Wednesday 15 October 2025
سياسة

لماذا لم تتوفق الحكومات المتعاقبة في إصلاح التعليم والصحة؟!

لماذا لم تتوفق الحكومات المتعاقبة في إصلاح التعليم والصحة؟! المتعاقبون على الحكومة: جطو، الفاسي، بنكيران، العثماني وأخنوش
طالب‭ ‬الاحتجاج‭ ‬الشبابي‭ ‬بإصلاح‭ ‬«التعليم»‭ ‬و«الصحة»‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬الشغل،‭ ‬كما‭ ‬طالب‭ ‬بالكفاءة‭ ‬والعدالة‭ ‬والكرامة؛‭ ‬وهي‭ ‬المطالب‭ ‬التي‭ ‬تمس،‭ ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬جوهر‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمواطن‭ ‬الذي‭ ‬ظل،‭ ‬عبر‭ ‬أجيال،‭ ‬يطالب‭ ‬بإصلاحات‭ ‬تمس‭ ‬معيشه‭ ‬اليومي‭ ‬وتخرجه‭ ‬من‭ ‬الاستعصاء‭ ‬الذي‭ ‬يطال‭ ‬عدة‭ ‬مجالات‭ ‬حيوية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬قياس‭ ‬صدق‭ ‬الخطاب‭ ‬الحكومي‭ ‬أو‭ ‬الحزبي‭ ‬إلا‭ ‬بمدى‭ ‬تحققها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ملموس‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬والمدارس‭ ‬وأسواق‭ ‬الشغل‭.‬
 
وتكمن‭ ‬المفارقة‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬انتهاج‭ ‬الحكومة‭ ‬للغة‭ ‬الأرقام‭ ‬والمشاريع‭ ‬والميزانيات‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬برامجها،‭ ‬مقابل‭ ‬جيل‭ ‬يطالب‭ ‬بلغة‭ ‬القيم‭ ‬والمعنى‭ ‬والعدالة‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الفرص،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أحزاب‭ ‬معارضة‭ ‬تحاول‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬تموقعها‭ ‬في‭ ‬الخريطة‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نقد‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬وإحياء‭ ‬ثقة‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬ذاتها،‭ ‬وإعلان‭ ‬نفسها‭ ‬بديلا‭ ‬منقذا‭ ‬من‭ ‬الضلال‭.‬
لقد‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬الأحزاب‭ ‬الثلاثة‭ ‬المشكلة‭ ‬للأغلبية‭ ‬الحكومية‭ ‬تتقاطع‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬واحدة‭ ‬تلتقي‭ ‬عند‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬«الإصلاح‭ ‬من‭ ‬فوق»،‭ ‬أي‭ ‬إصلاح‭ ‬تديره‭ ‬الحكومة‭ ‬عبر‭ ‬سياسة‭ ‬عمومية‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الحكومة-‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬انتقده‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬في‭ ‬افتتاح‭ ‬الدورة‭ ‬البرلمانية‭ ‬(10 أكتوبر‭ ‬2025) -‭ ‬منحت‭ ‬الأولوية‭ ‬للمشاريع‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬سياسات‭ ‬اجتماعية‭ ‬فعالة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬الفوارق‭ ‬وضمان‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية،‭ ‬مثل‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬اللذين‭ ‬يعتبران‭ ‬اختبارا‭ ‬حقيقيا‭ ‬لقيمة‭ ‬المواطنة‭ ‬وصدق‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬وعودها‭.‬
 
في‭ ‬المقابل،‭ ‬تطرح‭ ‬أحزاب‭ ‬المعارضة‭ ‬«الاتحاد‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬التقدم‭ ‬والاشتراكية،‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية،‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الموحد،‭ ‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭..