تضاربات في المصالح ؟

أنور الشرقاوي: مؤسسات الخدمة الصحية و شركات الأدوية والأجهزة الطبية داخل إطار جمعوي واحد .. هل توجد تضاربات في المصالح ؟ الدكتور أنور الشرقاوي
يشهد المشهد الطبي الليبرالي بالمغرب تحوّلًا عميقًا.
تحوّلًا صامتًا في ظاهره، لكنه بالغ الأثر في جوهره.
تحوّلًا اقتصاديًا بقدر ما هو بنيوي وتنظيمي.
في أوساط الفاعلين الصحيين، تبلورت فكرة جديدة:
جمع مؤسسات العلاج والاستشفاء، وصناعة الدواء، وصناعة الأجهزة والتجهيزات الطبية داخل أطار  جمعوي و فدرالية واحد 
هل هذا التوجّه قانوني في المغرب؟
نعم، هو قانوني.
لكن هل هو بلا أثر على مستقبل المنظومة الصحية الوطنية؟
الأمر أبعد ما يكون عن البساطة.
السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه بهدوء وبدون انفعال هو: هل يمكن أن تتعايش المصحات الخاصة، وصناعة الدواء، وصناع ومورّدو التكنولوجيا الطبية داخل فضاء جمعوي واحد، دون الإخلال بتوازن النظام الصحي المغربي؟
 
 المغرب في قلب إصلاح صحي غير مسبوق 
السياق المغربي بالغ الخصوصية.
المملكة منخرطة في أحد أعمق الإصلاحات الصحية في تاريخها الحديث: تعميم التغطية الصحية الإجبارية، إعادة هيكلة العرض الصحي، إحداث المجموعات الصحية الترابية، تنامي دور القطاع الخاص، دخول مستثمرين غير أطباء إلى مجال العلاج والاستشفاء، وإرساء مؤسسات استراتيجية كبرى مثل الهيئة العليا للصحة، الوكالة الوطنية للدم، و الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية.
في هذا المشهد الجديد، لم تعد الحدود الفاصلة بين العلاج، والتصنيع الدوائي، والتجهيز واضحة كما كانت.
المجموعات الصحية الخاصة تتوسع بوتيرة متسارعة.
الصناعة الدوائية الوطنية وصناعة الاجهزة الطبية يحاولان تعزيز موقعهما في مواجهة الشركات متعددة الجنسيات.
هذا  التقارب جاء بطريقة  متدرّجة عبر: جمعيات مهنية، منصات للحوار، تجمعات اقتصادية، ومبادرات مشتركة حول الجودة، والابتكار، والتكوين، والسيادة الصحية.
هذه الفضاءات لا تقدّم نفسها كأطر مطلبية صدامية، بل كآليات تنسيق استراتيجي.
 
 مصالح مشتركة… وأولويات متباينة 
على مستوى الخطاب، الجميع يتحدث اللغة نفسها: جودة العلاج، الابتكار، الولوج، السيادة الصحية، والتنافسية الوطنية.
لكن الواقع المغربي أكثر تعقيدًا.
مؤسسات العلاج تواجه ضغوط التسعير، وإكراهات التغطية الصحية، وكلفة الموارد البشرية، ومتطلبات الاستمرارية المالية.
الصناعة الدوائية مطالبة بالدفاع عن أسعارها، واسترجاع استثماراتها، والعمل داخل سوق شديد التنظيم.
أما مصنعو و مورّدو الأجهزة الطبية، فيتحركون داخل فضاء تكنولوجي مكلف، خاضع لشهادات الجودة، وحجم الطلب، ومنافسة دولية شرسة.
عندما تجتمع هذه العوالم تحت راية واحدة، قد لا يكون التوافق كاملًا .
 
حين تبدأ الخطوط في التلاشي 
في المغرب، لا تظهر تضارب المصالح دائمًا بشكل مباشر.
غالبًا ما تتسلل بهدوء إلى التفاصيل الدقيقة.
تطفو عند النقاش حول أسعار الأدوية والأجهزة، اختيارات التجهيزات الثقيلة، سلات العلاجات القابلة للتعويض، أو التوجهات التكنولوجية
وتزداد حساسية هذه الإشكالات حين تدخل هذه البُنى في حوار مع السلطات العمومية، أو تؤثر في النصوص التنظيمية، أو تشارك في تحديد الأولويات الصحية الوطنية.
ثم هناك ملف بالغ الحساسية: المعطيات الصحية الإلكترونية: 
التصوير الطبي، الأجهزة المتصلة، الملفات الطبية الرقمية… هذه كنوز استراتيجية حقيقية.
من يمتلكها؟
لأي غاية تُستعمل؟
وتحت أي رقابة عمومية؟
 
هل ينبغي رفض أي تقارب بين هذه القطاعات الثلاثة ؟ قطعًا لا 
رفض أي شكل من أشكال التعاون سيكون غير واقعي. 
في بلد يواجه تحديات صحية كبرى، وضغوط التزود، وحاجة ملحة للتحديث السريع، يصبح التنسيق بين العلاج والصناعة والتكنولوجيا أحيانًا مسألة بقاء ودوام الخدمة الصحية. 
الأزمات الصحية، انقطاعات الأدوية، الأمن السيبراني للمستشفيات، صيانة التجهيزات الثقيلة…
من دون حوار منظم، يصبح النظام الصحي هشًا.
المشكلة ليست في التعاون.
المشكلة في غياب قواعد واضحة، شفافة، وقابلة للمساءلة.
 
 حواجز أمان لا غنى عنها في السياق المغربي 
لكي تكون هذه الهياكل ذات مصداقية وجدوى، يجب أن تقوم على شفافية كاملة في مصادر التمويل والمصالح المُمثَّلة، و حكامة متوازنة تمنع هيمنة طرف واحد،
و آليات واضحة لتدبير تضارب المصالح، وإشراك حقيقي للجامعيين، والخبراء المستقلين، وممثلي المرضى، وفصل صارم بين الخدمة الصحية ، والخبرة التقنية، والضغط الاقتصادي.
من دون هذه الضمانات، يصبح تداخل الأدوار أمرًا لا مفر منه.
 
 مسألة نضج جماعي 
المغرب يقف اليوم عند مفترق طرق. التعايش بين المصحات الخاصة، وصناعة الدواء، ومصنعو و مورّدي الأجهزة الطبية أصبح واقعًا لا جدال فيه.
السؤال الحقيقي لم يعد: هل يجب أن يوجد هذا التقارب؟ بل: كيف يُؤطَّر؟ كيف يُراقَب؟ وكيف يُقيَّم؟
الأنظمة الصحية القوية لا تخاف من الحوار. لكنها تخشى الغموض، وتضارب الأدوار، وتهميش المصلحة العامة.
في قطاع الصحة، الثقة مادة أساسية، تُبنى ببطء…وقد تُهدر بسرعة.
الأيام القليلة المقبلة ستُظهر:
هل نجح المغرب في تحويل هذا التقارب إلى رافعة للتقدم؟
أم ترك تشكل منطقة رمادية بتبعات سلبية طويلة الأمد؟
أعداء الأمس أصبحوا اليوم إخوة مصالح. 
فهل سيستمر هذا التحالف؟
أم أن تضارب المصالح سيعيد رسم خطوط الانقسام من جديد؟
الدكتور أنور الشرقاوي، خبير في التواصل الطبي والأعلام الصحي