‬»‭ ‬رؤى‭ ‬بديلة‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬أدوات‭ ‬التنفيذ‭. ‬فالاتحاد‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الإصلاح‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للمرفق‭ ‬العمومي‭ ‬وضمان‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية،‭ ‬محذرا‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬الخوصصة‭ ‬الزاحفة‭ ‬«تفويت‭ ‬المستشفيات‭ ‬العمومية»‭ ‬والدعم‭ ‬العمومي‭ ‬المفوت‭ ‬إلى‭ ‬المصحات‭ ‬الخاصة،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يحول‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬إلى‭ ‬امتياز‭ ‬طبقي‭. ‬بينما‭ ‬تبنى‭ ‬«البيجيدي»‭ ‬خطابا‭ ‬نقديا‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬ربط‭ ‬الإصلاح‭ ‬بالقيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬للحكامة‭ ‬الجيدة،‭ ‬وبتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬الخدمات‭. ‬فيما‭ ‬أكد‭ ‬«التقدم‭ ‬والاشتراكية»‭ ‬ضرورة‭ ‬الإسراع‭ ‬بإطلاق‭ ‬«قفزة‭ ‬إصلاحية‭ ‬نوعية»‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تمر‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬إصلاح‭ ‬الخدمات‭ ‬العمومية‭ ‬الأساسية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬قطاعي‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم،‭ ‬لضمان‭ ‬ولوج‭ ‬فعلي‭ ‬وعادل‭ ‬لكافة‭ ‬المواطنين،‭ ‬كما‭ ‬اتهم‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬بعدم‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬ملاحظاته‭ ‬ومقترحاته‭ ‬طوال‭ ‬أربع‭ ‬سنوات،‭ ‬منتقدا‭ ‬تبنيها‭ ‬لـخطاب‭ ‬«الاستعلاء‭ ‬وإنكار‭ ‬الواقع»‭. ‬أما‭ ‬حزبا‭ ‬«فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي»‭ ‬و‭ ‬«الاشتراكي‭ ‬الموحد»،‭ ‬فيطرحان‭ ‬مقاربة‭ ‬جذرية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تعريف‭ ‬وظيفة‭ ‬الدولة‭ ‬نفسها:‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬ضامنة‭ ‬للحد‭ ‬الأدنى‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬راعية،‭ ‬من‭ ‬منطق‭ ‬السوق‭ ‬إلى‭ ‬منطق‭ ‬الحق‭. ‬بينما‭ ‬يركز‭ ‬«الاتحاد‭ ‬الدستوري»‭ ‬و«الحركة‭ ‬الشعبية»،‭ ‬بصيغ‭ ‬خجولة‭ ‬ومتفاوتة،‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬تحفيز‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬عبر‭ ‬الشراكة‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مراقبة‭ ‬صارمة‭ ‬وشفافية‭ ‬في‭ ‬التدبير‭.‬
 
والظاهر‭ ‬أن‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية،‭ ‬رغم‭ ‬اختلافها،‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬محور‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬«الكلفة»‭ ‬و«الحق»،‭ ‬أي‭ ‬بين‭ ‬الواقعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬لكن‭ ‬الشباب‭ ‬المحتج،‭ ‬الذي‭ ‬يشاهد‭ ‬على‭ ‬شاشته‭ ‬الصغيرة‭ ‬تجارب‭ ‬أنظمة‭ ‬تعليمية‭ ‬وصحية‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬قريبة،‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بهذه‭ ‬التوازنات‭ ‬القديمة‭. ‬فهو‭ ‬يريد‭ ‬تعليما‭ ‬عادلا‭ ‬يتيح‭ ‬له‭ ‬حرية‭ ‬الإبداع‭ ‬والانفتاح،‭ ‬وصحة‭ ‬تضمن‭ ‬كرامته‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يضطر‭ ‬لطلب‭ ‬«الواسطة»‭ ‬أو‭ ‬دفع‭ ‬الرشوة‭ ‬للسماسرة‭ ‬و«الشناقة»‭. ‬يريد‭ ‬سلطات‭ ‬تخاطبه‭ ‬باللغة‭ ‬التي‭ ‬يفهمها‭ ‬«لغة‭ ‬الواقع‭ ‬الملموس»،‭ ‬لا‭ ‬بلغة‭ ‬الخطب‭ ‬والجداول‭ ‬والأرقام‭ ‬ومعدلات‭ ‬النمو‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يتولد‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الاحتجاج‭ ‬الهادئ،‭ ‬احتجاج‭ ‬ثقافي‭ ‬وقيمي‭ ‬وأخلاقي‭ ‬يعبر‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الشباب‭ ‬عن‭ ‬«الوطن‭ ‬الذي‭ ‬نريد»‭.‬
ومهما‭ ‬يكن،‭ ‬فإن‭ ‬الإصلاح‭ ‬المؤسسي‭ ‬الذي‭ ‬تقترحه‭ ‬الأحزاب،‭ ‬أغلبية‭ ‬ومعارضة،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يلتقي‭ ‬مع‭ ‬الإصلاح‭ ‬الذي‭ ‬ينشده‭ ‬المغاربة،‭ ‬جيلا‭ ‬بعد‭ ‬جيل،‭ ‬مما‭ ‬سيفضي‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬أفق‭ ‬جديد‭ ‬لبناء‭ ‬ثقة‭ ‬مفقودة‭ ‬تتعدى‭ ‬الحسابات‭ ‬الانتخابية‭ ‬الضيقة‭ ‬نحو‭ ‬توافق‭ ‬وطني‭ ‬حول‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬باعتبارهما‭ ‬ركيزتين‭ ‬للسيادة‭ ‬المجتمعية‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الضمير‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يحكم‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬أمام‭ ‬وعي‭ ‬شبابي‭ ‬حاد‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الكرامة‭ ‬لا‭ ‬تجزّأ،‭ ‬وأن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الجيد‭ ‬والعلاج‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬للمواطن‭ ‬المغربي،‭ ‬هنا‭ ‬والآن،‭ ‬معنى‭ ‬الانتماء‭.‬
لقد‭ ‬سئم‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬فشل‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬إصلاح‭ ‬قطاعي‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭. ‬كما‭ ‬سئم‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬ازدواجية‭ ‬الخطاب‭ ‬الحزبي‭ ‬بين‭ ‬الحملات‭ ‬الانتخابية‭ ‬والواقع،‭ ‬ومن‭ ‬تناقض‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬«الكفاءة»‭ ‬و«النزاهة»‭ ‬و«المصداقية»،‭ ‬وبات‭ ‬المغاربة‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬الإصلاح‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬بالتصريحات‭ ‬بل‭ ‬بالنتائج‭ ‬القابلة‭ ‬للقياس‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬تأخر‭ ‬في‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬يتحول‭ ‬في‭ ‬نظرهم‭ ‬إلى‭ ‬مؤشّر‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬السياسة‭ ‬نفسها،‭ ‬إذ‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬يمتلك‭ ‬المواطن‭ ‬بطاقة‭ ‬للتأمين‭ ‬الصحي‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬طبيبا‭ ‬أو‭ ‬سريرا‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬قريب‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬النائية؟‭ ‬وما‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬التلميذ‭ ‬الوسائل‭ ‬الضامنة‭ ‬لتعليم‭ ‬جيد؟‭ ‬وما‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬يضطر‭ ‬الآباء‭ ‬والأولياء‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬التعليم‭ ‬الخاص‭ ‬لضمان‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬«جودة‭ ‬التمدرس»؟‭ ‬وما‭ ‬معنى‭ ‬التفاوتات‭ ‬القاتلة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم‭ ‬الخاص؟‭ ‬وما‭ ‬معنى‭ ‬إفراغ‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭ ‬من‭ ‬مضامينها‭ ‬وتركها‭ ‬للتشرميل‭ ‬والاكتظاظ؟
إن‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬بني‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعمدة‭ ‬متكاملة:‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬الحقيقية،‭ ‬الكفاءة‭ ‬الإدارية،‭ ‬والمشاركة‭ ‬المجتمعية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬إشراك‭ ‬الفاعلين‭ ‬المباشرين‭ ‬والخبراء‭ ‬المتمكنين‭ ‬من‭ ‬المعطيات‭ ‬والأحزاب‭ ‬والنقابات‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬بدل‭ ‬عرض‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مؤشرات‭ ‬وأوراش‭ ‬رقمية‭.. ‬وكفى‭ ‬لله‭ ‬المؤمنين‭ ‬شر‭ ‬القتال،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬«تحسين‭ ‬وضعية‭ ‬الأطر‭ ‬التربوية»،‭ ‬و«تحسين‭ ‬الخدمات‭ ‬الصحية‭ ‬القروية»،‭ ‬و«إصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬التوجيه‭ ‬التربوي»‭ ‬وتسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬إنجاز‭ ‬المشاريع‭ ‬المبرمجة،‭ ‬ظلت‭ ‬كلها‭ ‬أوراش‭ ‬متعثرة‭ ‬أو‭ ‬محدودة‭ ‬الأثر،‭ ‬بل‭ ‬رهينة‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الاختبارات‭ ‬والتجارب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬معرفة‭ ‬نتائجها‭.‬
لا‭ ‬زال‭ ‬المغاربة‭ ‬يواجهون‭ ‬هشاشة‭ ‬البنيات‭ ‬الاستشفائية‭ ‬«مستشفيات‭ ‬جهوية‭ ‬متهالكة،‭ ‬مراكز‭ ‬قروية‭ ‬بدون‭ ‬تجهيزات‭ ‬أساسية،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬استشفائية‭ ‬كبرى‭ ‬لا‭ ‬تواكب‭ ‬الضغط‭ ‬السكاني‭ ‬ولا‭ ‬التوزيع‭ ‬العادل‭ ‬للمرض»،‭ ‬وما‭ ‬زالوا‭ ‬يقفون‭ ‬يوميا‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬دوائية‭ ‬تنهض‭ ‬على‭ ‬التلاعب‭ ‬والاحتكار،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أسعار‭ ‬الأدوية‭ ‬تظل‭ ‬مرتفعة‭ ‬مقارنة‭ ‬بمستوى‭ ‬الدخل،‭ ‬ونظام‭ ‬التوزيع‭ ‬يخضع‭ ‬لهيمنة‭ ‬لوبيات‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬الاستيراد‭ ‬والتوزيع،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬سياسة‭ ‬وطنية‭ ‬فعالة‭ ‬لتشجيع‭ ‬الصناعة‭ ‬المحلية،‭ ‬كما‭ ‬مازالوا‭ ‬يفتقرون‭ ‬لأدوات‭ ‬العلاج‭ ‬الأساسية‭ ‬والتجهيزات‭ ‬الحيوية:‭ ‬«السكانير،‭ ‬أجهزة‭ ‬الأشعة،‭ ‬وحدات‭ ‬الإنعاش،‭ ‬المختبرات،‭ ‬وحتى‭ ‬سيارات‭ ‬الإسعاف‭ ‬المجهزة‭.. ‬إلخ»،‭ ‬وما‭ ‬زالوا‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬مسار‭ ‬علاجي‭ ‬واضح‭ ‬وموحد،‭ ‬وما‭ ‬زالوا‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬البعد‭ ‬الأخلاقي‭ ‬المفقود‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬والمراكز‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬إداراتها‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬باعتباره‭ ‬زبونا‭ ‬أو‭ ‬بقرة‭ ‬قابلة‭ ‬للحلب‭.‬
يتضح‭ ‬جليا‭ ‬أن‭ ‬التنظيمات‭ ‬الحزبية،‭ ‬أغلبية‭ ‬ومعارضة،‭ ‬يمينا‭ ‬ويسارا،‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬واضحة‭ ‬من‭ ‬المطالب‭ ‬الحقيقية‭ ‬للمغاربة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجالي‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬اللذين‭ ‬يمثلان‭ ‬عصب‭ ‬الكرامة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وميزان‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ ‬تنموي‭. ‬فالملاحظ‭ ‬أن‭ ‬الخطاب‭ ‬الحزبي‭ ‬ظل‭ ‬أسيرا‭ ‬للغة‭ ‬عامة‭ ‬لا‭ ‬تلامس‭ ‬التفاصيل‭ ‬اليومية‭ ‬لمعاناة‭ ‬المواطنين،‭ ‬بينما‭ ‬تستمر‭ ‬المستشفيات‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬خصاص‭ ‬مهول‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬والتجهيزات،‭ ‬والمدارس‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬الانحدار‭ ‬نحو‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التدهور،‭ ‬وكأن‭ ‬الزمن‭ ‬السياسي‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬آخر‭ ‬مغاير‭ ‬لتطلعات‭ ‬المواطنين،‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الأحزاب‭ ‬المغربية‭ ‬فقدت‭ ‬حرارة‭ ‬التواصل‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬الناس،‭ ‬وكفت‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بأدوارها‭ ‬في‭ ‬الوساطة‭ ‬لتصحيح‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية،‭ ‬والضغط‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬لتجويد‭ ‬قراراتها،‭ ‬وبات‭ ‬عملها‭ ‬لا‭ ‬يبارح‭ ‬الموسم‭ ‬الانتخابي‭ ‬العابر،‭ ‬وكأن‭ ‬الأحزاب‭ ‬خلقت‭ ‬فقط‭ ‬للحاق‭ ‬بالمقاعد‭ ‬الوزارية‭ ‬وترك‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭ ‬للإقصاء‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ليقول‭ ‬كلمته‭ ‬في‭ ‬مستشفياتنا‭ ‬ومدارسنا‭.‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"